أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 9th November,2000العدد:10269الطبعةالاولـيالخميس 13 ,شعبان 1421

الثقافية

من يملك حق النقد الثقافي
د, سعد بن هادي القحطاني
لم يعدم المشهد الثقافي في بلادنا اصواتا تنادي بين وقت وآخر بالنقد الثقافي وكأنه المخرج الوحيد من كل الإرهاصات التي تعاني منها العقلية العربية في تعاملها مع الذات ومع الآخر, وفي ظل هدا التهافت المحموم لايملك المرء الا ان يتساءل: هل يملك فرد ما، عالم ام جاهل، مثقف أم غير مثقف، منتم أم غير منتم أن ينقذ ثقافة بكل ماتعنيه هذه المفردة من شمول وعمق يتجاوز التاريخ والجغرافيا الى التصور العام للكون والحياة؟ وبعبارة اخرى ما المنهجية التي يمكن ان توظف في عملية النقد الثقافي تلك؟ هل هي منهجية قائمة على تحليل عوامل محددة تشكل البناء الثقافي، وتتقصى مدى تأثيرها وتأثرها في الانساق الثقافية السائدة؟ ثم إذا قبلنا جدلا بأن يمكن تقنين عوامل محددة يتشكل منها النسيج الثقافي، فما المعيار النقدي الذي نستخدمه في عملية النقد تلك؟ هل هناك نموذج مثالي محايد نستطيع أن نقيس عليه اي ثقافة فما وافق ذلك المعيار، فهو الصحيح، وما لم يوافقه فهو الخطأ؟ ثم على ماذا يبني الفرد الذي يزعم أن باستطاعته أن يقنن أو يقولب ثقافة بأسرها صائبية الأحكام التي يصدرها؟
وإذا كان الجواب بالنفي أي أنه لايوجد نموذج مثالي محايد، فان العملية مجرد عملية مقارنة تستمد أحكامها من رؤى فردية وتقوم على مدى مشابهة نموذج ثقافي قائم لنموذج ثقافي آخر.
ولكيلا نوغل في التنظير، كيف لنا أن نزعم من الناحية الاستدلالية البحتة التي تربط السبب بالنتيجة، بأن الشعر مثلا هو السبب الوحيد في شعرنة أي عدم واقعية الرؤية العربية؟ وما المنهجية العلمية التي توصلنا من خلالها إلى أن الثقافة العربية تعاني من الشعرنة تلك؟
إن الثقافة في أبسط تعاريفها ممارسة اجتماعية يشترك فيها الأغلبية، وهي مرتبطة بالتصور الكلي للكون والحياة, والثقافة العربية لايمكن عزلها بحال عن المسلمات الدينية التي أتى بها الإسلام، الذي ينظر الى الحياة الدنيا بأسرها على انها دار ممر، والآخرة هي دار المقر، وبالتالي فمن الطبيعي أن ينظر الإنسان العربي المسلم إلى ماديات الحياة بشيء من الفتور، وأن يحلم دوما برضا ربه وبالجنة، وما ادخره له في الآخرة من الخير والرضوان.
والمسلم لا يكتمل إيمانه الا بالتسليم بالقدر خيره وشره، وبالتالي فإنه يتجاوز واقعية الاشياء وماديتها إلى قدرة الله المطلقة المتصرفة في الكون, وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تختلف الثقافة العربية الإسلامية عن الثقافات الأخرى في هذه الناحية بالذات، وهو اختلاف منشؤه اختلاف التصور الكلي للكون والحياة، ولسان حالها يقول نعيش في الواقع ونتعامل مع الواقع وليس لنا إلا الواقع.
ثم إننا لو قبلنا نفس الأسلوب الجدلي الذي يزعم أن الشعر وحده هو السبب في شعرنة أو عدم واقعية الرؤية الفكرية، فماذا نقول في دعوات الوقعنة المنتشرة في الشعر العربي مثل قول أحدهم:
مامضى فات والمؤمل غيب
ولك الساعة التي أنت فيها؟
لقد آن لنا أن نتجاوز الطروحات الزوبعية في تناولنا لقضايانا المصيرية مثل الثقافة والهوية، ووجب علينا وقد ضقنا ذرعا بخلق معين ألا نأتي مثله، كتضخيم الذات وإطلاق الأحكام دونما مرجعية علمية, فالمتلقي أصبح على قدر من الوعي يمكنه من تجاوز التشكليات إلى المضامين, كما أن المتلقي أصبح في حالة من التبرم يمكنه من خلالها أن ينظر إلى نفسه من الداخل ثم يضع أصابعه على مواطن الوجع.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved