أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 9th November,2000العدد:10269الطبعةالاولـيالخميس 13 ,شعبان 1421

الثقافية

نهار جديد
مستقبل الشعر,,مستقبل الفوضى
عبدالله سعد اللحيدان
الى من يتوجّه الشاعر الجديد ومن يُخاطب، وعلى أي أوتار المتلقي يحاول العزف، وأي أعصابه ومشاعره وانفعالاته وردود فعله يحاول التحريك أو الايقاظ أو الاثارة، وما وسائله الى ذلك، وماذا يفعل لتحقيق ذلك قبل واثناء وبعد العملية الابداعية، وكيف يقيس مستوى نجاحه أو اخفاقه؟
اسئلة كبيرة وذات عمومية، تصعب الاجابة عليها قبل معرفة الشاعر الجديد ذاته، موهبته وامكانياته وطريقته في العمل والاداء ووعيه لما هية الشعر ووظيفته وظرف انتاجه.
ولان الشعراء الجدد من شعراء جيل التسعينيات ومن تلاهم متفلتون من اي تحديد او توصيف وغير قابلين للتأطير والتصنيف في مجموعات، ومعدن انتاجهم يميل الى الزئبق اكثر من اي معدن آخر، فقد يكون السبيل الوحيد لمحاولة مقاربتهم وقراءتهم ولو بشكل نسبي، هو استعراض جميع الاجيال السابقة لهم، ومنذ فجر الشعر حتى الآن، لكي نستطيع القول انهم او هكذا ينبغي لهم مختلفون، وان من كان منهم يشبه اي جيل سابق او يلتقي معه او يتقاسم معه بعض المظاهر فهو ينتمي الى ذلك الجيل السابق ولا ينتمي بأي حال من الاحوال الى هذا الجيل الجديد، حتى ولو ادعى ذلك او حاول اصحابه واصدقاؤه من ممارسي النقد الشللي او المصلحي منحه هذه الميزة.
وهل يمكن في مقال واحد أو كتاب واحد او موسوعة واحدة مقاربة كل ما انتجته البشرية من شعر منذ بداية ممارستها لهذا الفن حتى الآن؟
الجواب هو: لا ولكن يمكن احيانا الاشارة الى ذلك، مجرد اشارة، وكما يشير الانسان بإيمائه من رأسه فقط الى بناية او شارع او مدينة أو قطر أو قارة أو الكرة الأرضية أو الكون على الخارطة أو في الواقع.
هكذا وبمناورة كلامية يسيرة يتم تبسيط اصعب الامور وتهويل أبسطها، وهكذا نستطيع وفي اسطر محدودة العدد استعراض الشعر منذ بداياته حتى الآن، وبطريقة تشمل جميع الامكنة التي كتبت الشعر أو قرأته أو سمعته أو سمعت به.
في هذه الاسطر، وبنفس الطريقة، يتم استعراض وتقييم ملايين الشعراء وآلاف المدارس والمذاهب والفلسفات والتوجّهات والطرق الفنيّة والادبيّة ولكن بالاشارة.
لو قلنا مثلا انه وكما يبدأ الطفلُ، بدأ الانسان بالاصوات والحروف فالالفاظ فالتراكيب، متطوّرا من بدائيته حتى تكامل في وقت ما من أوقات تطوره الحضاري مع لغته ثم مع كلامه ثم مع الدلالات وبدأ نضجه عندما تكاملت الابعاد الثلاثة: الانسان والكلام والدلالة، واختلف الشعراء واتفقوا في مستوى امتلاكهم للكلام وخصوصية كلّ منهم في ذلك، واختلف الفلاسفة والنقاد الراؤون في مستوى امتلاكهم للقدرة على مقاربة الدلالات وخصوصية كلّ منهم في ذلك، واصبح موقف كل منهم من مادته هو ما يُحدّد مفهومها لديه، وهذا ربّما ما يُفسّر جانبا من الظروف والتطورات التي صاحبت ذلك كلّه، ثم الاختلافات التي وصلت بهذه المواقف وطرق التعبير عنها الى ما نشهده الآن من فوضى.
ولو قلنا مثلا ان الشعر بعد ان اكتمل نموه وأصبح فنا يعترف به الناس ويعرفونه باسمه، بدأ حسيا في الخيال والعناصر المستخدمة والمشاعر المراد اثارتها، ووظيفته نفعية تقوم على اهداف واضحة محددة سلفا قبل البدء في القول أو في انتاج العمل الابداعي وطريقته حشد وتجميع وتلزيق ورصف العناصر المكونة للمادة الشعرية بشكل يُراعي التآلف والتقارب والتناسق والوضوح والاعتدال والتفكير المنطقي المنظم ولا يكلف المتلقي عناء في فهمه وتصوره وادراكه، وأليفا لا يصدمه بشيء ولا يثير دهشته او استغرابه، ومطمئنا لا يوقظ او يغير او يحرك بل يسعى الى استخدام كل ما يمكنه ان يضمن وصول الرسالة او الفكرة الى القارىء واضحة معتمدا على وسائل الحيثيات والمنطق والبرهنة والتعليل والصدق وتأكيد النتائج والمباشرة التي تتجه الى الحواس، جاعلا كافة العناصر تتجه الى هدف واحد مباشر ودلالة واحدة ومعنى واحد وتسعى الى الحصول من القارىء على اعلى نسبة من التصديق، جاعلا نفسه لسان الجماعة اي خطيبها ومؤرخها واعلامها مازجاً عمله ببعض الاثارة الحسية المباشرة.
مستبعدا كل ما يمكن ان يبعده او يحيد به عن الهدف المرسوم او يبعد المتلقي عن الفهم مثل الغموض او الايحاء او تعدد الدلالة او انفتاح المعنى على أو حمله اكثر من معنى.
ثم ملّ الشاعر الحديثَ باسم الجماعة وعنها وتسجيل مظاهر حياتها واحداثها والتأريخ لها، واحس بأن له تميز وخصوصية كانسان تنتابه مشاعر مختلفة، وانه كان يعيش خارج نفسه وواقعه وليس فيهما، وان مشاعره وخصوصياته وانفعالاته ورؤاه بحاجة الى تأمل واستقصاء، وأن الآخرين ملّوا الحديث عن الأحداث العامّة ووصفها من الخارج فهذه وظيفة المؤرخ وانهم بحاجة الى من يغوص في أعماق نفوسهم من خلال عودته الى أعماق نفسه، وان عواطفهم وخيالاتهم ومشاعرهم واذواقهم وقضاياهم الانسانية اهم من مجرد اثارة حواسهم وخيالهم الحسي.
وانهم بحاجة الى من يعزف على ايقاع تجاربهم الانسانية المشتركة ويُنشّط خيالهم، والى من يمارس معهم الايحاء بدلالاته المفتوحة على كل منهم لانهم مختلفون ويوحي ويرمز ويُشير ويُثير ويجعل حالة القائل حالة كل انسان يُشبهه وينفذ بعواطفهم عبر عاطفته الى ما هو أعمق من المظاهر الخارجية في عودة الى النفس لاكتشافها وتأمل عذاباتها وعواطفها واحلامها وطموحاتها وقراءة مستقبلها.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved