أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 16th November,2000العدد:10276الطبعةالاولـيالخميس 20 ,شعبان 1421

الثقافية

ترويج ابداع النخبة هل هو الحل للاحتباس الثقافي؟
محمد العثيم
لا نختلف على مسألة صعوبة توظيف ابداعات ثقافة النخبة في نسيج الحياة مباشرة في الوقت الحاضر وكل ما يدعيه المثقفون في الموضوع هو تأثير غير مباشر يأتي الى الناس عبر وسائط النقل المختلفة غير المباشرة والمحولة للفكر النخبوي الى عصارة مناسبة لمواءمة ابداع النجوم الجماهيري الذي رسخ بشكل كبير ليقضي على الآثار السلبية لتعبوية الستينات والسبعينات التي ركبت مراكب الابداع النخبوي في غرضها الايديولوجي التعبوي في ذلك الوقت.
وهذا الكلام وان كان منطقا مقبولا للتبرير الا انه ليس لدينا أي دليل واضح على عدم تأثير الابداعات النخبوية على صورة الحياة الواقعية او قيادتها او تحريك ساكنها ولكي نكون منهجيين في فهم الادعاء بضعف او عدم تأثير ابداع وفكر النخبة على الشارع بشكل عام لابد ان نقيم اتجاهات عمل اجهزة الاعلام الجماهيري التي رتبت برامجها في مستوى تلقي جماهير العامة بل في كثير من الاحيان تحجب فيها ابداعات النخب بادعاء انها ليست جماهيرية مما استدعى كثيرا من الأصوات للمطالبة ببرامج ترويجية للأدب الراقي حتى نستطيع خلق نظرية للدراسة وحينها نحكم على مستوى التأثير النخبوي من حجم التلقي المتاح والجمهور المستقبل للرسالة اما الفرضية الحالية التي ترفعها المؤسسات الاعلامية بعدم وجود متلق نخبوي في جماهير الاعلام الجماهيري يستحق ان يخصص له الوقت فامر فيه نظر.
وفي هذا الجانب لا ننسى ان الحياة الجماهيرية المشار اليها قد تكون في الاساس عقلا واحدا يخلق مقاييسه الآنية ويحدد اطره مما يعطينا توقعا نظريا بأننا اذا ما حكمنا عقل الجماهير بمستوى معين فان الجماهير ترضخ للفهم من هذا القياس او ذاك على مستويين الاول سياق العقل الجمعي والثاني الفرد النخبوي الذي يفرض وجوده الواقع الاجتماعي.
تاريخيا لدينا ما يدعم هذا الاتجاه في المراحل العربية التي كانت الثقافة فيها تعبوية فرغم العقل النخبوي المتسامي الا ان الجماهير كانت تعطي استجابة فكرية وسياسية للطرح الاعلامي بصفته تيار الحياة وهنا استشهد بالموسيقى والثقافة النخبوية التي كانت تبثها اجهزة الاعلام في المراحل التعبوية الى منتصف السبعينات.
دعونا نلقي نظرة على مظاهر الكساد لعل فيها جانب من التبرير للعزلة النخبوية التامة,, وعزلة الفكر النخبوي ليست كلها مفروضة بالسلطات بل ان جزءا منها خلقه المثقف النخبوي نفسه وحاول الاحتماء به من الضالين والتافهين والمسوقين,, واذا ما تتبعنا مظاهر كساد ادب النخب سنجد انها تلتقي في نقطتين احداهما جاءت من السلطة الادارية والاخرى خلقها المبدع نفسه عندما ربط ايديولوجي التعبويات المختلفة في مسار الفكر والابداع وخلق ثنائية مثقف السلطة وضده وهنا وجد الرقيب المفترض مساحة يلعب بها في حال الثقافة في العالم العربي وبنيت كثير من الحوافز الثقافية وتغير وجه الفكر بالرقابة القاصرة.
فاذا ما بدأنا بما رسخه العقل الاداري غير المثقف مما يدعيه من المستوى الثقافي القبول نجد ان المشكلة في العقل الاداري هي مشكلة ثقافية بالمقام الاول لأن الاداري البسيط لا يفترض فيه ان يكون من عالم المنهج في التقييم او الفلسفة في الشرح وفي حال استعانة الاداري بخبرات ثقافية فان مصدر المثقفين الذين يستعان بهم ما يلبثون ان يتبوؤوا طرح الفكر الاداري في رقابتهم بصفته توجيه وقرار ولا يعرضون آراءهم بالشكل الصحيح توخيا للبقاء في نعمة وبحبوحة الموقع.
هنا نكون عند عيب النخبة وهو ان النخبة نفسها قد تكون اما مختزلة لأفكارها او مهذارة بحسب مكانها من طرفي الكلاسيك والحديث وهي ايضا اما ان تكون طليعية او رجعية الهوى وفي كلتي الحالتين فان النخب تعزل نفسها عن بعضها وعن الناس من واقع احساس فوقي مفترض وهذا اول المظاهر في كساد ابداع وثقافة وفنون النخبة وعدم رواج المنتج حتى وهو يهدي بالمجان بل لعلك تجد ان لدى افراد النخب الثقافية عزوفا عن قراءة ابداعات بعضهم وتجاهلها والتركيز على اسماء نجوم النخب المستوردة التي هي نجوم معدودة الجماهير ولكنها لا تتجاوز العشرة في كل وقت ومن كل فن يرمز لها اهل الابداع على انها الوجوه الملهمة والنماذج النيرة في عالم الابداع وفي هذا التصنيف يخلق المبدعين وناشريهم طبقية الطبقة بمعنى النجوم والكواكب واحيانا تقيس هذه الابداعات بنسبها الجغرافي وموطنها وطبقة انتاجها فبلاد لا يعتبر مبدعوها ذوو بال بسبب ظروف اجتماعية وسياسية تحيطهم تعلق اقنعة على وجوههم ولكن عندما تتم قراءة واعية لانتاجهم نجد ان لديهم من التميز ما يرتفع بهم عن كثيرين من مبدعي النخبة المطروح انتاجهم في واجهة المكتبات.
ثانيا: رداءة التفاعل مع ابداعات النخبة في الحياة حتى وهي في نطاق المشافهة بسبب عدم تعويد الاذن على متابعة اللغة الكبرى فنجد ان ابداعات النصوص الحديثة التي تحتاج الى فهم وهي في اغلب الاحيان تتلى في الوسائل المختلفة بشكلها المغلق دون بذل جهد من قبل المقدمين لتفتيحها وابراز جمالياتها مع اننا في الادب الجاهلي نفسه نقدم النصوص بشرحها وتفاهماتها المكملة مما يجعل الابداع الحديث يبدو لنا وكأنه نص من لغة اخرى لا يمكن استيعابها.
ثالثا: ان النصوص المبدعة في كل المجالات بما فيها النقد هي في الغالب نصوص مقروءة ولكن القراءة نفسها هذه السنين تتعرض لضغط شديد من مزاحمة الوسائل المقروءة والمسموعة وان كانت الشبكة الدولية الانترنت برقابتها المحدودة قد اتاحت للقراءة فضاء ارحب خصوصا في بعض الدول العربية التي يرتفع فيها جدار الرقيب.
يحسن ان تعود ابداعات النخب لانها العنصر المفقود وسبب الاحتباس.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved