أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 16th November,2000العدد:10276الطبعةالاولـيالخميس 20 ,شعبان 1421

الاقتصادية

ثقافة الاستهلاك والتسوق
د, زيد الرماني *
ان الذي يميز العادات الاستهلاكية الحديثة من تلك التي كانت سائدة في عصور سابقة، هي اننا اكثر ثراءً من اسلافنا، وبالتالي فان لنا تأثيرات اكثر تدميراً للبيئة, وليس من شك في وجود قدر كبير من الحقيقة في تلك النظرة، الا ان هناك ايضاً سبباً في الاعتقاد بوجود قوى معينة في العالم الحديث هي التي تشجع الناس على التصرف ازاء رغباتهم الاستهلاكية تصرفاً كان نادر الحدوث من قبل.
وتوجد خمسة عوامل جديدة مميزة يبدو انها تلعب دوراً في غرس الشهوات الجشعة في النفوس، وهي تأثير الضغوط الاجتماعية على المجتمعات البشرية والاعلانات، وثقافة التسوق والشراء، والسياسات المختلفة للحكومة، وتغلغل سوق الجملة في دنيا المنازل وفي الاعتماد الذاتي المحلي.
ولقد عبر مصرفي يعمل في وول ستريت لصحيفة نيويورك تايمز قائلاً ان القيمة الصافية تساوي القيمة الذاتية, بمعنى، ان قيمتك الحقيقية هي قيمة ما تملك من مال,, وبناء على هذا التعريف يصبح الاستهلاك طاحوناً دوارا، حيث يقدر الناس حالتهم الاجتماعية بمدى غنى او فقر كل واحد منهم.
وتؤكد البيانات السيكلوجية الصادرة من دول عديدة ا ن الرضا المستمد من المال لا يتحقق من مجرد حيازته، وانما يتحقق من امتلاك اموال اكثر من الآخرين، ومن امتلاكها في هذا العام اكثر من العام الماضي.
ولعل من الامور الاكثر غرابة ان غالبية البيانات السيكلوجية توضح ان المقومات الرئيسية للسعادة في الحياة لا ترتبط بالاستهلاك على الاطلاق فمن ابرز هذه المقومات الرضا بالحياة الاسرية ثم الرضا بالعمل، ووقت الفراغ، والصداقات.
وفي استقصاء شامل عن العلاقة بين الرخاء والرضا، لاحظ جوناثان فريدمان انه فوق مستوى الفقر، فان العلاقة بين الدخل والسعادة ضئيلة على نحو ملحوظ.
يقول آلان درنج لقد اصبح شراء الاشياء برهاناً على الاحترام الذاتي، ووسيلة للقبول الاجتماعي،اي علامة مميزة لما اسماه الاقتصادي ثورشتاين فبلن اللياقة المالية .
ولقد وجد اخصائيو التسويق وسائل تزايد دوماً لترويج سلعهم فالاعلانات تذاع بواسطة اكثر من 10,000 محطة تلفزيون وراديو في الولايات المتحدة مثلاً، وهي تلصق على لوحات الاعلانات، وفي الملاعب الرياضية، وترسل حول الارض من الاقمار الصناعية، وفي محطات مترو الانفاق، على شاشات فيديو بعرض الحائط في الاسواق التجارية, والاعلانات تدلف ا لى حجرات الدراسة وعيادات الاطباء، وتوضع على لوحات المباريات الرياضية.
لقد اصبح الاعلان واحداً من اسرع الصناعات نمواً في غضون نصف القرن الماضي, ففي الولايات المتحدة مثلاً، ارتفعت مصروفات الاعلانات من 198 دولاراً بالنسبة للفرد الواحد في الخمسينات الى 498 دولاراً في الثمانينات اي انها تنمو بأسرع من الانتاج الاقتصادي.
كذلك فقد ادى تكاثر مراكز التسوق، بطريقة ملتوية، الى تشجيع الاجبار على الشراء وكثير من النقاد يعتقدون ان تصميم ساحات المحلات التجارية، في حد ذاته، يشجع على التهور الاقتنائي.
ان الاهداف الاقتصادية الوطنية تبنى صراحة على ان الاكثر هو الافضل وعلى سبيل المثال تشير الاحصائيات الوطنية الى الناس بوصفهم مستهلكين لا مواطنين في اغلب الاحوال ولما كانت السياسة الاقتصادية تبنى على نظام الاقتصاديات الحديث فانها تعتبر الاستهلاك المفرط والمحموم بمثابة نمو صحي.
وجدير بالذكر القول بأن صناعة الاعلان تعتبر عدواً لدوداً للبشر فهي تتغلغل في كل ارجاء العالم، ولكنها تكون قابلة للانتقاد حينما تلح على سلع تعرض الحياة الانسانية للخطر، والاعلانات عن السجائر ينطبق عليها هذا القول، ولذا ينبغي ان تلغى من التليفزيون في كل ارجاء العالم.
والخلاصة، فان كبح الذات سوف يكون قليل الاثر مالم يقترن بخطوات سياسية جريئة في مواجهة القوى المشجعة على الا ستهلاك اضافة الى الدعوة المتكررة للاصلاحات البيئية والاجتماعية اللازمة لتحقيق اهداف متواصلة، مثل ترشيد انظمة الطاقة، وموازنة النمو السكاني، وانهاء الفقر يلزم اتخاذ اجراءات للحد من الافراط في الاعلان، وكبح ثقافة التسوق، والغاء السياسات التي تدفع الى الاستهلاك اننا، يمكن ان نكون اكثر سعادة، لو كان استهلاكنا اقل.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved