أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 24th November,2000العدد:10284الطبعةالاولـيالجمعة 28 ,شعبان 1421

الثقافية

قصة قصيرة
العجوز المسكينة
في احدى ليالي الشتاء الباردة,, الثلج يتساقط,, السماء ملبدة بالغيوم,, الظلام الحالك يقتل الصمت,, جلست أمام النافذة,, أترقب طلوع الفجر,, وبجانبي النار المشتعلة,, كلما أرادت أن تنطفىء,, ألقيت اليها بعض الحطب,, فتلتهمه وتطلب المزيد,.
طال الليل,, وازداد الثلج في التساقط,, الظلام دامس,, الصمت الرهيب يقطع الأفئدة,.
بينما أنا كذلك اذ طرق الباب طارق,, في البداية,, لم أصدق,, ظننته ضربا من الخيال,, أعاد الطارق طرقه,, أيقنت أنني لا أحلم,, لكن,, من الذي سيأتي في هذه الساعة المتأخرة؟,, وفي هذه الليلة الباردة؟,, من الذي فقد عقله,, وخرج من بيته؟
ترددت في فتح الباب,, ارتسمت في ذهني أشياء كثيرة,, انسان,, حيوان,, أشياء أخرى,, امتدت يدي لفتح الباب,, كانت ترتعش بقوة,, توقفت فجأة!!,, أليس من المحتمل أن يكون حيوانا مفترسا,, أو شابا طائشا,, استغل هذا الوقت,, وهذا الجو للسرقة,,
ارتفعت يدي عن مقبض الباب,, هممت بالرجوع,, ولكن,, أعاد الطارق طرقه,, توقفت,, استدرت نحو الباب,, توكلت على الله,, وعزمت على فتحه,, فتحت الباب,, كان صرير الباب كفتيل القنبلة,, أنتظر من خلفه,.
يا للعجب؟!!,.
ظهرت لي عجوز كبيرة,, كبيرة جدا,, قد أخفى الزمن معالم وجهها,, وارتسمت عليه آثار التاريخ,, شعرها أبيض,, ثيابها ممزقة,, يداها ترتعش,, حالتها رثة,, هيئتها سيئة للغاية,, لم تكن تلبس ما يكفيها,, لكي تحتمي من هذا البرد القارس,, الذي لا يرحم,.
نظرت الي بعين البائس الفقير,, الذليل,, نعم الذليل,, كانت تتكىء على عصا صغيرة,, اندهشت من هذا المشهد الرهيب,, لأول مرة,, يمر علي موقف كهذا,, خفت في البداية,, تلعثم لساني عن الكلام,, لم أنطق بحرف واحد,.
أدخلتها,, كانت تمشي ببطء,, جلست على كرسي بجانب النار,, التفت الى الباب لأغلقه,, واذا بذئاب تعوى عواء الغاضب,, المنتقم,, هممت بالخروج,, لألقي نظرة عليها,, صرخت العجوز: لا تفتح الباب,, أحكم غلقه,, تعجبت منها!!,, سألتها لماذا؟,, وكأنها تعرف هذه الذئاب,, منذ زمن بعيد,.
قالت لي,, بصوت يلفه الصمت والخوف,, أجلس يا بني,, لأحكي لك حكايتي,, التقطت أنفاسي,, اشتقت لسماع قصتها,.
قالت: كنت أعيش مع أبنائي,, معززة بينهم,, مكرمة حولهم,, كنت في صحة وعافية,, اذا شكوت من شيء,, سارعوا اليّ,, وتسابقوا نحوي,, يقضون حاجتي,, ويلبون ما أريد,, لم أشعر بتعب وأنا بينهم,, أبدا,, كنت في سعادة غامرة,, ولكن,, الحال لا تدوم,, نعم,, لا تدوم يا بني,,,.
سكتت برهة,, ثم تابعت: ومع مرور الأيام,, والشهور والسنوات,, تبدل الحال,, وتغيرت الأحوال,, عقني أبنائي,, بدأوا لا يسمعون شكواي,, ولا يلتفتون اليّ,, أصبح كل منهم منشغلا بهذه الدنيا,, أصبحت عندهم في عداد الموتى,, نسوني,, بل تناسوني,, وكأني لست أمهم,, ولم أتعب يوما في حملهم ووضعهم,, ولم أسهر على راحتهم,.
خفضت رأسها,, سقطت دمعة من عينها,, تنهدت,, ثم استمرت تتحدث,.
تفرقوا عني,, وتركوني وحيدة,, رفض كل منهم ايوائي,, طردوني بكل وحشية,, خرجت هائمة على وجهي,, في هذا البرد القارس,, لا أعلم الى أين أذهب,,
وقفت,, التقطت عصاها تتكىء عليها,, مشت نحو النافذة,, في تثاقل,, ثم تابعت قائلة: واذا بهذه الذئاب تهاجمني من كل مكان,, هربت منها,, لاحقتني,, هربت وهربت,, استجمعت قواي,, ساقني القدر الى هذا المنزل,, سكتت,.
التفتت اليّ,, والدمع يذرف من عينها,, نظرت الي نظرة تأمل وخوف,, وقالت بصوت متقطع: والآن أنا وحيدة,, لا أعرف أحدا الا الله عز وجل,, ثم أنت,, ثم أجهشت بالبكاء,,,, صدمت من هذه الحكاية العجيبة,, لم أصدق ما أسمع,, ألهذا الحد وصل العقوق,, لا حول ولا قوة إلا بالله,,,.
هدأت من روعها,, أخذت عصاها,, وهمت بالخروج,, منعتها,, اعترضت طريقها,, دفعتني,, اتجهت نحو الباب,, قلت لها: الى أين ستذهبين؟,, وقفت,, طأطأت رأسها,, وقالت: الى المستقبل المجهول,, سأتابع المسير,, لعل الله يعوضني بأبناء آخرين,.
لم أستطع أن أنبس بكلمة,, فتحت الباب,, التفتت الي,, ونظرت الي نظرة,, وكأنها النظرة الأخيرة,, ثم أغلقت الباب,, سمعت صوت الذئاب مرة أخرى,, قمت الى النافذة,, لأشاهد ماذا يحدث,, يا للفاجعة!!,.
لقد هجمت الذئاب,, على هذه العجوز المسكينة,, سقطت مذعورة,, لم تستطع أن تقاومها,, والذئاب تنهشها من كل مكان,, وفي عيونها الغدر والخيانة,, والحقد الدفين,,,, و,,,.
استيقظت من النوم مذعورا,, التفت يمينا,, شمالا,, لقد كان حلما,, تأكدت انه حلم,, الحمد لله,, سألت نفسي,, من تكون تلك العجوز؟؟,.
نعم,, لقد عرفتها,, انها الأمة الاسلامية,, وتلك الذئاب هم أعداء الاسلام,, ثم عدت الى النوم خائفا.
عمر بن عبدالعزيز المحمود
كلية اللغة العربية

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved