أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 24th November,2000العدد:10284الطبعةالاولـيالجمعة 28 ,شعبان 1421

شرفات

برعاية وتمويل كريمين من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز
صدور المشروع الثقافي الضخم الملك عبدالعزيز,, سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية
د, سعد الصويان
ليس تاريخ الملك عبدالعزيز إلا ملحمة من البطولة والرجولة والحكمة ونفاذ البصيرة والبسالة وتحدي الصعاب.
في كل بقعة من هذه البلاد له موقف وحكاية وتاريخ ضاج بالمدهش المثير,, وإذا كنا قد ألممنا ولو ببعض من سطور تاريخه الحافل بالمآثر والمهابة والعظمة فيما نقرؤه او نسمعه حين كان يؤسس لصياغة هذا الوطن ويرسي دعائم وحدته، وإذا كنا نستطيع الوصول إلى ما لا نعرفه من خلال ما سجله المؤرخون والكتاب والمفكرون فإننا على الرغم من كل ذلك سنظل غير قادرين على الوصول إلى كنز ثري آخر يضم آلاف الوثائق والمدونات التاريخية التي تنطق بالجليل من الأعمال والجهود والمخاطبات بين الملك عبدالعزيز وبين اقطاب الساسة والمتنفذين في إدارة مصائر الدول .
ففي كل سطر من تلك الوثائق والمدونات يشرق وجه عبدالعزيز غامرا بحنكته قارئ اليوم باعثا فيه كل الاكبار له ولقدراته الإنسانية المتميزة التي يتجدد خلودها في كل سطر من هذا التاريخ,, وثائق ومدونات يصعب علينا الوصول إليها لأنها موزعة في ارشيفات دول العالم تحتاج إلى جهد ومال كبيرين وإلى وقت يستغرق اكثر من العمر كله فضلا عن ضرورة الإلمام بعدد من اللغات وبأساليب البحث وعلم الوثائق والمكتبات، الأمر الذي حرمنا لفترات طويلة من هذا المنجم الزاخر والثري عن تاريخ الملك عبدالعزيز وعلاقاته السياسية البينية التعاونية مع دول العالم في سبيل التكريس لوحدة هذا البلد وبناء وطن موحد تحت راية التوحيد هو اليوم ينعم بفضل الله ثم بفضل ذلك القائد المؤسس بمكانة متألقة في الصدارة من دول العالم.
وقد ظل الحلم بحيازة ذلك الكنز المعرفي موقوفا على الانتظار بأن يأتي يوم يصار فيه إلى جمع تلك الوثائق والمدونات وترجمتها وتقديمها كإضافة نوعية لتاريخ الملك عبدالعزيز المسجل واسهاما حقيقيا في ثقافتنا الوطنية والثقافة العربية بوجه عام,, ظل هذا الحلم ينتظر رجلا فذا غيورا على تاريخ الوطن وتراثه وثقافته هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي قام بتمويل ورعاية هذا المشروع الثقافي الضخم لترجمة تاريخ الملك عبدالعزيز في الوثائق الأجنبية واصدار ذلك في موسوعة بلغ عدد مجلداتها الكاملة 20 مجلدا وقامت دار الدائرة للنشر والتوثيق بالعمل على النهوض بكل ما تطلبه العمل من جهود جمع الوثائق وتصنيفها وترقيمها وتدقيقها ثم ترجمتها بلغة عربية سائغة وامينة.
ان هذا العمل الموسوعي الضخم لا يمثل سردا تاريخيا لوقائع ومباحثات ومخاطبات بين الملك عبدالعزيز وقادة الدول الأجنبية فحسب، لكنه يقدم مشهدا روائيا ملحميا لإنسان الجزيرة العربية في تفاعله مع الريادة النادرة لمسيرة عبدالعزيز على تراب هذه البلاد ولدوره الكبير الذي لعبه في محيطه الاقليمي والعربي بل والعالمي.
ان حشدا هائلا من الاصوات والوجوه تكتظ بها سطور هذه الموسوعة العظيمة، ثمة بحر من الشجن الإنساني الحميم المتلاطم يصطخب بين الكلمات، مشاعر جمة فياضة تكاد تتفرس بنا سحنات أصحابها من أجدادنا وآبائنا يجوسون في البراري يحدون بإبلهم او يصيحون بجيادهم في اثر حلم مستحوذ غرسه فيهم هذا الرجل الفذ وكانوا في عراك شرس مع الذات ومع شح الضرع والزرع ووفرة الخوف والجوع والمرض لتحقيقه,, انت حين تقرأ هذه الموسوعة يطل عليك وجه جدك ووجه جد صديقك ووجه جد قريبك كما تطل عليك هوادج الأباعر تحمل الآباء والأمهات وهم يشهدون على التخوم وعلى خط الأفق مولد غد ابيض مسيج بالأمن والطمأنينة,, في كل سطر وخلف كل فاصلة وعند منعطف كل جملة او عبارة ستلمح في غور اللغة دهاليز قرانا وامضة فيها بيوتنا الطينية وفلواتنا وخيامنا وسوف تنداح من صمت الحروف أهازيج مغموسة بالأنفة والطيبة والجسارة والنخوة والوفاء مشوبة بلوعة فراق او تنهيدة حب او رعشة لقاء، لسوف تغطس في شجن الربابة او دمدمة الطبل أو نشيج المزمار ولسوف تتخفف من حاضرك وتهرول إلى صفوفهم في جوقة السامري او العرضة او الخطوة او الزار,, لسوف تشتعل فيك غابة الذكرى وتنهمر عليك الرؤى وتصطفيك اليها دعابات الأهل وعذاباتهم، سوف تكون انت معهم مستنفرا بحساسية ورهافة لالتهام مخارج الحروف وما يظهر على الوجوه او ما يفلت من سكنات وحركات سوف تأخذك سطور موسوعة الملك عبدالعزيز في الوثائق الأجنبية إلى باحة الوطن العريضة العميقة وسوف تكون انت في ضيافة جمع غفير أثير من الأهل والأقارب والأحباب يحوطهم راع لهم ومنهم سيدهم المبجل صانع مجدهم ومجد احفادهم عبدالعزيز بن سعود الذي سارت وتسير وسوف تسير بذكره الركبان كواحد من أنجب وأبرع واعظم صناع التاريخ في العالم,, أجل ان موسوعة الملك عبدالعزيز في الوثائق الاجنبية تكشف عن تلك البراعة والكياسة والسداد في تعامل عبدالعزيز مع مختلف المواقف ذات الصلة بالسياسة وبالمال والأعمال والتنظيم وسائر الفعاليات التي واجهها وهو يؤسس لوحدة هذا الوطن، انك لواجد في وثيقة سماحة وبشاشة في حين تواجهك وثيقة بصرامة واصرار وفي ثالثة مداولة ومحاورة وفي رابعة صراحة وتقرير وفي خامسة معاهدة واتفاق وهكذا دواليك، يواجهك فعل عبدالعزيز واداؤه السياسي والإداري والإنساني بالمدهش والمثير للعجب والفخار وانت في غمرة هذا الثراء في المكونات الشخصية والنفسية للملك عبدالعزيز تتساءل: كيف استطاع هذا البدوي ان يفعل كل هذا وان يقوم بترتيب وتنظيم عقله كما لو كان قد تخرج في أرقى جامعات العالم في العلوم السياسية والدبلوماسية، ويظل السؤال معلقا يشفيك جزئيا من الاجابة عليه ما عرفته عن ثقافته الدينية والتاريخية التي حرص عليها والده عبدالرحمن رحمه الله فضلا عما حباه الله سبحانه وتعالى من عبقرية وذكاء وقوة شكيمة وما اكتسبه هو بنفسه جراء اختباره للناس وللقبائل وأهل القرى والمدن عن قرب وعن معايشة فعلية لهم وعن معرفته الجغرافية والبيئية للبلاد والمامه ودرايته النادرة بالعادات والتقاليد والتراث في كل جزء منها، لسوف يكون في مثل هذه الاجابات بعض ما يشفي السؤال الذي دائما ما ينهض بباعث الاعجاب: كيف استطاع هذا الرجل انجاز كل ذلك؟! وكيف؟ سؤال يظل يستدرج عديدا من الاجابات في كثير من المضامين والمصادر ومنها مثلا هذه الموسوعة التي تكشف عن جانب من درجة تعامل عبدالعزيز مع المواقف وعن مناقبه في هذا الموقف او ذاك، كما تكشف عن منهج مركب واصيل ونسيج وحده لأنه من إنتاجه ومن صياغته فلم يكن عبدالعزيز فيه مقلدا لنظرية او لأسلوب وانما شكله من عبقرية المكان الذي ينتمي اليه وهو صحراء الجزيرة، ووهادها وهضابها وسهولها وشواطئها ومن مكوناته الشخصية ومن تجربته وخبرته وارثه الاسري كسليل اسرة حاكمة لها دورها الطويل في إدارة الحكم واستلهم في كل ذلك مبادئ وتعاليم العقيدة الإسلامية التي سار على هدي انوارها في كل خطوة خطاها وفي كل اجراء اداره او انجزه,, كذلك تكشف الموسوعة عن شكل من الاجتماع البشري له سماته وملامحه وثقافته وطقوسه وعاداته وتقاليده يمثل في مجمله عناصر ومرتكزات موضوعية وقوية وثرية لعلم أناسة خاص بهذه البلاد ولعلم نفس وعلم اجتماع ولمجموعة من المباحث والعلوم التي يمكن ان تسفر عنها القراءات النوعية لهذه الموسوعة بل انه لتتوفر اجواء هذه الموسوعة على مواد تتضمن ابعادا درامية فنية يمكن استثمارها في أعمال فنية تاريخية وفي أعمال فنية بدوية أو ريفية او شعبية على وجه العموم,.
فأجواء الموسوعة على قدر ما تضعك في حومة التاريخ وفي غمار المعرفة تفجر فيك حشدا ممتعا من الأخيلة والعالم المليء بوقائع فنتازية الواقع فيها خيال والخيال فيها واقع لا تكاد تطابق هذا إلا بذاك.
ذلك فيض مما ستسفر عنه قراءتك للموسوعة,, مقاربتك لأهلنا وأرضنا ومفردات بيئتنا في السنوات التأسيسية لعمارة هذا الوطن لكن فيضا آخر ستسفر عنه قراءتك لهذه الموسوعة يتصل بأحوال العالم وساسته في تلك الحقبة التي عاصرها عبدالعزيز,, انك لميمم نظرك صوب حضارات وعادات وتقاليد وامكنة لأقوام تتباين ثقافاتهم واهتماماتهم وسلوكهم وتصوراتهم مع ثقافتنا واهتمامنا وسلوكنا وتصوراتنا ولسوف ينتابك العجب وتداهمك الضحكات او يعتريك الحنق والضيق من هذا الموقف او ذاك ومن ذلك التصرف او القول,, لسوف تجد أمامك معرضا لثقافات الشعوب معبرا عنها بكلمات قالها رجالاتها الذين تداول معهم عبدالعزيز بأمر من الأمور كتابة أو مشافهة او لقاء وأظنك واضع يدك على معان لها دلالتها الهامة في معرفة الكيفية التي تتعامل بها الشعوب الأخرى مع بعضها البعض وفي معرفة البون الشاسع او الاقتراب اللصيق بخصلة من خصالنا او بتصور من تصوراتنا فالموسوعة في وجه من وجوهها تقدم حوار حضارات على مقاس الحدث في تلك الأزمنة والأمكنة وهو حوار مازال ممتدا عبر العلاقات الوطيدة التي أرساها المؤسس المعلم في مكاتباته أو علاقته تلك,, حوار كان هو ذاته مقرر جلسته وراعيه يقوده حيث شاء وكأنك وانت ابن اليوم في حضرة ذلك الجدل الفكري والسياسي والنزال المبدئي والعقيدي مشدودا إلى عظمة الحوار وحذق ومهارة المقرر والراعي وهو يتداول بالثقة وبالإيمان مع ممثلي وابناء حضارات سبقت في مضمار التقدم والعلم والابداع وما استخف بذلك بل ثمن لها كل ذلك دون احساس بالنقص والدونية وانما باصرار على امتلاك كل أسباب التقدم واختزال الزمن وقد كان,, أو ليس مجد اليوم هو عرس الأمس الزكي أو ليس حوار الحضارات الذي أداره عبدالعزيز آنذاك هو الآن عامر شامخ في صروحنا العلمية والاكاديمية والثقافية وفي كل دوائر العمل والمعرفة.
تلك هي فوائض في قراءتك لهذا المشروع الثقافي العظيم، موسوعة الملك عبدالعزيز في الوثائق الأجنبية بجانب قدر آخر من حلاوة اللغة وبساطة العرض ونقائه ودقته وتصنيفه وفق منهج حديث واخراج وتبويب انيق قام على إنجازه ومتابعة خطوات تنفيذه إدارة وترجمة وطباعة رئيس المشروع الدكتور سعد العبدالله الصويان تحت إشراف لجنة استشارية عليا أعضاؤها هم: معالي الشيخ إبراهيم بن عبدالله العنقري، معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، معالي الدكتور عبدالله بن يوسف الشبل، معالي الدكتور مطلب بن عبدالله النفيسة، سعادة الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله آل الشيخ وسعادة الدكتور محمد بن سعد الشعفي، وقام على ترجمة هذا المشروع نحو ثلاثة وعشرين مترجما وأسهم اكثر من تسعة أساتذة أكاديميين ومتخصصين هم الدكاترة: عبدالعزيز الهلابي، عبدالفتاح أبو علية، محمد آل الشيخ، محمد الشعفي، عبدالرحمن الدباسي، سعد الصويان، عبدالله الفهيد، إبراهيم الشمسان، ومحمد الفريح كما تابع إداريا وتنسيقيا هذا المشروع اكثر من أربعة عشر استاذا في لجنتين واحدة للاتصالات والتنسيق والأخرى جهاز فني وإداري.
هدف المشروع
تقول دار الدائرة في بروشورها التعريفي بأن المشروع يهدف إلى توثيق حياة هذا القائد العظيم منذ أن انطلق من الكويت ليستعيد الرياض، في فترة كانت البلاد فيها ممزقة كل ممزق, وليدرك المرء ضخامة الإنجاز الذي حققه الملك عبدالعزيز فلا بد أن يقارن بين حالة الفوضى التي كانت عليها المملكة وبينها بعدما اصبحت على يد الملك عبدالعزيز مملكة واحدة لها كل مقومات الدولة الحديثة.
ولكي تكتمل الصورة يمكن للمرء أن يقارن أيضاً بين تلك الفئة القليلة من الرجال الذين انطلقوا إلى الرياض على ظهور الجياد والإبل ليضعوا الحجر الأول في تأسيس المملكة، وبين المملكة كما سلمها الملك عبدالعزيز أمانة في يد ابنائه.
أما عن طبيعة المشروع حجمه فتقول دار الدائرة للنشر والتوثيق بأنها عندما عزمت على القيام بتوثيق سيرة موحّد المملكة العربية السعودية وفترة حكمه من خلال الوثائق البريطانية والفرنسية والأمريكية فإنها سعت أن يكون عملها سجلاً لذلك الإنجاز العظيم، وتكاد تجربتها تكون فريدة في العالم لأنها تُقَدّم حياة شخصية من أبرز شخصيات القرن العشرين وترصد إنجازاتها من خلال وثائق كتبها اصدقاؤها ومعارضوها، وكل أولئك الذين كان عليهم، بحكم عملهم الدبلوماسي أو العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، أن يتعاملوا معها.
إنه مشروع يتصف بالدقة والشجاعة ولا يسوّغ ضخامته وضخامة الجهود التي بذلت في إنجازه سوى أهمية الموضوع الذي يتعامل معه, لقد حصلت دار الدائرة على وثائق بريطانية وفرنسية وأمريكية تعدّ بعشرات الآلاف، ويزيد عدد صفحاتها على ربع مليون صفحة.
كان علينا قراءة هذا الكم الضخم من الوثائق لنستخلص منها ما يتعلق بمشروعنا, وقد تم استخلاص وتلخيص وترجمة مايقرب من 30,000 ثلاثين ألف وثيقة، تقع في حوالي 70,000سبعين ألف صفحة لخصت في حوالي 14,000 أربعة عشر ألف صفحة,, وتضيف دار الدائرة: وقد صنفنا الوثائق على ثلاث مجموعات: بريطانية وفرنسية وأمريكية، كل منها يتألف من عدد من المجلدات الضخمة, ورتبت الوثائق في كل مجموعة ترتيباً تاريخياً.
وحرصت دار الدائرة أن تتوافر لعملها دقة معلوماتية وصرامة منهجية بعيداً عن التكلف اللغوي , لذلك جندت له فريقاً من الأكاديميين المشهود لهم بالكفاءة العالية والخبرة الواسعة في مجال الترجمة والتلخيص، واستعانت على إنجازه بكوكبة من المؤرخين المختصين في تاريخ المملكة، ومن الباحثين في مجتمعها وثقافتها.
وقد اقتضى منا العمل العودة إلى مئات المصادر والمراجع في مختلف مجالات المعرفة، والاستعانة بعدد كبير من القائمين على الارشيفات المختلفة في بلادهم الأصلية، وعن الجوانب التي يحيط بها المشروع تقول الدائرة بأن الوثائق الأجنبية التي يحتوي العمل على ملخصات لها لا تقتصر على علاقات الملك عبدالعزيز مع الدول التي صدرت هذه الوثائق عنه؛ بريطانيا وفرنسا وأمريكا, لكن واقع الامر ان هذه الوثائق تجيب عن فيض من الاسئلة التي يمكن ان تهم رجل الاقتصاد، ورجل السياسة والجيش، ورجل القانون، والباحث في التربية، وعالم الأنثروبولوجيا، والمثقف والمفكر والباحث، ليس في تاريخ المملكة وحدها، بل في تاريخ الجزيرة العربية والدول التي تحيط بها أو كان لها أي علاقة معها.
كيف بدأ التعليم في المملكة، وكيف كانت التطورات التي شهدتها مواسم الحج؟ كيف تطورت الأوضاع الاقتصادية؟ ما طبيعة العادات والتقاليد الرسمية والشعبية التي كانت سائدة إبّان حياة الملك عبدالعزيز وفترة حكمه؟ كيف بدأت تتكون الخصوصية السعودية؟ ما الصحف التي كانت تصدر في الجزيرة العربية، وكيف تطورت المؤسسات الصحفية؟ وكيف كانت عملية بناء المؤسسات والبنى التحتية؟ كيف بدأت الخدمات البريدية والهاتفية، وكيف انتقل الملك عبدالعزيز من الاعتماد على الفداوية والقبائل إلى تكوين جهاز أمن متطور، وقوات عسكرية منظمة على أحدث الاسس العصرية؟ كيف ومتى تمّ اكتشاف النفط، وكيف بدأت الشركات الأجنبية تتنافس للحصول على امتيازات استثماره؟ كيف بدأت النهضة الصناعية، وكيف بدأ تأسيس الشركات الوطنية والمشتركة؟ كيف بدأ سَنّ القوانين، وما أول القوانين التي سُنَّت، وما المجالات التي تناولتها؟ وما المعاهدات التي وُقّعَت، ومع من وُقّعت، ومن وقعها، وما ردود الأفعال عليها؟
كل تلك الاسئلة يجد المهتمون إجابات عنها في هذا العمل، وبإمكانهم أيضاً أن يتعرفوا على علاقة الملك عبدالعزيز بعدد من الشخصيات التي اسهمت في الحياة السياسية مثل لورنس وفلبي وإبراهيم دبوي وشكسبير وتويتشل، وعلى علاقته بملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية والأجنبية ، وتأتي الوثائق ايضاً على ذكر قبائل المملكة وبطونها وشيوخها ورجالاتها وديارها وولائها وإسهاماتها في تطور المملكة واساليب الملك عبدالعزيز في التعامل معها, كما تتحدث الوثائق عن الاسر والبيوتات في الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والأحساء وحائل والجوف وكاف وقريات الملح، وفي الليث والقنفذة وينبع ووادي السرحان والقصيم وغيرهم ممن كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالملك عبدالعزيز.
ويجد الباحث في الوثائق معلومات قيمة عن علاقة الملك عبدالعزيز بالدول المجاورة مثل الكويت والبحرين واليمن وشرقي الاردن والعراق، وعن علاقته بمصر وسورية والسودان والمغرب العربي، كما تتعرض الوثائق للأدوار التي قام بها ممثلوه في تلك الدول مثل آل القصيبي في البحرين، وعبدالله النفيسي في الكويت، وسليمان المشيقح في سورية وإبراهيم المعمر في بغداد، وعبدالله ابراهيم الفضل في مصر، وغيرهم كثير.
أمّا القادة والشخصيات الذين كان لهم إسهام في تاريخ المملكة فتذكرهم الوثائق في نجاحاتهم وإخفاقاتهم، فهي تعطي تفاصيل دقيقة عن الأدوار التي لعبها افراد العائلة المالكة بدءاً بوالد الملك عبدالعزيز وإخوته وأبنائه، ومروراً بعدد كبير من الأمراء الآخرين, كما نجد أسماء خالد بن لؤي وعبدالله السليمان ويوسف ياسين وفؤاد حمزة وحافظ وهبة وخالد القرقني وعبدالله الدملوجي وكامل قصاب وأحمد الثنيان, ونجد إلى جانبهم أسماء المئات من أبناء قبائل المملكة ومناطقها المختلفة الذين انضووا تحت لواء الملك عبدالعزيز ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لنشر الالتزام الديني الصادق بين البدو والحضر.
ويرى القارىء من خلال كل ذلك كيف تنسج خيوط قصة بناء المملكة لبنة بعد أخرى، إنها قصة ترويها الوثائق بأدق التفاصيل, فقد تتحدث وثيقة عن تقسيم حوض البحر بين المملكة والبحرين، وتتحدث الوثيقة الاخرى عن التعرفة المفروضة على السفن في ميناء جدة، وتروي وثيقة أخرى المفاوضات التي دارت لشراء طائرات لشركة الخطوط الجوية السعودية, وترد في الوثائق أيضاً حوادث طريفة وحكايات إنسانية غير متوقعة تغني ذخيرة القارىء عن المملكة، وتطلعه على جوانب مضيئة من شخصية الملك عبدالعزيز مثل قصة الحجاج الذي قدموا من الهند سيراً على الأقدام، وكاد الحج أن يفوتهم حين وصلوا إلى الحدود الكويتية النجدية، فأبرقوا إلى الملك عبدالعزيز يطلبون المساعدة فأرسل سيارة اقلتهم إلى مكة المكرمة على نفقته الخاصة.
أبعاد المشروع
أما عن أبعاد المشروع فتقول دار الدائرة عنها بأنها ثلاثة أبعاد تجلت في شخصية الملك عبدالعزيز أولها البعد السعودي بكل مايحمله من التنوع الذي انصهر في بوتقة الوحدة، فأنتج دولة عصرية طموحة كان المراقبون يرونها تحقق في كل يوم إنجازاً جديداً.
وثاني تلك الأبعاد البعد العربي ويتمثل في الشخصيات الفذة التي التفت حول الملك عبدالعزيز ونذرت نفسها لخدمة المملكة التي كانت صورة المستقبل ترتسم على أرضها شيئاً فشيئاً, لقد جاء أولئك العرب من البلاد العربية كلها ومنحهم الملك عبدالعزيز الثقة فأسهموا بإخلاص في بناء هذا الوطن وخدمته, وقد صدر الملك عبدالعزيز في ذلك عن حس عميق بقيمة الرجال وتقدير الكفاءات حين أراد أن يوفر لمشروعه الطموح اسباب النجاح كلها, هذا البعد العربي تجلى أيضاً في دعم الملك عبدالعزيز لثوار سورية ضد الاحتلال الفرنسي، وتجلى في التعاطف مع ثورة عبدالكريم الخطابي، وفي موقفه الحاسم في وجه الصهيونية، وفي الدور الريادي الذي اضطلعت به المملكة في وضع اللبنات الأولى لجامعة الدول العربية، وفي غير ذلك من المواقف الكثيرة التي تبرزها وثائق مشروعنا هذا.
والبعد الثالث هو البعد الإسلامي والدولي الذي تمثل في تلك العلاقات الوثيقة التي اقامها مع شخصيات العالم المعروفة في عصره, ويتضح من مشروعنا كيف استطاع الملك عبدالعزيز أن يتجاوز الأطماع، وينتزع الأحقاد ويواصل المسيرة، ويكسب تعاطف العالم الإسلامي ودعمه، واحترام القوى العظمى واعترافها بقدراته واستقلاله الذي كان أغلى ما يحرص عليه.
وبعد فإن خير ما نختم به هذا العرض لهذ المشروع الثقافي العظيم كلمات الدائرة نفسها فهي تقول: إن هذا العمل لايهم الأكاديميين والباحثين والدبلوماسيين فحسب، بل يتيح لكل من لديه اهتمام بسيرة الملك عبدالعزيز وبالمملكة العربية السعودية وتاريخها فرصة لإثراء معلوماته بما لايجده في أي مصدر آخر.



أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved