أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 4th December,2000العدد:10294الطبعةالاولـيالأثنين 8 ,رمضان 1421

مقـالات

قراءة في كتاب
تاريخ البلاد العربية السعودية 2 تأليف فاسيلييف
د, عبدالله الصالح العثيمين
,تناولت الحلقة الاولى من القراءة لهذا الكتاب المقدمة المشتملة على ذكر المؤلف لأهمية الموضوع المتحدث عنه والمصادر التي اعتمد عليها، كما تناولت الفصل الاول من الكتاب الذي ركز الحديث فيه عن اوضاع الجزيرة العربية، وبخاصة وسطها وشرقها وشمالها، قبيل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
اما الفصل الثاني من الكتاب فعنوانه محمد بن عبدالوهاب ومذهبه وقد بدأه المؤلف بذكر ما قال ص 74 : ان مجلة المنوعات الأدبية قد نشرته عام 1805م 1320ه عن دعوة الشيخ محمد قائلة:
قبل نصف قرن اسس هذه الطائفة شيخ عربي اسمه محمد، وان جده سليمان وهو اعرابي فقير من قبيلة نجدية صغيرة قد رأى في المنام ان لهبا اندلع من بدنه، وانتشر في البراري على مسافات بعيدة ملتهما في طريقه الخيام في البوادي والمنازل في المدن, ارتعب سليمان من هذا الحلم، وطلب له تفسيرا من شيوخ قبيلته الذين اعتبروه بشير خير، واخبروه بأن ابنه سيكون مؤسسا لمذهب جديد يعتنقه اعراب البادية، وان هؤلاء الاعراب سيخضعون سكان المدن.
وقد تحقق هذا الحلم ليس بشخص ابن سليمان عبدالوهاب بل بشخص حفيده الشيخ محمد.
وبعد ان اورد فاسيلييف تلك الرواية اوضح رأيه فيها قائلا: انها تجسد جيدا نفح تلك الحقبة مع ان جفاف الوقائع التاريخية يخلع عما كتبته المجلة حالة الغيبية .
وبغض النظر عما في الرواية من خرافة فان من المعلوم ان جد الشيخ محمد لم يكن اعرابيا بل كان اعظم فقيه نجدي في زمنه، وان أسرته وأسلافه كانوا من الحاضرة لا البادية قبل مولده بقرون, ومن المعلوم ايضا ان الاعراب لم يخضعوا سكان المدن نتيجة دعوة الشيخ محمد، بل ان آل سعود حكام بلدة الدرعية، الذين ناصروا دعوته وانتصروا بها كانوا حاضرة، وانهم أدخلوا البادية والحاضرة على حد سواء تحت حكمهم.
اعتمد فاسيلييف في حديثه عن مولد الشيخ محمد ونشأته ونشاطه حتى بداية دعوته في نجد على ابن غنام وابن بشر بدرجة كبيرة دون نقاش لما أورده عنهما من معلومات ولقد احسن صنعا في تضعيفه لما اورده صاحب لمع الشهاب عن اسفار الشيخ محمد الى بلدان غير التي ذكرها المؤرخون المقربون من الشيخ.
ولأن فاسيلييف ينطلق من منطلقات فكرية معتمدة على النظرة الماركسية السائدة بدرجة كبيرة، في بلده عند تأليفه كتابه فانه لم يكن غريبا عليه ان يأتي قوله عن الاسلام خليطا بين تلك الافكار وأفكار اعداء الدين الاسلامي من الغربيين الآخرين, وكان مما قاله ص 78 .
ظهر الاسلام في المجتمع الحجازي في الثلث الاول من القرن السابع الميلادي وقد جسد فيما جسد، التمايز الاجتماعي البدائي والعلاقات الطبقية الناشئة هناك ولم يستطع النظام الديني للعرب المتجلي في القرآن وحده في بادىء الأمر ان يلبي بالكامل متطلبات المجتمع الأكثر تطورا في البلدان الأخرى التي فتحوها ودعت الحاجة الى اضفاء طابع على الاسلام يستجيب بقدر اكبر لذلك المجتمع الاقطاعي ولمصالح طبقته الحاكمة وهذا هو منشأ الكثير من الأحاديث عن سيرة النبي ونشاطه.
ونتيجة لسوء فهم المؤلف ان احسن الظن به للدين الاسلامي واصل حديثه السابق قائلا: تجسدت في السنة التقاليد الثابتة الا ان تغير ظروف الحياة استوجب تغيير العادات وتغيير التقاليد على اثرها ويجري تكيف الاسلام للواقع المتغير عن طريق تبريك التقاليد الجديدة واثبات مطابقتها للسنة اما المستجدات التي لم يرد ذكرها في الأحاديث الصحاح فتنعت بالبدع, وتعني البدعة رأيا او شيئا او عملا لم يكن معروفا في السابق او لم تجر العادة على ممارسته وهكذا كان تبريك البدعة وتحويلها الى حديث هو جواب الدين الاسلامي على تغير الحياة الاجتماعية والاقتصادية وهو رد فعل الاسلام على الواقع المحيط به وتكيفه لمتطلبات المكان والزمان.
ويتضح عدم فهم فاسيلييف لمسألة البدعة بالذات انه اظهر ص 79 استعمال الدولة السعودية المعاصرة للهاتف والاذاعة وكأنه من البدع التي اضطرت هذه الدولة الى استخدامها ومن المعلوم ان المراد بالبدعة لدى الفقهاء ومن بينهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدين في المملكة هو ما له صلة بالدين اما الامور التي ليست لها صبغة دينية فأمور دنيوية لا تدخل ضمن تصنيف البدع.
على ان حديث فاسيلييف عن انتشار تقديس الاولياء وارتباط ذلك بالمتصوفة حديث لا بأس به عموما لكنه قال في كلامه عن ابن تيمية ص 81 : انه يشجب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة على اساس انها لا تطابق الاسلام والواقع ان الذي عارضه ذلك العالم الجليل هو شد الرحال لزيارة القبر واما اذا كان المرء في المدينة ذاتها فان من السنة ان يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل احترام وتقدير.
ولقد صور فاسيلييف الاوضاع الدينية في الامبراطورية العثمانية مع بداية القرن الثامن عشر الميلادي قائلا: ص 82 .
كان شيوخ المتصوفة قد تخلوا عن مواقفهم المعارضة، واقتسموا الجاه والمال مع علماء الدين، وغطت الامبراطورية شبكة من جماعات الدراويش المتصوفة وكانوا لا يزالون يعلقون اهمية استثنائية على تقديس الاولياء ولقد أيد علماء الدين ايضا ذلك التقديس وكل من عارض ذلك كان يجازف بالوقوع ضحية في أيدي المتعصبين وكان بعض المتصوفة يتعاطون المشروبات الكحولية ويدخنون المخدرات كما كانوا يمارسون علم التنجيم والسحر وقراءة الفال.
وعندما انتقل فاسيلييف الى الحديث عن الاوضاع الدينية في الجزيرة العربية قال ص 82 : ان وسط الجزيرة وشرقها كانا مهملين من الامبراطوريات الاسلامية اذ قال: ولذا كانت هناك ظروف ملائمة لمختلف تيارات الزندقة فالزندقة مخالفة للمحافظة للاسلام الذي هو دين الفطرة السليمة.
ولأن فاسيلييف ينقل احيانا من غيره دون تعليق او تمحيص فانه اورد ما قاله بالجريف على علاته قائلا: ص 85 .
بعد مرور اكثر من مئة عام على ظهور الوهابية كان سكان الجوف كما لاحظ بالجريف شأن اغلبية اشقائهم قد استبدلوا من زمان المحمدية بالصنمية المحلية والعبادة شبه السبئية والابتهالات الموجهة الى الشمس ونحر القرابين للموتى .
وكل ملم بتاريخ هذه البلاد يدرك ان ما ذكر هنا لا يستند الى الواقع التاريخي.
ومع ان حديث فاسيلييف عما نادى به الشيخ محمد بن عبدالوهاب وانصاره حديث لا بأس به عموما فيه ما يحتاج الى تدقيق ولعل ذلك ناتج عن الترجمة الى العربية فلقد قال ص 87 مصورا رأي الشيخ وانصاره:.
ان الله ليس بحاجة الى معونة من احد مهما كان عزيزا عليه والله على كل شيء قدير وما من احد غيره يستحق التبجيل والاجلال والتقدير ولعله قصد انه لا احد غيره يستحق العبادة والتقديس ذلك انه قال في الصفحة التي تليها: ان الشيخ وانصاره يرون انه يجب احترام الاولياء وتقديرهم ولكن لا تجوز عبادتهم وقال: إنهم يرون ان الملائكة والرسل والاولياء الصالحين لا يمكن ان يشفعوا للمسلمين امام الله على آثامهم, لكنه قال بعد ذلك بقليل: انهم يرون انه لا يجوز تقديس قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لكن يمكن زيارته دون طلب شيء منه او الاستنجاد والاستعانة به الا انه سيشفع للمسلمين امام الله يوم القيامة.
والواقع ان الشيخ وانصاره يرون ان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة لكن بشروط: ان تطلب من الله وان يأذن الله بها وان تكون لمن ارتضى.
ولقد وصف فاسيلييف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وانصاره بقوله: انها بعثت في الاسلام النهج المتشدد الذي يرفض كل البدع ويدعو الى العودة الى الكتاب والسنة غير المشوهة ويبدو انهم في الاصول الاسلامية من انصار الاستقامة في الدين الحنيف,, وهذا رأيهم ورأى اغلبية الباحثين الموضوعيين من عرب وغيرهم من معاصري حركتهم في بدايتها ومن ابناء الاجيال اللاحقة ثم اشار الى عدد من هؤلاء الباحثين كما اشار الى عدد ممن كانوا يعملون للاصلاح الديني قبيل دعوة الشيخ محمد او مع بدايتها مثل عبدالله بن سيف في المدينة ومحمد بن اسماعيل الصنعاني في اليمن ومما قاله حول هذا الموضوع : ان التعاليم الوهابية تتناول بقدر كبير ميدان علم اصول الدين ولكن لها من الناحية الاجتماعية والسياسية مضمونا اصيلا لا جدال فيه .

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved