أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 4th December,2000العدد:10294الطبعةالاولـيالأثنين 8 ,رمضان 1421

مقـالات

العولمة وحكومة العالم الجديدة 1/3
رضع الأثداء المخدرة
د, علي بن شويل القرني
الثقافة هي ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية بهويتها الداخلية، وبمعنى آخر فالثقافة هي المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم، وعن نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة والموت والإنسان ومهامه وقدراته وحدوده، وما ينبغي أن يعمل وما لا ينبغي أن يأمل,, هذا ما ذكره محمد عابد الجابري، ويرى د, سعد البازعي أن ثقافة العولمة تتسلل عبر طريقين، أحدهما من خلال إدراك واع بعملية التسلل والتي تصل إلى درجة تبن متعمد لأنماط الثقافات الغربية من مأكل وملبس ومصطلحات ولغة، والآخر عبر إدراكات غير واعية, وتمارس العولمة الثقافة حضورها الشامل في مختلف فئات المجتمع وبمختلف أشكال التلقي والتبني والاستيعاب.
ويسعى العديد من الباحثين إلى دراسة أوضاع الثقافات في إطار التغيرات الجديدة بحكم تأثيرات العولمة, ويقوم البروفيسور بيتر بيرجر peter Berger بجامعة بوسطن الأمريكية بدراسة تأثير العولمة على ثقافات عشر دول هي الولايات المتحدة وألمانيا واليابان والصين وتايوان والهند وتركيا والمجر وجنوب أفريقا وشيلي, وقد حدد أربع عمليات ثقافية يتم تكوينها بفعل تفاعل الثقافات المحلية في إطار الثقافة الكونية الجديدة,, وهذه الثقافات هي:
1 ثقافة دافوز التي تأخذ اسمها من المنتجع السويسري الذي تجتمع فيه قيادات العالم الاقتصادية.
وأهم ما يميز هؤلاء هو كونهم منغمسين في ثقافة الكمبيوتر، والجوالات، والطيران والعملات وغيرها,, وعادة ما يتخاطبون باللغة الإنجليزية، ويلبسون نفس الملابس ويستمتعون بأوقات مشتركة في الترفيه والراحة, وعادة ما يكونون عناصر وشخصيات تعمل في شركات كبرى وقطاعات اقتصادية مهمة، إلى جانب فئات تعمل في أجهزة حكومية فاعلة في دول العالم.
2 ثقافة الانتلجنسيا، وأسماها بيرجر بثقافة نادي الكلية أو النادي الجامعي، والتي يتم فيها طرح وتصدير قضايا ومشكلات من خلال مجتمع الأكاديميين والمثقفين ومفكري العالم,.
وإذا كانت ثقافة دافوز معنية بمحاولة بيع أجهزة كمبيوتر على الهند أو الأردن أو نيجيريا، فإن ثقافة الانتلجنسيا تسعى إلى تصدير فكرة الفيمينيزم feminism (الحركة النسوية) أو حماية البيئة أو حملات الامتناع عن التدخين.
3 أما الثالثة فهي الثقافة الشعبية التي تمثلها مجمل الثقافة الغربية، وبخاصة الأمريكية، ابتداء من ثقافة الملبس من الجينز وال T-Shirt إلى ثقافة الموسيقى بمختلف أنواعها وشخصياتها ما يتبعها من طقوس ورقصات مصاحبة، إلى ثقافة التلفزيون من أفلام وبرامج، إلى ثقافة المأكل التي يمثلها مكدونالد وكوكا كولا وغيرهما من أنظمة الأكل والمشرب على الطريقة الأمريكية.
4 الثقافة البروتستنتينية التي يعتبرها البعض ثورة ثقافية جديدة وخصوصا في أمريكا اللاتينية، بما تفرزه من مفاهيم ورؤى وصور عما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الرجل والمرأة، وأصول التربية، والعلاقات الاجتماعية الاخرى، إضافة إلى اطروحات تم تجديدها تشبه إلى حد كبير ما سبق أن طرحه ماكس فيبر في الأخلاقيات البروتسنتينية ودورها في نشأة الرأسمالية الغربية، وهي ذات علاقة بأخلاقيات العمل والمسؤولية الوظيفية والدور الاجتماعي للأفراد.
شهدت عقود السبعينيات والثمانينيات وبداية التسعينيات تطورات كبير في إطار إعادة بناء وهيكلة لبعض المفاهيم الأساسية في إدارة النظام السياسي والاقتصادي في العالم، فقد ذكر الدكتور سعد الدين إبراهيم أن التحول نحو الديموقراطية والاقتصاد الحر بدأ منذ منتصف السبعينيات في البرتغال وأسبانيا واليونان، إلا انها اتسعت خلال الثمانينيات والتسعينيات لتشمل أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا,, وخلال عشرين عاما (1974م 1994م) تحولت ستون دولة من أنظمة شمولية أو دكتاتورية إلى أنظمة ديموقراطية, وفي إطار عملية التغيير هذه تحولت ملكيات كثير من الشؤون العامة وقطاعات الدولة إلى إدارات خاصة وملكيات لمؤسسات وشركات, ولا شك أن مثل هذه الظروف قد حفزت الشركات الدولية العملاقة إلى مزيد من دخولها إلى الأسواق المحلية والمشاركة في صنع قرارات مهمة على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والإعلامي في الدولة.
ويمكن الإشارة إلى النمو الهائل في أعداد الشركات الدولية في الدول المتقدمة،حيث نمت خلال فترة عقدين تقريباً من سبعة آلاف (7000) شركة إلى أكثر من ستة وعشرين ألف (26000) شركة، ثم إلى سبعة وثلاثين ألف (37000) شركة في عام 1993م، ويتبع هذه الشركات حوالي مئتين وستة آلاف (206000) فروعا وشركة محلية تابعة لها في مختلف دول العالم.
ومما يدفع بعملية التغيير في مجتمعات الدول النامية هو الدور الذي يلعبه كل من صندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي World Bank خلال الثمانينيات والتسعينيات، حيث ألزمت كثير من الدول التي تحتاج لمعونات من هاتين المؤسستين المصرفيتين إلى القبول ببرامج إعادة هيكلة وتنظيم لأوضاعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية,وقد تم وضع برامج مخصصة لهذا الغرض، مثل برامج الهيكلة التنظيمية Structural Adjustment Programs والتي من خلالها تم تحديد حجم ودرجة الهيكلة والتغيير في مختلف قطاعات المجتمع، وخصوصا الدفع بمزيد من مشروعات الخصخصة وجدولة الديون الخارجية، وتقليص أوجه الصرف الاجتماعي الذي عادة ما يتضرر منه الفقراء وأصحاب الدخول المتدنية.
وفي هذا السياق، بيّن الدكتور الحبيب الجنحاني أن أوروبا كانت مع مطلع الثمانينيات تخشى من مجتمع الثلثين، أي مجتمع الرفاهية، حيث يتمتع ثلثا السكان بظروف اقتصادية حسنة مقابل ثلث من المعوزين, وقد خشيت أوربا من هذا الثلث أن يكون لها مصدر إزعاج وتوتر ومسبب لهزات عنيفة في المجتمع، ولكن المفاجأة جاءت بعد حوالي خمس عشرة سنة عندما اجتمع كبار الشخصيات الاقتصادية ومعهم مختصو الدراسات المستقبلية بفندق فيرمونت بسان فرانسسكو عام 1995م، وتحدثوا هذه المرة عن مجتمع العشرين (أومجتمع الخمس) في القرن الجديد، بمعنى آخر أن عشرين في المائة سيكون لهم أعمال تدر عليهم دخولا تسمح بمستوى معيشي جيد، أما البقية فإنهم سينضمون إلى جحافل العاطلين، والسؤال الذي طرحه المنتدون في هذا الاجتماع هو كيف يتم التعامل مع الثمانين في المائة من الناس؟ وشارك المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي برجنينسكي بمقترح الاستمرار في رضع الأثداء المخدرة مشيرا بذلك إلى الحليب الذي يفيض عن ثدي المرضعة، والمتمثل في المساعدات الاقتصادية والاجتماعية التي تقابل الحد الأدنى من المتطلبات، إضافة إلى ضرورة أن تكون هناك وسائل إلهاء وتخدير، تقوم فيه وسائل الإعلام بدورها الهام في هذا الشأن من خلال عروضات متنوعة ومسلية وهروبية عن الواقع المرير والحالة المعيشية الضيقة التي يعيشها هؤلاء,, وهذا ما عبّر عنه روبرت رايخ Robert Reich وزير المالية في أول حكومة للرئيس الأمريكي كلنتون، عندما قال بأن التفاوت في الدخل في الولايات المتحدة زاد بحدة في الثمانينيات، فالأغنياء زادوا غناء وثراء والفقراء زادوا فقرا كما أن أعدادهم نمت وتضاعفت، وبالتالي ضعفت مع هذه الاوضاع أو تآكلت الطبقة الوسطى في المجتمع الأمريكي، ونفس الشيء في المجتمعات الغربية الأخرى, وهذا ما أشار إليه ستيفن كاسلز Stephen Castles بسياسة الاستيعاب والاستبعاد، حيث يقوم النظام العالمي الجديد باحتواء كل منطقة جغرافية وكل مجموعة بشرية، ولكن بعض هذه الجماعات تتمتع بكامل العضوية في النظام الجديد، بينما تتهمش جماعات أخرى وينكر عليها حتى أبسط الحقوق، مثل حق العمل والأمن الغذائي، ناهيك عن حقوق سياسية وإنسانية أخرى.
وحول دور وسائل الإعلام ومكانتها في الوضعية الجديدة للعالم، أشارت الباحثة السيسيولوجية إرين ستيوتر Erin Steuter إلى أن المستقبل سيشاهد الكثير من الاندماجات بين الشركات الإعلامية,, وتتوقع الباحثة أن تتمركز ملكية الإعلام في العالم في ثلاث مجموعات (شركات) إعلامية كبرى، وتصبح هذه المجموعات تمتلك كل الكتب، وكل المجلات، وكل الأفلام، وكل الأغاني، بحيث تصبح كل الثقافة ثقافتنا مملوكة لثلاث أو أربع شركات عملاقة.
وذكر الدكتور حسنين إبراهيم أن أبرز مظاهر العولمة تتمثل في زيادة عمليات التدفق الإعلامي عبر الحدود الوطنية للدول، وهو تدفق تقف خلفه شركات وشبكات إعلامية عملاقة قادرة على الوصول بالبث إلى كل أصقاع العالم.
(والعولمة تتواصل,,,)

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved