أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 5th December,2000العدد:10295الطبعةالاولـيالثلاثاء 9 ,رمضان 1421

رمضانيات

مع التربويين
التربية بالعبادة/ شهر الجود والسجود
د, عبدالحليم بن إبراهيم العبداللطيف
إن الحديث عن الصيام والقيام عن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن شيق وممتع ، كما أن التحدث عن حكم هذه الفريضة العظيمة وثمارها التربوية الفائقة، عندما تجوع المعدة ويعطش الإنسان وتشبع الإرادة والعزيمة ويقوى الإيمان واليقين، إن الصوم مدرسة كبرى تقوي الإرادة الفاعلة والعزيمة الصادقة وتغرس في أبنائها الصدق والولاء والإخلاص وتضيء في أرواحهم معاني المحبة والاخوة والمساواة والتكافل والتعاضد، عندما تنهزم وتندحر الشهوات والشبهات والنوازع الأرضية البهيمية، وتستعلي وتتكامل الرجولة الفائقة اللائقة بخير أمة أخرجت للناس عندما تصفو النفوس النفيسة من الكدورات والعفن والدخل والدغل، إن هناك علاقة جميلة رائعة بين شهر رمضان وبين القرآن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون فالهدى يجلب التقى والنقاء والعفة والصفاء، وفي التقوى صلاح الآخرة والأولى، وحسن المعاملة وجمال الخلق وطيب الأخذ والعطاء والبيع والشراء وحسن الأداء وجمال العمل وإتقانه وفي التقوى الأنس وزوال البؤس والرفق والضبط والربط وحب الخير وإدخال السرور على كل مسلم خاصة الضعفة والصغار والفقراء والمحاويج وما أكثرهم في دنيا المسلمين الذين لا يتفطن لهم ولا يسألون الناس إلحافاً ما أكثرهم في دنيا الناس التي تفيض بالآلام والأسقام وجور الإنسان، التقوى فيها نفع ورفع ودفع للظلم فيها صيانة تامة للسان عن الفواحش والآثام ورديء الكلام من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رمضان فرصة مباركة ومناسبة سعيدة للمراجعة والمحاسبة ينظر في كشف حسابه خلال سنة كاملة بدقة وإمعان بعين الناقد البصير الخائف المشفق على نفسه وعلى مصيره متألماً نادماً على تقصيره فيعتدل ويستقيم وليقيم نفسه بنفسه يقبل على الله بنفس رضية إقبال محبٍ مطيع ويكون مع إخوانه في سرائهم وضرائهم ومختلف أحوالهم مساعداً معاضداً مسامحاً متعاوناً متلاحماً مع إخوانه المسلمين يرحم الضعيف ويعطف على الفقير والمسكين وابن السبيل يقبل العترة والكبوة ويمسح الجراح ويواسي المحتاج وبهذا تصفو نفسه وتسمو روحه ويشرق قلبه بنور الإيمان حيث يكون أكثر طاعة وانقياداً، ولمزايا الصيام العديدة والفريدة كتبه الله على هذه الأمة كما كتبه على الأمم السابقة كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون وذلك لأهميته ونبل غايته وسمو مقاصده وعظيم منافعه للروح والبدن والعقل وسائر القوى البشرية لعلكم تتقون فهو من أقوى العبادات في التهذيب والتأديب والضبط والربط وشحذ الهمم والأفكار أيضاً وتصفية وتزكية النفوس وإعزازها، وفيه تربية مثلى للإرادة العازمة الجازمة وكبح مُنظم ودقيق ورفيق لجماح الشهوات والشبهات والمطالب الأرضية والاهتمامات الدّنية وفيه كبح شامل وكامل لأنانية النفوس وضعفها وحقارتها وما أكثرها لدى الناس خاصة في مثل هذه الأوقات حيث غلبت الشهوة وقصرت الهمم وقل المساعد، وفي الصيام والقيام وقراءة القرآن حمل صادق للامانة وتحمل بيّن للرسالة والدفع بها إلى الأمام متغلباً بعون الله على كل ما يعترض طريقه من أشواك وآلام، والصيام الصادق يعلم المسلم كيف يتعامل بحق وصدق مع ربه ثم مع نفسه ومع خلق الله أجمعين، المسلم يرتفع بإسلامه وإيمانه وصيامه عن درجة الحيوان الى منزلة الإنسان الذي كرمه الله، ولقد كرمنا بني آدم ، والإنسان بمعصيته ومخالفته ينزل بنفسه إلى أقل من درجة الحيوان ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم, ثم رددناه أسفل سافلين, إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون إننا هنا أمام جملة حقائق ذات قيمة عظيمة في التوجيه التربوي لهذا الإنسان، وهذا المخلوق الضعيف بحاجة دوماً إلى خالقه وباريه إلى هديه بحاجة إلى الموازين الإلهية الثابتة ليظل قريباً من الله ومن هداه، وبما نزل من الحق يستضيء بالنور المتلألئ الذي أمده الله به في متاهات الطريق الطويل،
إن من أبرز وأميز المنهج الإسلامي أنه منهج عبادة والعبادة الصحيحة هي السير دوماً في الطريق الصحيح الموصل إلى الهدف المراد مع التزود بين الفينة والأخرى بشحنة حية موقظة موصلة تدفع دائماً إلى الأمام في الطريق المستقيم فلا يتعثر ولا يتبعثر ولا يندثر مادامت الشحنة حية تضيء له الطريق والمسلم صلته دائمة بالله لا تفتر ولا تلين في كل لحظة وومضة وكل عمل وكل فكر أو شعور، دائم المراقبة دقيق المحاسبة والمعاتبة لنفسه، والمسلم يعيش مع رمضان في لقاء حبيب جميل لقاء يرفع النفس ويمتع الحس ويطلق الروح لا يسأم ولا يُمل يعيش المسلم حفياً به يوقظ نفسه وحسه البارد أحياناً وفكره الشارد أحياناً أخرى يهزه من أعماقه ويجعل المسلم ينفعل به انفعالاً حياً متجدداً لا ينقطع ولا يفتر وبرمضان يتصل قلب المسلم بالله اتصالات عديدة، يتصل به اتصال طاعة وانقياد خشوعاً وخضوعاً وتقوى، ويتصل به اتصال مراقبةٍ ومحاسبة، ويتصل به حباً وقرباً وتطلعاً إلى ماهو أنفع وأرفع ويتصل به اطمئناناً وتسليماًويسلموا تسليما وحين توجد في القلب هذه اليقظة وهذه المراقبة الذاتية وهذه الحساسية المرهفة تجاه الله ودينه وشرعه تستقيم النفس وتخلص من أهوائها ونزواتها ويستقيم الناس أجمعون وتستقيم الحياة على منهج الله القويم وعندئذ يعيش الناس آمنين مطمئنين فرحين مستبشرين يفرحون بنصر الله ومدده وعونه يعيشون في مجتمع عفيف نظيف من الجريمة والإثم والظلم نظيف من الرجس والدنس من الأحقاد والآثام والإجرام، ولهذا كانت الديانة والاستقامة على شرع الله ضرورة من ضرورات الإنسان ليحيا حياة سعيدة بحب دافق وشوق دائم إليه وإلى جنته، حيث القصد من الدين الصحيح تزكية النفس ورفعتها وبعثها من مرقدها وقيامها من وهدتها وتطهير القلب واستشعار عظمة الله والخوف منه في جميع الأحوال، والرجاء فيما عنده، والصوم الصحيح يحقق المعرفة بنعمة الله على عبده ويوقظ الشعور إلى حسن التصرف بهذه النعم وبذل المستطاع منها في وجوه الخير ولذا ختم الله الآية المتعلقة بالصيام بالشكر لعلكم تشكرون هذا وإن مدرسة الصيام والقيام وقراءة القرآن أعظم وانفع مدرسة عرفها هذا الإنسان حيث ان هذه المدرسة العالية مشربة بروح التقوى حيث يتحرر الإنسان من سلطان الهوى وضغط الشهوات وينطلق من سجن جسده وقيد شهوته وأسر لذته محلقاً بروحه معتزاً بإيمانه ويقينه شامخاً برأسه نحو خالقه ومولاه, إذاً ليس عجيباً ألا تُرد دعوة الصائم لاقترابه من رحمة الله ورضوانه إذا أراد الله وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للجدل أن رفعة الأمم وعلو شأنها بقوة أخلاقها ومتانة وصحة دينها واستقامتها في أحوالها كلها وما سقطت ولا ذلت أمة من الأمم إلا بتخليها أو تقصيرها في أمور دينها في اخلالها بقيمها الروحية والأمة إذا أخذت بأسباب التمكين في الأرض وفق منهج الله تماسك بنيانها وارتفع شأنها والتاريخ شاهد وماثل للعيان، والمسلم دوماً فطن لبيب لا يأمن مكر الله حال مخالفته فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون كما أنه لا ييأس من رحمة الله حال الإحسان فإن رحمة الله قريب من المحسنين هذا والله الهادي والمعين.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved