أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 7th December,2000العدد:10297الطبعةالاولـيالخميس 11 ,رمضان 1421

الثقافية

أجنحة الكلام
المتعة والعذاب,,! 2
ريمة مبارك
نشأ الفن أولاً، وفي أعقابه بعصور طويلة تشكلت على استحياء حاسة النقد دون ان تعلن عن نفسها كفعالية لها مشروعيتها، وأكثر من هذا ان النقد حين أراد أن يرسي لنفسه بعض القواعد والأصول لم يجهر بأنه قد أصبح وجوداً له تأثيره وقدرته على الالزام، وإنما اكتفى بأن يطل بوجه النصح والارشاد، فكتاب الشعر لأرسطو دروس في التربية ألقيت على مجموعة من التلاميذ، وفن الشعر لهوراس رسائل نصح الى أبناء بيزو كما يقول هوراس الشاعر أساساً في السطور الأولى من الكتاب,,، هل كان الناس آنذاك، أو قبله، يفتقدون قدرة التواصل مع الفن؟ واذن فمن أجل أي شيء نشأ الفن؟
الباحثون في هذا يقولون ان الفن قد كان في بدايته الأولى، منذ الكهف، ممارسة سحرية، مثل تعويذة يتوسل بها الانسان على العيش ومواصلة الحياة، أي انه قد كانت للفن أهمية معادلة لأهميته التي دعت فيلسوفاً معاصراً ان يقول: نحتاج الفن كي نستطيع الحياة ، والفارق الخطير بين الحالين ان انسان النشأة احتاج الفن معصوماً من النقد، وانسان اليوم احتاج الفن أو سلم به مرغماً مشروطاً بهيمنة فرضها عنوة عليه النقد,,، ومع كل ذلك فالمعنى الذي لم يتغير ما يدل عليه في الحالين من قوة وتأثير للفن في الآخر، سواء كان معصوماً أو مشروطاً,,!
في القديم التقط أرسطو، الفيلسوف الذي لم يجاهر بنظرية أولى في النقد، جوهراً في الطبيعة الانسانية جعله يحدد الغاية من الفن في التطهير، تطهير النفس من الخوف والشفقة، من خلال معاناة الخوف في مصائر الآخرين، والشفقة بهم، وفي عصرنا الحديث حط الناقد الملهم فيشر على نفس الجوهر، فأرجع شغفنا بالفن الى ان الانسان بطبيعته يحب أن يمر بأي مصيبة دون أن يكون طرفاً فيها، أن يلتقط الدرس مطبقاً على الآخرين في المسرح أو القصيدة أو اللون، وانه من هذا يستمد سعادته بالفرجة,,، ما رأه فيشر حقيقة وبعد أن قطعت فعالية النقد مسيرتها الطويلة ليس الا صياغة لغوية أخرى لأطروحة أرسطو عن التطهير,,! كأن للفن قوة سحرية آسرة، وضعت كل مغامرات النقد وأطروحاته، بكل مدارسه وفلسفاته، بين قوسين متماثلين يسقطان ما في جوفيهما كجملة اعتراضية قابلة للحذف، ويردان خطوة الفن الأخيرة الى الوصل بخطوته الأولى، ليبقى الفن في جوهره تياراً سحرياً ينتقل من المبدع الى المتلقي ويرتد اليه، قادراً بنبل نادر على اشباع متعة الأمل، مؤججاً بنوازعه الانسانية، وغير مبال بشروط النقد وقواعده.
على الجهة المقابلة يقف النقد، زاعماً قدرته على اضاءة تجربة فنية هو في البداية فشل في صياغتها، وفي النهاية فشل في الالتزام لها بقيم العدالة والنزاهة والحدب والرعاية، والا لما أشهر سيف قواعده وشروطه في وجه المبدعين، ولبس من أجل هذه الغاية مسوح العلم، مستعارة مرة من علم النفس وأخرى من علم اللغة وثالثة من العلوم الاجتماعية، ومن قارعة التاريخ,,!
كيف اذن نواجه اختيارنا في مواجهة النص، ومن أجل أي شيء؟، هل نواجهه بانسانيتنا بحثاً عن متعة الألم والتطهر، أم نواجهه بثقافة النقد وجهامته استسلاماً لألم المتعة وعذاب التقصي والحساب؟ ربما كانت هذه مقدمة كلام آخر!

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved