أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 7th December,2000العدد:10297الطبعةالاولـيالخميس 11 ,رمضان 1421

محليــات

لما هو آت
الإنسان!
د, خيرية ابراهيم السقاف
فضلاً أيها الإنسان,,، أذكر أنَّك عبّرت بي منذ العصر الساحق في المضي، الموغل في البعد، القديم في التكوين,,، وأنَّك اقتعدت معي طرف مركبٍ خَلَت من أيِّ مسافةٍ تضيق، وتَصغُرُ كثُقب عين النملة وهي تُرسلُ شعلتها لدربها كي يستنير بها، فتمرُّ في الثقوب، والشقوق,,، وأن هذه المسافة الصغيرة حدَّ العدمية في إمكانية رؤيتها، قداتسعت لي ولك,,، وأذكر أنَّ المركبَ حين كان يَمشُقُ المدى ويعبُر,,، كان وهو يشق مياه الممر المائي الذي أوَّل ما عرفنا المسير فيه، وتعلَّمنا أبجديات الحركة بعيداً عن مواقعنا عنه، كان ممرَّاً مكدَّساً بالهياكل الحاملة لنبوءات الذي يجيء,,، وإننا أنا وأنت أيها الإنسان، قد أخذنا سبَّابةً واحدةً من أصابع كفوف أيدينا، وسجَّلنا فوق صفحة هذا الممر المائي نبوءاتنا,, فامتزجت بالماء الذي ظلَّ طيلة هذا المدى الضارب في إيغال الزمن يتفاعل تبخُّراً، وامتزاجاً، وصعوداً، ونزولاً مع طقوس التفاعل الطبيعي له مع الكون من حوله، فتارةً هو ضبابٌ في الأعلى، وتارةً هو قطراتُ ندى في الأدنى، وتارةً هو قطراتُ رُواءٍ في التُّربة، وتارةً هو تركيبٌ كيميائيٌّ بالبذرة، ومن ثَمَّ بالثَّمرة، ومن ثَمَّ بجلد الإنسان، ولحمه، ودمه،وأعصابه,, حتى تحققت فينا أنت وأنا نبوءة الانبثاق فكنَّا,,، ووصلنا,,، والتقت أصابعنا,,، واتَّحد نبضُ الحياة فينا,,، واستوى الإنسان: أنت وأنا، هو الإنسان: أنا وأنت فينا,.
و,,, فضلاً,.
بعد مُضيِّ كلِّ هذا الزمن,, تعالَ نُفَتِّتُ الذرَّات,,، نفصل بين الحروف,,، ندخلُ في سراديب الوقت,,، نتطفَّلُ على جزئيات العبور,,، كيف إنَّا الآن,,، نحن بعد أن كنَّا أجزاءً,,؟!,,، وكيف هو الطريق أوغل في المضيِّ بنا,,، وأخَذَنا مع مجرى الممر المائي الذي بدأناه من نقطة الصفر إلى نقطةٍ أخرى تتسع الآن,,، لأننا لا نزال لم نصل إلى نقطة صفرٍ أخرى,, ولو وصلنا أولاً نكونُ قد انتهينا؟!,, أو نكون في مرحلة بَدءٍ بعد نهاية؟
هذه العدميةُ اللانهائيةُ التي تبدأ منها الأشياءُ,,، وتنتهي إليها,,، ومن ثَمَّ تعود فتبدأ منها وتعود,.
كيف هي بنا إنَّا نحن، أنا وأنت ، أي أنت أنا ,,؟!
اللحظة، بعد أن أخذنا مكاننا، ليس فوق مسافةٍ بحجم عين النملة,,، بل اتسعت بنا إلى دائرة الصَّفر الأول ,, دعنا نغوص في التّكَهُّنَات الأزلية,,، كي نرسم خارطةَ الميناء الأمدي,,، قبل أن يحملنا الممر إلى محطةِ الأبديَّة,.
ولعلَّنا لن نفقد أبجدياتِ حوافرِ الخيل الذي يقف اللحظةَ في الساحة كي نبدأَ العبور في طُرُقٍ غير مائية.
أيُّها الإنسان ,, لا تترجَّل,, فأنت الفارسُ الذي يمسك اللحظةَ بالعنان,,، وكلُّ من سواه تَجَندَلَ,, و,, من هنا تبدأ فينا مواجهةُ التكَهُّنات القديمةِ,, للنبوءات الجديدةِ,, لما هو آتٍ,.
فإن كنت إنّي، فإني قادمةٌ كي أنهلَ من وَدقِ الأسئلة التي تقاطرت من أوديةٍ أزليةٍ قد شُحذت بفتيل الولادات التي لا تموتُ.
وإنّي قادمةٌ كي أنحَتَ في جدران أعمدة الأبنية التي لا تتصدَّعُ,, نقوشاً لسرِّ الحياةِ,, وإنّي قادمةٌ كي أرسم حوافرَ الخارطات التي لا تختبئ,, مواقعها خلف الجبالِ، ولا تحت الآمادِ,,، ولا في آبار الفَناءِ,.
وإنّي أيُّها الانسان، قد قطفتُ ريشةَ الفُتُوحِ لمنافذ الانطلاق وشحنتُ متاريس القطارات,,، ويمّمتُ صوبَ القوافلِ، ومدَدتُ إليها بفتيل الفسائل التي تتحول إلى عرائش كي يخضرَّ الطريقُ,,، نحو سرمديَّة التلاشي، في تلاشي الفَناء، في بقاء البقاء، في صهيل الانشراحات التي لا تنطفئ,.
ولقد جاءت تكهُّناتُ الأصداءِ التي تجاوبت لها آماد الدَّويِّ في ردهات التَّمادي الأطول عند البَدءِ البَدءِ، في بداية البداية، التي لا تَتَصَفّرُ عند نقطةٍ، ولا تستوي عند إطارٍ.
و,,,, تلك قصة الإنسان,.
في عدميّة العدم، المنبثق من فَناء البقاء، في بقاء الدَّيمومةِ، في سرِّ السرمديّة الباقية، أزليّة التكوين، في بدائية ونهائية المدى الأبقى,,، عند سؤالٍ لا ينتهي مع أول نقطة,, أو آخر نقطةٍ,, ولا فيما بينهما من الآماد.
فلتبقَ أيها الإنسان، في أبديّة النبوءات، كي لا تخبو لك نقاطٌ، عند أن تغوصَ في دائرتك، كي تدري كيف تكون,,، وكم تكون؟ وبأيِّ وزنٍ يمكن أن تُوسَمَ؟ أو تُرَقّم، ضمن كوكبيّة الناهضين بالحياة، في الحياة,,، وأنت واحدٌ لا تتجزأ في ملكوتِ أبدٍ يترامى, عند أعتاب البدايات.
و ,, سلامٌ داخل الإطار وخارجه,.
و ,, سلامٌ عندما تكون أنت هم,, وهم أنت,.
ذلك يدلُّ على بقائي,.
ولن أرفعَ حزمةً صفراءَ في وجه الزمن.
فلتتجلَّى في ملكوتي,, الناهض بك,.
يا إنسان,, فيَّ وبي,,.
***
سطور من:
مشروع قراءة لخطوة الإنسان ونطقه,, صداه وصوته

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved