أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 10th December,2000العدد:10300الطبعةالاولـيالأحد 14 ,رمضان 1421

مقـالات

سيف الدولة الأمير الجريء
د: سليمان بن عبدالرحمن العنقري
الأمير علي بن حمدان الملقب بسيف الدولة الحمداني لم يأخذ حقه كاملاً من الشهرة ولم ينصفه التاريخ كقائد من أعظم قادة الأمة الإسلامية ولذلك أحببت أن أضع لمحة موجزة عنه في هذا الشهر الكريم شهر البطولات الإسلامية.
لقد ولد الأمير علي بن حمدان (سيف الدولة) في ديار ربيعة سنة 301ه من أسرة حمدان التي كان لها دور كبير على مسرح الأحداث العامة للدولة العباسية سياسياً وحربياً، وتفتحت أنظار الأمير على بطولات والده الذي لقب لشجاعته بأبي الهيجاء، وكذلك أعمامه بصولاتهم وجولاتهم في ميادين الوغى والحروب وهكذا كان قدر الأمير علي الذي سمع وعايش هذه الأمجاد وشب يعيش في تياراتها,, ثم يقتل والده وهو لايزال صغيرا فيرعاه أخوه الحسن الذي عرف فيما بعد باسم ناصر الدولة فينمي فيه روح المغامرة والإقدام.
ويعيش الأمير الصغير بين الموصل ونصيبين وميا فارقين مسقط رأسه وما أن شب عن الطوق إلا ويجد نفسه أميراً على نصيبين فيعيش فيها عالي الهمة ينشر المعالي التي عاش عليها جده مؤسس الدولة الحمدانية وكذلك أبوه وأعمامه.
وينشأ الأمير الصغير إلى جانب التنشئة العسكرية والسياسية أديباً محباً للأدب والشعراء فيلتف حوله الكثير والكثير منهم وبذلك نشأ جامعاً ما بين الأدب والسياسة والفروسية اليت تعلم أصولها ليكون مهيأ لخوض غمار المعارك وصولات الحروب وجولاتها لكي يدافع عن مملكته ويذود عن حماها ويكتسب أمجاداً جديدة تضاف إلى أمجاد أسلافه، فلم يكد يبلغ عامه العشرين حتى تدفعه ظروف سيادة قومه إلى خوض غمار معركة جبارة عند رأس العين أوقع فيها بعمرو بن حابس الأسدي وأنصاره وأتباعه وينتصر عليهم انتصاراً مؤزراً يدفع شاعراً مغموراً يحب الفروسية ويعجب بالفرسان اسمه أبو الطيب المتنبي أن يسجل هذه الحادثة في إحدى قصائده فيقول:


وإذا امتحنت تكشفت عزماته
عن أوحدي انتفض والإبرام
وإذا سألت بنانه عن نيله
لم يرض بالدنيا قضاء ذمام
مهلاً ألا لله ماصنع القنا
في عمرو حابس وضبة الأغنام
لما تحكمت الأسنة فيهم
جارت وهن يجرن في الاحكام
فتركتهم خلل البيوت كانما
غضبت رؤوسهم على الأجسام

جرت هذه الواقعة وكان سيف الدولة صغيراً والمتنبي شاعراً مغموراً لم ينبه له شأن بعد، وانشأ هذه القصيدة وأراد بها مدح الأمير إلا أن الظروف لم تمكنه من ذلك فلما التقيا بعد ذلك ببضعة عشر عاماً وأصبح الشاعر مقرباً في بلاط الأمير أنشده إياها فصارت من جملة مدائحه.
وتمر الأعوام ويسمع سيف الدولة أن جده حمدان قد زار بلاد الروم غازيا وكان معجباً فخوراً بجده (مكابد المحل) ومنجب الأبطال فيعد العدة لغزو هذه البلاد لفتحها وحتى تكتمل له أسباب الفروسية التي لم تكن تكتمل إلا بالغزو والجهاد وحتى يؤمن الحدود ويحصن الثغور التي تقع بين مملكة أخيه وبينهم، بل بين مملكة في خاطره قد أعد العدة لإنشائها على حدود امبراطوريتهم العتيدة.
ولايكاد يبلغ سيف الدولة الخامسة والعشرين من عمره حتى ينطلق على رأس جيش كبير مقتحماً بلاد الروم (البيزنطيين) مكتسحاً السهول مقتحماً القلاع الرومية لأول مرة في حياته وداخل حدود الروم يخرج إليه ملك الروم في مائتي ألف مقاتل وهو عدد لاقبل للأمير المغامر بملاقاته فيلجأ إلى المراوغة والتقهقر المنتظم حتى يطمع فيه جيش العدو (والحرب خدعة) وما أن يسير جيش الأعداء إلى الأرض التي يريدها إلا وينقض عليهم الأمير الفارس ضرباً وقتلا وينزل بهم شر هزيمة ويأسر منهم سبعين بطريقاً كما أخذ منهم سرير الدمستق وكرسيه وكان ذلك عام 326ه وبعد مضي عامين علىغزوته الظافرة لبلاد الروم يقدم على غزوة جديدة نحو بلاد الروم زاحفاً كاسحاً حتى يصل إلى قاليقلا وكان بالقرب منها مدينة جديدة يجد الروم في إنشائها وأطلقوا عليها اسم (هفجيج) وما أن علموا بمسير الأمير العربي إلى مدينتهم الحديثة التي لم ينتهوا من إنشائها بعد حتى يخربوها ويولوا الأدبار ويتوغل سيف الدولة في أرض البيزنطيين، وتطأ أقدامه مواطىء لم يصل إليها أحد من المسلمين من قبله، وفي تلك الأثناء يصل إلى الأمير كتاب من ملك الروم يحوي بعض التهديد فيرسل سيف الدولة إليه بالجواب السريع العنيف وما أن يقرأه ملك الروم حتى يستبد به الغيظ ويستنكر أن يخاطب بمثل ذلك الذي خاطبه به الأمير العربي المسلم ويردف قائلاً: يكاتبني هذه المكاتبة كأنه قد نزل على قلونيه؟ استفظاعاً للأمر ويبلغ القول مسامع سيف الدولة القائد المحنك الجريء فلا يضيع من وقته يوماً واحداً فيبادر ويمضي متوغلاً إلى قلونيه البعيدة المحصنة ويستعظم بعض قواده الأمر ويكادون يثنونه عن هذه المخاطرة ولكن الأمير الجريء العتيد يجيبهم قائلاً: (لست أقلع عن قصد هذه المدينة فإما الظفر وإما الشهادة وينطلق الأمير إلى تلك المدينة يفتحها، ويكتب إلى ملك الروم من هناك مستهزئا به وبسمعة بلاده وبعد أن يتم لسيف الدولة الفتح والنصر يعود بجيشه إلى بلاده سليماً بعد أن أوقع بالروم الفزع والرهبة وبعد أن أسقط من مدنهم أكثرها حصانة وأشدها منعة.
ويصل إلى سمع الشعراء مافعله الأمير الشاب، وكان الشعر العربي في ذلك الوقت يسير في ركب البطولات إذ لم تكن هناك صحافة ولا إذاعة ولا تلفاز فضلاً عن الفضائيات.
ومن الطريف أن سيف الدولة كان يمدح قبل أن يلي أمر حلب وكثيراً ما أجاز الشعراء وأجزل لهم العطاء وهو بعد قائد صغير فلقد مدحه الصنوبري كما مدحه النامي وكذلك أبوالطيب المتنبي,,, هذا مثال بسيط لما كان عليه ذلك القائد الشاب البطل ممن أنجبتهم أمتنا الإسلامية والمدرسة المحمدية أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي ونور الدين زكي وموسى بن نصير وطارق بن زياد ومحمد بن القاسم، فما أحوجنا الآن إلى أمثال أولئك وما أحوجنا إلى قائد محنك يدافع عن حياض الأمة ومقدساتها الممتهنة من الصهاينة اليهود شذاذ الآفاق.
فهل لنا بسيف ثالث مثل سيف الله المسلول وسيف الدولة الحمداني؟
للتواصل 56165
الرياض 11554

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved