أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 10th December,2000العدد:10300الطبعةالاولـيالأحد 14 ,رمضان 1421

الاقتصادية

تطور الدول اقتصادياً يقاس بتقدم نظم ووسائل النقل فيها
أنظمة النقل تلعب دوراً أساسياً في تنظيم أنشطة المجتمع ونمو الناتج المحلي
يساهم النقل في تنظيم الصناعة وخفض تكاليف الإنتاج وتحقيق نظام التخصص
بقلم المهندس : فهد بن خالد الفوزان
يعتبر النقل عنصراً رئيسياً لتطوير الدول اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، حيث أن تقدمها يمكن أن يقاس بتقدم نظم ووسائل النقل فيها, ويعد نقل الركاب والبضائع من المهام الرئيسية للنقل، إذ يساهم قطاع النقل مساهمة كبيرة في نمو الناتج المحلي الإجمالي، كما أنه يعتبر مصدراً من مصادر الدخل الحكومي بشكل مباشر أو غير مباشر, ويمكننا القول إن أنظمة النقل في جميع الدول تلعب دوراً أساسياً في تنظيم أنشطة المجتمع وتكاملها، كما أنها تؤثر في ربط توزيع السكان مع استعمالات الأراضي، وذلك لأن وسائل النقل تعتبر عاملاً مهماً في تحديد اختيار الفرد للمكان الذي يسكن فيه والذي يعمل فيه.
وتتعدد وسائل النقل المختلفة التي تعمل داخل سوق خدمات النقل، سواء كانت شركات السكك الحديدية أو شركات النقل على الطرق البرية، وكذلك شركات النقل البحري وشركات النقل الجوي وشركات النقل بالأنابيب, ويعتبر النقل بالسكك الحديدية من وسائل النقل المهمة التي تعتمد عليها كثير من الدول لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية لقدرتها على نقل كميات كبيرة من البضائع والمواد الخام، ونقل أعداد كبيرة جداً من الركاب وخصوصاً في أوقات المناسبات أو العطلات, وتقع أهمية النقل بالسكك الحديدية في أنها أحد العوامل المؤثرة في اختيار أماكن توطين الصناعات، ومواقع إنشاء مخازن السلع, كما وتقع أهمية النقل بالسكك الحديدية بالنسبة للقطاعات الاقتصادية في المجتمع في مرحلتي الإنتاج والتوزيع.
فإنتاج السلع الزراعية والصناعية يستلزم توفر مواد أولية، ولا بد من نقل هذه المواد من مناطق إنتاجها إلى مناطق استهلاكها, ولذلك فإن التوسع والتطور في وسائل النقل ما بين مناطق الخامات الأولية ومستلزمات الإنتاج ومناطق الإنتاج، وما بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك سوف يكون له الأثر الكبير على تطور الدول ونموها وازدهار اقتصادها بشكل ملموس.
وإن التطور والتقدم الواضح في القطاع الصناعي أديا إلى ازدياد الحاجة إلى النقل وذلك لتنامي الحاجة إلى نقل المواد الأولية إلى أماكن التصنيع، وكذلك نقل المنتجات الصناعية من المصانع إلى أماكن استهلاكها، وقد أخذت هذه الحاجة تتزايد بسرعة فائقة نتيجة للتقدم الذي حققته الدول في المجالات الصناعية، كما وساهم النقل بشكل مباشر في زيادة الطاقة الإنتاجية للصناعات المختلفة استجابة للطلبات المتنامية من قبل المستهلكين.
وساعد التقدم المتزايد في أنظمة النقل على تزويد المجتمعات المختلفة بالسلع والمنتجات التي قد تكون بعيدة عن متناولها نظراً لعدم توفر الموارد الطبيعية في بلد ما، كما أنه لاختلاف المناخ بين هذه المناطق دور في اقتصار بعض المناطق على إنتاج سلع معينة وقليلة, ولسهولة نقل السلع من منطقة إلى أخرى ورخص تكلفة عملية النقل دور كبير في نقل المنتجات الفائضة عن حاجة منطقة ما إلى المناطق التي تحتاج إليها، وفي عملية تبادل السلع بين المناطق المختلفة تلبية لحاجات الناس في البلدان المختلفة, ويمكن القول بأن النقل يمكن أن يساهم في توحيد هذه البلدان واندماجها سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية.
وكان لتقدم النقل أثر كبير في انخفاض تكلفة المنتج النهائي، حيث يتضح عدم الحاجة إلى تخزين كميات كبيرة احتياطية من المواد الأوليةالخام وكذلك عدم الحاجة إلى تخزين كميات كبيرة من السلع في أماكن استهلاكها، وهذا يعني بدوره انخفاض أسعار بيع تلك السلع، ويترتب على ذلك قدرة الفرد على التمتع باحتياجات ومتطلبات معيشية أخرى مما يحقق الرفاهية الاقتصادية, كما أن وجود نظم نقل متقدمة ومتطورة لنقل الركاب والبضائع ستمكن الناس من اختيار مساكن متناسبة مع رغباتهم لقاء ثمن منخفض أو أجرة معقولة حتى لو كانت بعيدة عن مكان عملهم.
ويعتبر تقدم النقل عاملاً جوهرياً في نمو المدن ووصولها إلى الحجم الذي نراه اليوم, فتطور أنظمة النقل في بلد ما سيساعد على سد احتياجات الناس الملحة من المنتجات الزراعية والصناعية في الوقت المناسب وبالأسعار المناسبة, ويجد المتابع لحركة نمو المدن قبل عشرات السنين أنه لم يكن هناك مدن كبيرة لا في حجمها ولا في عدد سكانها ولا في اقتصادها، بخلاف ما نلاحظه الآن من زيادة كبيرة في عدد المدن ونمو كبير في حجمها واقتصادها, وهذا لم يكن ليحصل إلا بتوفر وتقدم أنظمة النقل ووسائله.
ويلعب النقل دوراً مهماً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحفيز الاستثمار في المجالات والقطاعات المختلفة، فلو نظرنا مثلاً إلى النقل الجوي نجد أن شركات الطيران في بلد ما تقوم بشراء طائرات جديدة نظراً للطلب المتزايد على هذه الخدمة، ولتمويل هذا المشروع لابد من دعم حكومي، أو قروض بنكية أو غير ذلك، والمحصلة النهائية لذلك كله تحريك القطاع المالي والبنكي في البلد وتحقيق النمو الاقتصادي للدولة, كما تتطلب المطارات بنية أساسية للخروج بصورة مطارات متكاملة من حيث تشييد طرق سواء داخل المطار كالمدرجات وغيرها أو خارجه كالطرق الموصلة إليه, كما أن هذه المطارات تحتاج إلى خدمات أخرى مثل التشغيل والصيانة وإيصال الكهرباء وشبكة الاتصالات والمياه فضلاً عن إقامة محلات تجارية وغيرها, وكل هذه الاحتياجات تعزز الاستثمار في البلد.
وفي مجال النقل بالسكك الحديدية نجد أن الدولة أو الشركات تقوم ببناء سكك حديدية وشراء عربات ، يصاحب ذلك توفير بنية أساسية كما أشرنا إليها آنفاً, وإذا نظرنا إلى النقل العام فسنجد أن الشركات المعنية التي تقدم هذه الخدمة تقوم بشراء حافلات لنقل الركاب أو شاحنات لنقل البضائع, وفي الحقيقة نجد أن الاستثمار في وسائل النقل المختلفة له عوائد مادية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، فمثلاً، النقل بالطرق البرية يكون استثمارها مباشرا من خلال فرض رسوم لاستخدام الطرق السريعة، أو غير مباشر عن طريق تقليل زمن الرحلة وتكاليفها, وباقي وسائل النقل يكون عائدها مباشراً من خلال فرض رسوم يتم تحصيلها من جراء استخدام تلك الوسائل، أو يكون غير مباشر كما أشرنا إليها من قبل.
وتلك الأمثلة المذكورة تؤكد الدور الكبير الذي تلعبه وسائل النقل في تشجيع الاستثمار وزيادة الدخل الوطني للبلد, ونجد أن مساهمة قطاع النقل في معظم الدول الصناعية تصل إلى أكثر من 17% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقوم قطاع النقل بدور كبير في تشغيل الأيدي العاملة وتوفير الفرص الوظيفية لشريحة كبيرة من الناس سواء كانت المباشرة في مجال النقل ذاته أو غير المباشرة أي في المجالات الأخرى, ويساهم وجود شركات النقل سواء كانت الخاصة بالنقل الجوي أو البحري أو بالسكك الحديدية، أو النقل على الطرق البرية، أو النقل بالأنابيب في توفير فرص عمل مختلفة من الكوادر الهندسية والفنية والإدارية, وتحتاج هذه الشركات في أغلب الأحيان إلى مؤسسات خدمات مساندة متخصصة في التشغيل والصيانة والنظافة والتي بدورها تخلق فرصاً إضافية, ولذلك فإن النقل ذو فائدة كبيرة على اقتصاد البلاد لمساهمته فيتخفيض الأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل.
وعندما نمعن النظر في شركات البترول والمعادن، نجد أن النقل يشجع هذه الشركات على التنقيب والاستخراج والقيام بنقله وتصديره مما يخلق فرصا وظيفية لتخصصات متعددة.
كذلك فعندما تقوم وزارة المواصلات بإنشاء الطرق والكباري فإنها ستشغل أيد عاملة لديها وتشرع في تعيين مقاولين واستشاريين لمشاريعها، وبطبيعة الحال سيوظف المقاولون والاستشاريون أيد عاملة للقيام بالتنفيذ والإشراف, كما تحتاج تلك المشاريع إلى مواد زفتيه ومواد خرسانية وحديد تسليح، بالإضافة إلى أمور أخرى مثل الإنارة والمواد الملونة وعلامات الطرق واللوحات الإرشادية والإشارات الضوئية وغيرها من المواد التي تحتاجها تلك المشاريع الحيوية الأمر الذي يستلزم زيادة إنتاجها لمواكبة الطلب المتزايد عليها وبالتالي في زيادة الفرص الوظيفية اللازمة لتصنيعها.
ومع التقدم والتطور الذين حصلا في أنظمة النقل أديا إلى وجود المنافسة داخل سوق خدمات النقل،حيث كانت البدايات الأولى لوسائل النقل يغلب عليها الاحتكار، وذلك لوجود ناقل واحد يخدم بلداً معيناً, لكن المنافسة الآن في نقل الركاب والبضائع، مثلاً، تنشأ بين شركات النقل الجوي، أو شركات السكك الحديدية، أو شركات النقل على الطرق البرية، أو شركات النقل البحري، أو شركات خطوط الأنابيب لنقل السلع الاستراتيجية مثل النفط, فيترتب على هذه المنافسة التميز في كل وسيلة من وسائل النقل، بل والتطور لهذه الوسائل وبالتالي زيادة أنشة التسويق والمبيعات مع المحافظة على أقل الأسعار الممكنة.
ومع أن مزايا النقل الجوي التي ساعدت على انتشاره هي سرعته التي لا يمكن مجاراتها من قبل وسائل النقل الأخرى، إلا أنه يجب في المقابل أن يكون الطيران آمناً ويمكن الاعتماد عليه حتى يستطيع منافسة وسائل النقل البري الذي له يد واضحة في هذا الجانب, وقد يواجه النقل الجوي مشاكل عديدة تضعف فاعلية منافسته مثل تكاليف خدماته الكبيرة والمشاكل الأخرى مثل الضوضاء وبعد المطارات عن المدن, ويعتبر سعر ونوعية الخدمة من العوامل المهمة في مجال المنافسة بين وسائل النقل المختلفة، حيث يميز نوعية الخدمة مايلي: 1 سلامة الوصول 2 السرعة 3 الأمان 4 خدمة الباب للباب 5 تكرار الوسيلة واستمرارها 6 سهولة الشحن والتفريغ 7 الثقة بوسيلة النقل 8 درجة الراحة 9 السلامة من الخسائر.
وتتوسع المنافسة لتشمل المنتجات والصناعات المساندة لقطاع النقل, فالمواد الزفتية، مثلاً، تنافس المواد الخرسانية في رصف الطرق وهكذا, فتقدم وسائل النقل المختلفة وانخفاض أجورها يشجع على المنافسة في داخل الأسواق ومن ثم تحسين الإنتاج وتخفيض الأسعار, والنتيجة النهائية لذلك هي تحسن وسائل النقل وتطورها باستمرار لاجتذاب المستخدمين وخدمتهم، وبالتالي تزداد دائرة التنافس بين المستثمرين وتتحقق الفوائد المطلوبة للجميع.
ويساهم النقل في تنظيم الصناعة وخفض تكاليف الإنتاج وإلى تحقيق نظام التخصص لمختلف البلدان حسب إمكانياتها ومواردها, فالتخصص مؤداه قيام المصانع الكبيرة والشركات المتخصصة لإنتاج نوع معين من السلع ونقلها من مكان إلى آخر حتى ولو لمسافات بعيدة لتحصل معها على ميزة، وبذلك يحصل التبادل التجاري بين الدول المختلفة, كما أن هذا التبادل في المنافع يتم داخل الدولة الواحدة، حيث نجد مدينة تمتاز في الإنتاج الزراعي بينما تمتاز مدينة ثانية في الصناعات المعدنية، وثالثة في الصناعات القطنية وهكذا, ولذلك فالنقل هو العامل الرئيسي الذي يسهل لكل مدينة التخصص في إنتاج سلعة تتميز فيه على سواها من المدن الأخرى وبكمية تكفي لحاجتها وحاجة المدن المجاورة والدول الأخرى, وهذا الإنتاج الفائض عن حاجتها يعتمد على وسائل النقل من أجل توزيعه على المدن والدول الأخرى.
وقد يكون التخصص في إنتاج سلعة معينة بين الدول المختلفة ملموساً، فبعضها يتخصص في إنتاج البترول وأخرى في تصنيع المنتجات المعدنية أو في إنتاج الكيماويات والبعض الآخر في الصناعات الغذائية , وقد تتفوق بعض الدول في بعض الصناعات نظراً لتوفر قوة عمالية كبيرة ورخيصة الأجر, فإنتاج تلك الدول من بعض المنتجات بكميات كبيرة إنما يعتمد أساساً على توفر وسيلة النقل الذي يسهم في تصدير مايزيد عن حاجتها إلى الدول الأخرى, كما ويسرت وسائل النقل وجود التخصص الإقليمي والدولي، لتسهيلها التبادل التجاري بين المدن والدول المختلفة, ولولا توفر وسائل النقل لبقي الإنتاج بشكله البدائي الذي كان عليه في الماضي، إذ كانت كل مدينة تعتمد على إنتاجها المحلي ولم يكن هناك تبادل مع المدن أو الدول الأخرى، وقد أدى ذلك النظام البدائي للإنتاج إلى بقاء مستوى المعيشة في مستوى متدنٍ.
وعليه فإن التخصص في الإنتاج يؤدي إلى زيادته وتصنيعه بأقل التكاليف الممكنة, ونجد أيضاً أن تخصص أي بلد في صناعة ما من شأنه توفير عمالة مدربة في هذه الصناعة وتوفير خدمات تجارية مصاحبة مثل البنوك والأسواق وغيرها مما سيدفع الحركة الاقتصادية قدماً في ذلك البلد.
كما أن التحسن والتطور في خدمات وسائل النقل المختلفة ينشأ عنهما زيادة السرعة اللازمة وبالتالي التقليل من وقت الرحلة، وهو ما يعرف بالوقت الموفر سواء للراكب أو للبضاعة المنقولة.
وتأتي أهمية الوقت الموفر من أن زمن الرحلة له تكلفة فرص بديلة، إذ قد يقوم الناس برحلة خلال وقت العمل، ومن ثم يكون زمن الرحلة مستقطعاً من وقت العمل، وبالتالي يؤثر على وقت الإنتاج, ومن هنا تتضح أهمية الوقت الموفر خلال رحلات العمل الذي يمثل حفظاً لوقت العمل، ويؤدي إلى زيادة الإنتاجية.
وقد يقوم بعض الناس برحلة خلال وقت فراغه التي تكون على حساب وقت الراحة، وبالتالي يقلل من تمتعه بوقت الفراغ, وعلى ذلك فإن الوقت الموفر خلال الرحلات بصفة عامة له قيماً معنوية، بل ومالية يمكن حسابها كنتيجة من تكلفة السلع المنتجة، كما لتحسن وسائل النقل دور كبير في تقليل الحوادث المرورية والحد من خطورتها والذي بدوره يؤدي إلى تقليل الاصابات والوفيات وتقليل الخسائر المادية الناتجة من جراء تلك الحوادث.
هكذا يمكن القول بأن نظام النقل له دور مهم في تزويد المجتمعات المختلفة بحاجاتها من السلع والخدمات وفي تسهيل تبادل هذه السلع بين المناطق والدول التي تمكنت من التخصص في إنتاج سلع معينة بأسعار منافسة نتيجة لانخفاض تكلفة إنتاجها، أي أنه يقضي على عدم المنفعة التي يخلقها بعد المسافة, ولذا فهو يلعب دوراً حيوياً في نمو الدول اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، كما وأنه يعتبر مصدراً من مصادر الدخل الحكومي، وله دور كبير في نمو الناتج المحلي للدول, وخلاصة القول فالنقل يوحد أمة بأكملها ويجعلها شعباً واحداً له اقتصاد واحد وثقافة واحدة.

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved