أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 12th December,2000العدد:10302الطبعةالاولـيالثلاثاء 16 ,رمضان 1421

مقـالات

الثقافة وتحديات العولمة 1- 4
د, حسن بن فهد الهويمل
نحن أمام ثلاث كلمات: مصطلحين، وإجراء.
أما المصطلحان: فالثقافة والعولمة .
وأما الإجراء فالتحديات , والناس في الفهم ثبات وليسوا مجتمعين، وإشكالية الفهم واسلوب المواجهة ترفعان نبض الحدث، وتؤسسان لموقف أيدلوجي ، يخرج من مستوى التداول للاختيار إلى عمق الاعتقاد بواحديته وحتميته، وهو ما ينقل الجدول حول فهم المصطلح وإمكانية استيعابه إلى تكريس وجوده.
وماذا علينا لو استبدلنا التحدي بالحوار أو بالتفاعل، وخلصنا من لهجة الصراع والصدام إلى علاقات التفاعل أو الاتقاء.
وهل نحن قادرون بإمكانياتنا وأوضاعنا القائمة على التحول من التحدي والصدام إلى التفاعل والحوار؟, وبالتالي هل نملك تحديد نوع المواجهة؟.
وهل منتج العولمة يقبل منا التطلع إلى الندية وتكافؤ الفرص، وحرية الاختيار، واستبطان مالاتقوم حضارتنا إلا به؟.
وهل بالإمكان تقاسم المواقع وتبادل المنافع بإزاء حضارة متغطرسة تعيش واحدية القطب لا نعرف عنها إلا الحشف وسوء الكيل؟.
وهل العولمة تزويد بما ينقص المتعولم، أم هي تشكيل للمتعولم وفق رغبة المعولم بحيث يظل جائعاً يطلب الطعام وخائفاً يطلب الأمان؟.
وهل من حقنا القبول بعولمة العلم والاقتصاد وخصخصة الثقافة؟.
هذه التساؤلات الملحة سبقت تحديد مفهوم المصطلحين والإجراء لأن الذي يعرف أخزم يعرف شنشنته.
إننا حين نبحث عن تعريف جامع مانع لمصطلح الثقافة نراه كالمرآة في كف الأشل، إذ هو مصطلح مراوغ اضطربت حوله الآراء، وتباينت التصورات، ولما يصل المعنيون إلى تعريف حاسم.
يحدد مصطلح الثقافة ومقتضياته، ويصف المثقف، ويعين نوع المكتسب المطلوب والقدر الكمي الأدنى، لتكون الثقافة ويكون المثقف, ومن ثم فالأزمة قائمة في النوع وفي القدر وفي الذات الفردية والجمعية, وليس ما يمنع من مقاربة تدني منه ولا تمسك به، والسبيل القاصد تقصي دلالات الجذر اللغوي فهو يقرب من المعنى.
والكلمة معجمياً، قبل أن تكون مصطلحاً على مفهوم، ذات أصل دلالي واحد كما يقول ابن فارس في معجم المقاييس :
الثاء، والقاف، والفاء كلمة واحدة إليها يرجع الفروع، وهو إقامة درء الشيء, ويقال: ثقفت القناة، إذا أقمت عوجها.
قال:
نظر المثقف في كعوب قناته,,, حتى يقيم ثقافة منآدها وثقفت هذا الكلام من فلان, ورجل ثقف لقف، وذلك أن يصيب علم ما يسمعه على استواء, وتقال ثقفت به إذا ظفرت به, قال:
فإما تثقفوني ما قتلوني,, وإذا اثقف فسوف ترون بالي .
والجذر الثلاثي عند المعجميين يعني ثلاثة أشياء متقاربة تناولناها بالتفصيل في محاضرة ثقافة التقنية وتقنية الثقافة وهي:
1 الوجادة: فما يجده الإنسان يسمى مثقوف: أي موجود، وكذلك ما يصادفه الإنسان في حياته أو في وجهته, قال تعالى: فإما تثقفنهم في الحرب , وقال تعالى: واقتلوهم حيث ثقفتموهم , ولا يعني الثقف في القرآن الكريم إلا هذه الدلالة، وقد ورد هذا الجذر في القرآن ست مرات.
2 التقويم الحسي، وقد يمتد للمعنوي، بحيث يحقق المصطلح مهمته الوظيفية القائمة على الممارسة: من ثقف الرماح: عدلها، وأقام اعوجاجها، والتثقيف التسوية.
3 الحذق: ثقف , ثقافة: صار حاذقاً خفيفاً فطناً، فكأن الوجادة والتقويم يؤديان إلى الحذق والفطنة, وقد أشار إلى ذلك ابن فارس بقوله أن يصيب علم ما يسمعه على استواء وذلك بيت القصيد.
وهذه الدلالات الثلاث تعطي معاني تراتبية, فالوجادة تمكن من التعديل الحسي كالرماح، والمعنوي كالقيم الأخلاقية والفكرية، وهما ينتجان الحذق والفطنة.
وتلك هي مجمل الدلالة المعجمية لجذر ثقف ، وإن زاد عليها مجمع اللغة العربية بالقاهرة في معاجمه بعض الدلالات المجازية أو السياقية, غير أن المقتضى المصطلحي المعاصر تجاوز هذه الدلالات وأعطى الكلمة فضاءات واسعة واحتمالات متعددة, والثقافة في الاصطلاح تتعدد بتعدد الفنون والعلوم والمذاهب وبتعدد الأزمنة والأمكنة وبتنوع الحضارات والمفاهيم والرؤى لدى كل مفكر، وقد زادت تعريفاتها على المائة والخمسين، فهي عند علماء الاجتماع غيرها عند علماء النفس، وهي مغايرة عند علماء الاجتماع غيرها عند علماء النفس، وهي مغايرة عند الأدباء والفلاسفة، وذوي الديانات والمذاهب والوضعيين, تكون: طريقة الحياة الكلية لشعب من الشعوب، كما تعني ضروب النشاط: كالفن والأدب والفكر والعادات والتقاليد وكل المنجز البشري الذي تلتقطه حواس الإنسان وتحتفظ به الذاكرة، وتنمي منه مكتسباتها، وتهذب فيه سلوكها، وتجسد فيه شخصيتها وقد تمتد إلى الشعور والتفكير، وهي من حيث التعريف الكمي: الأخذ من كل شيء بطرف ، أو هي: معرفة كل شيء عن شيء، ومعرفة شيء عن كل شيء , وهي بهذا التعريف تعني التخصص العلمي والمعرفة غير المتخصصة، والاختلاف في تحديد المفهوم والقدر المعرفي يمتد إلى الاختلاف حول تحديد المثقف على مستوى الأفراد والجامعات والأمم، وقد وعاها السلف وفق هذا التباين، ولم يشغلوا أنفسهم بتحرير المصطلح، وإنما اشتغلوا بما يمكن أن يصدق عليه مفهوم الثقافة ، فألفوا الموسوعات، ودونوا المعارف، وعرفت مؤلفات من هذا النوع، كالحيوان والبيان للجاحظ، والمعارف لابن قتيبة، والمستطرف والعقد والخزانة وكتب التراجم والبلدانيات وأدب الرحلات وغيرها, وللمصطلح معطيات كثيرة: مفهومية وهو ما يرسمه الإنسان في مخيلته وبتصوره, وكمية وهو القدر المعرفي المكتسب, وإجرائية وهو ما يتمثله بنفسه أو يتوقعه من الآخرين, ويتصورها آخرون بأنها: كم معرفي ونسق فكري ونمط سلوكي، إنها ألوان معرفية تفرضها الهيمنة والسوائد أو تستدعيها الحاجة وتسربها قنوات التوصيل.
وهي أنساق من الأفكار والمعتقدات والمذاهب والمناهج الثابتة والمتحولة, وهي أنماط سلوكية تحكمها القيم والتصورات والمفاهيم والمعايير.
والثقافة العربية ترتكز على ثلاثة عناصر هامة:
الدين
اللغة.
التراث.
ولكي تتحقق الثقافة بمفهومها السوي لابد أن تتجلى من خلال تلك العناصر، ولا تحول تلك العناصر دون الاكتساب والتحول المشروط والمحدود والمنضبط.
والثقافة المؤهلة بمقومات البقاء هي القائمة على ثوابت لا يرقى إليها التأثير بمعنى: أنها تملك المتن والهوامش، لها متن ثابت متميز وهامش متحرك متغير، وهي تقرأ من خلال متنها الذي يحدد هويتها، والثقافة اكتساب مستمر وإضافة متواصلة واستيعاب دائم وتفاعل حي: مؤثر ومتأثر، ولكن الاكتساب والإضافة والاستيعاب والتاثر محكومة بثوابت وشروط ومواصفات، متى فقدت تحول الأمر إلى حركة اضمحلالية مسخية, والثقافة العربية يختص جانبها الثبوتي بقيام عنصرين ربانيين:
الدين.
اللغة.
وهما الإشكالية الأقوى في وجه المهرولين باتجاه الاستغراب، ثم إن هناك مصطلحات تتداخل مع مصطلح الثقافة, كمصطلح الحضارة والمدنية وقد يكونا أكثر مرونة واستجابة وتصالحاً مع المستجد.
فالحضارة تشير في الغالب: إلى طرائق الحياة العلمية الأكثر تقدماً.
والمدينة: تعني المستعملات والمسكوكات والمسكونات.
وهناك تاريخ للتمدن الاجتماعي، يحكي تطور حضارة ما، وقد كاد جرجي زيدان للحضارة الإسلامية حين كتب عن تاريخ التمدن الإسلامي مركزاً على جانب اللهو والمجون ومجالس الشراب وأزياء الغلمان والجواري وآلات الطرب، متعمداً حصر التمدن الإسلامي بهذه الظواهر منطلقاً من قصور العباسيين, وهو قد فعل المكيدة نفسها عندما أنشأ الروايات الإسلامية .
والحضارة والمدنية في النهاية لونان من ألوان الثقافة , بوصف الثقافة ما يجده الإنسان وما يكتسبه من قول أو فعل, وما يتحلى به من قيم حسية أو معنوية وما يعرفه من خلال الآخرين، فالطفل يولد على الفطرة كما يصوره الإسلام، وهو كالخامة البيضاء كما يصوره السلوكيون، وقد يمتد بنا الحديث إلى إشكالية اللغة من حيث كونها: كسبية أم ملكة , ومع صعوبة القطع بمفهوم محدد للثقافة، فإنها من الوضوح، بحيث يرجع بها المتلقي إلى معهوده الذهني, وليس هناك أصعب من الحديث عن الأشياء الواضحة.
والثقافة تختلف من عصر إلى عصر ومن حضارة إلى حضارة، وهي داخل الحضارة الواحدة والعصر الواحد تتعدد تصوراتها ومستوياتها وأنواعها ومدى ارتباطها بالسلوك الاجتماعي، وهي أيضا تتعدد بتعدد الاهتمامات، ومن ثم أصبح من الصعوبة بمكان الاتفاق على مفهوم الثقافة والتحديد المعرفي للمثقف، والبعض يربط الثقافة بالسلوك الحضاري المتمدن، ويجعل المثقف نقيض الرجل البدائي، وخطورة الثقافة تكمن في كونها التشكيل الأهم للهوية والخصوصية الحضارية، أو قل إنها مجموع المعارف التي تحدد الهوية والخصوصية، وهذا مصدر الحساسية في مواجهة العولمة.
والثقافة في أدق مفاهيمها جماع الحضارة والدين وظواهر الحياة، وهي المكتسب المؤثر في توجيه القيم والرؤى والتصورات، إنها الاكتساب والثراء المعرفي، والثقافة بوصفها الكسبي الكمي تواكب ذاتها بوصفها الفعلي, إنها كم معرفي وممارسة إجرائية وسلوك حضاري، إنها سمة وخصوصية وضوابط، وليست مجرد الكم المعرفي، إنها الأقدر على إبراز الهوية وتأكيد الخصوصية، واختراقها إسقاط للحضارة ومسخ للأمة, وقد وقعت الأمة في مفاهيم جديدة وآليات جديدة لصناعة الهوية تمثلت بالمجتمع القومي أو المجتمع الاشتراكي ، واتخذ آخرون الطريق السوي حين طرحوا آلية الثقافة الإسلامية في مناهج الدراسة، ومع تعدد الانتماءات والهرولة وراء بوارق التجديد فإن الثقافة العربية تركن إلى قاعدة شعبية عريقة عميقة.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved