أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 12th December,2000العدد:10302الطبعةالاولـيالثلاثاء 16 ,رمضان 1421

الاقتصادية

زواج المسيار
قصة وسيناريو اقتصادي!!
* إعداد:د, زيد بن محمد الرماني
في نهاية القرن الماضي ومع مطلع القرن الجديد شهد المجتمع الدولي تظاهرة اجتماعية عالمية تمثلت في مناسبة زواج بهيج، حضره لفيف من الأقارب والأصدقاء والجيران والأشقاء وجَمعٌ من الأحباب وممن هم في الجوار.
يتقدم الحضور عاقد الأنكحة، شيخ المأذونين وإمام هذا العصر وحجة الاقتصاديين ومنقذ البؤساء وأمل التعساء وحلم الفقراء، العلم العلامة الفهامة الجهبذ وحيد عصره وفريد زمانه وأوانه، ومعه الزوجان بأبهى حلتهما وزينتهما، والشهود المعتبرون فضلاً وقدراً وعلماً وعالماً، وعلية المدعوين من أهل الرياسة والوجاهة والمكانة الاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية.
ويحمل عددٌ من الأطفال باقات من الزهور والورود وسلّات مملوءة بالحلوى والحلويات، يدورون على المدعوين والحضور يُتحفونهم بلذيذ الحلوى وعطر الزهور بهذه المناسبة الفريدة في زمانها ومكانها ومراسم الاحتفالات بها.
الزوج وهو في أبهى حُلّة وأجمل ملبس وأعطر طيب، يتباهى ويختال متبختراً جيئة وذهاباً يُحيِّي هذا ويُرحب بذلك ويبتسم لهذه ويَبشّ لتلك وكأن ليس في الزمان قديماً وحديثاً عريس إلا هو وكأن ليس ليلة الزفاف أقيمت إلا له.
والزوجة المزركشة لبساً والمعطّرة، ذات الحُلي والذهب، والألماس، تشمخ على الحاضرات بجمالها، ومالها، تضنّ بالكلام على صديقاتها وصويحباتها وكأن ليس في الوجود عروس إلا هي، وكأن ليس الحُلّي والمجوهرات صُنعت إلا لها.
أخي انسان هذا القرن، لعلك تسأل نفسك ياتُرى مَن هذا الزوج؟ ومَن تكن هذه الزوجة؟ وأين أقيمت هذه المناسبة العظيمة، ومتى؟، وغير ذلك من الاسئلة الكثيرة والملحّة على ذهنك المكدود ونفسك المتطلعة والوثابة الى معرفة الأمر واستجلاء حقيقته وسبر غوره والاطلاع على كنهه، رغبة في معرفة كل غامض وبيان كل مستور وارضاء كل فضول.
أخي انسان هذا القرن، اسمع أقل لك الحكاية من أولها إلى آخرها، من البداية إلى النهاية!!!
أما الزوج فهو النظام العالمي الجديد، والزوجة هي الجات، وولي الزوجة هو منظمة التجارة العالمية الملقّب بWTO، والشهود هم العالم الصناعي الغربي والعالم النامي العربي، وعاقد الأنكحة هو المأذون المعروف بالعولمة، ويُدعى عند بعضهم ب الكوكبية وهو اشهر مأذون وعاقد أنكحة في العالم المعاصر.
وقد اتفق العروسان على ان يكون الزواج زواج مسيار لمزاياه وايجابياته المتعددة، واتباعاً للموضة والتقليعات الجديدة، ولأن هذه الصيغة تُسهِّل على الزوج الارتباط بأخرى دون تبعات أو تكاليف أو التزامات تثقل كاهله، ويمنح الزوجة الحرية المطلقة.
اما هذا التجمع والزواج فكان بمناسبة نهاية ألفية ومقدم ألفية جديدة، وكانت المناسبة على كوكب الأرض مكانياً وفي مطلع الألفية الثالثة الميلادية زمانياً.
أما الحضور، فقد كان بهيجاً ضمّ لفيفاً من المشاهير وكان من بينهم: الخصخصة وزوجها القطاع الخاص، والدولرة وزوجها النظام النقدي، والكارتل وزوجته الترست، والكوميكون وزوجته السوق الاوروبية المشتركة ومنظمة الوحدة الافريقية وأخوها مجلس التعاون العربي.
وقد غاب عن الحضور: مجلس التعاون الخليجي، والأوبك والأوابك لظروفهم الخاصة.
ووزعت البطاقات بهذه المناسبة، بطاقة الماستر كارد والأمريكان أكسبريس والفيزا وبطاقات ائتمانية دولية عالية القيمة.
كما وزعت باقات الزهور، زهور رقمية وورود ذكية ذات روائح سائلة.
وكذلك أطباق الحلوى لم تغب عن المناسبة إذ كانت هناك حلوى الرسوم والضرائب والإتاوات والقيود الجمركية، والتعرفات.
واستمع بذلك الحضور المهيب، الذي ضمّ إلى جانب أولئك المشاهير: داو جونز ونيكاي واليورو وإيمو وبورصة نيويورك وبورصة طوكيو والانترنت وضريبة الكربون وثقب الأوزون وإيفاد وأيبك وإفتا وأونكتاد وإيدا وبريتون وودز وبنلوكس وجرين بيس.
وقد تجاذب الحضور أطراف الحديث عن المواقف السلبية من العولمة والمصادقة على اتفاقية الجات والانضمام لمنظمة التجارة العالمية والتوحد في كوكب واحد وقرية كونية واحدة.
وكان الحديث على أشده عن ثورة المعلوماتية والتقانة المعاصرة وجوانب من الدولرة والخصخصة والدولنة والأنسنة والعقلنة والأمركة واللبررة والحضرنة.
واقترح بعض الحضور عقد منتديات ولقاءات موسعة لمناقشة كيفية التحول الى اقتصاد السوق وفرض سياسات التبعية والاستعمار الاقتصادي في المناطق الفقيرة.
أما موضوعات المجاعة والفقر والتلوث والتصحر والمخدرات وغسيل الأموال القذرة والجريمة، فلم يناقشها إلا قلة من الحضور.
وتجدر الاشارة الى ان التكنولوجية والبورجوازية والبلوتوقراطية والامبريالية والديمقراطية والارستقراطية لم تتخلف عن هذه المناسبة، ذلك لأنها بالنسبة اليهم تعتبر فرصة للظهور والفخر والخيلاء والمباهاة، وكذا فرصة للهيبة والجلالة ولوي الأعناق وفرض التبعية.
كانت هذه هي البداية.
أخي إنسان هذا القرن القصة لم تنته؟!!!
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved