أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 17th December,2000العدد:10307الطبعةالاولـيالأحد 21 ,رمضان 1421

الثقافية

بوحُ الذاكرة
مواقف تربوية,, أحداث اجتماعية2
تأليف: د,عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان
قراءة وتعليق:حنان بنت عبدالعزيز بن عثمان بن سيف
اسم الكتاب: بَوحُ الذاكرة, مواقف تربوية، أحداث اجتماعية.
تأليف: د,عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان.
الطبعة: مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى لعام 1420ه.
كتب الدكتور الفاضل، عبدالعزيز الثنيان كتاباً توالت عليه الخواطر فيه، وتتابعت الذكريات وصارت الأحداث شاخصة أمامه مرتسمة في ذهنه وعقله وشعوره، أيام كان مربياً وموجهاً لأجيال وأجيال من معلمين، ومتعلمين، وموظفين، ورؤساء موظفين، فقد كان خير قدوة للمعلم الكبير، والمتعلم الصغير، والرئيس الكبير، والمرؤوس الصغير، وحينما ترك قطاع التعليم، تمثلت ذاكرته مواقف عدة، فهو مع التعليم بعقله وذاكرته، فإذا خلت شعب التعليم من توجيهاته بطريقة مباشرة، فلن تخلو من كتب ماتعة، وأحداث شاخصة، يستفيد منها الرئيس والمرؤوس، والمعلم والمتعلم، والمربي والمرّبَى، وكانت هذه المواقف الواردة في أجزاء هذا الكتاب، السابق منها، والآتي بعدها، تصور واقعاً تعليمياً عايشه مؤلف الكتاب، وتعرض جوانب تربوية كان المؤلف طرفاً في أغلبها، فهذه الأحداث التربوية تعكس معاناة المسؤول، وتصور طموح القائمين على شؤون التربية والتعليم في بلادنا الغالية.
هذا وقد ربط المؤلف مواقف الكتاب، وأحداث هذه الأجزاء المتتالية، بمافي تراثنا من أمثال سائرة وأبيات مناسبة وحكم بالغة، وهذه الطريقة التمثيلية التي لجأ إليها المؤلف هي من أفضل وأقوم طرق التربية والتعليم، لأن ضرب المثل أثناء الحديث عن شيء ما، والاستشهاد بالحكمة في أمر معين، يثبتان المعلومة، ويقويان الفكرة، بحيث يتقبلها العقل البشري بمستوى راق، ويسهل عليه استحضارها، وبما أن زكاة المال الصدقة، وزكاة الشرف التواضع فإن زكاة العلم نشره بين الناس.
وحينما سهل الله تعالى تصفح الكتاب وجدت أن المؤلف الفاضل قد ذكر فيه عشرين موقفاً تربوياً، وعشرين حدثاً تعليمياً، كان المؤلف من خلال هذه المواقف العشرين يعمد إلى أسلوب السجع، الجميل الرفيع غير المتكلف وغير الممجوج، وهذا الأسلوب استقاه المؤلف من خلال كثرة قراءته في كنوز الأدب القديمة، كالعقد الفريد لابن عبد ربِّه، وكعيون الأخبار لابن قتيبة، وكرسائل الجاحظ، ومجمع الأمثال للميداني، وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، كما أن المؤلف كان حافظاً لغرر الأبيات الشعرية، حين كان يستشهد بها، ويطرز حواشي كتابه بنسبة البيت الشعري لقائله، ثم تحديد مرجع المادة الشعرية ومصدرها، ويظهر من هذه المواقف أريحية المؤلف العالية في إشاراته المتعددة إلى كل من تعلم منهم واستفاد منهم، كالدكتور الفاضل، والمربي العظيم، عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، حيث يوجه له وسام شكر وتقدير وعرفان حين يقول: (لقد كان معاليه مدرسة تعلمت منها أشياء كثيرة) وفي موضع آخر: (لقد كان أستاذاً تعلمت منه أشياء كثيرة)، والمؤلف يضع عناوين تشد انتباه القارىء مثل الموضوع الثالث (الشريفة) ويستهل الحديث عنها بقوله: (أهي فتاة أم هي غزال؟) فإذا بالقارىء يمعن فكره في هذه الشريفة، ويتابع قراءة الموضوع بشغف، فإذا بالشريفة لا فتاة ولاغزال، بل عصا يهزها أحد المعلمين قليلي الخبرة في وجه طلاب المراحل الأولية ويسميها الشريفة، ومن عناوين المؤلف العجيبة الغريبة: حسناء في الإدارة، ودمعت عيني، وجار المدرسة، وهي تدفع القارىء إلى مواصلة القراءة ليحل طلسم حسناء في الإدارة، ولغز ودمعت عيني، وقصة جار المدرسة ومؤلف الكتاب تظهر شخصيته العلمية بسياسة حكيمة، ودفء عاطفي لاسيّما في معاملة التلاميذ الحانية والرقيقة، والتي ما برحت في ازدياد وارتفاع، بعد سنين طويلة، وبعد التجربة الحكيمة العميقة، ومن ذلك قوله: (إن التلميذ إنسان له مشاعر وعواطف، ولديه وجدان وأحاسيس، الكلمة النابية تؤذيه، والعبارة الخشنة تزعجه، والتصرف الأرعن قد يتسبب في ضياعه وفشله، ويخطىء بعض المعلمين حين يعتقدون أن السيطرة على الفصل تكون بالخشونة والغلظة وتتم بالقسوة والفظاظة)، وسبب إيراد الصور الغريبة على حد قول المؤلف: (وإيرادي بعض الصور الغريبة التي علقت بالذهن، وحوتها الذاكرة، لكي يعلم القارىء إن كان معلماً خطأ ذلك التصرف، وخطل ذلك الإجراء، فيبتعد عنه، وينبه زملاءه إليه)، ويتميز مؤلف الكتاب بروحانية عالية، وعاطفة جياشة رقيقة، فيقول تحت الصورة الرابعة العدل والقسطاس: (وصورة أخرى لمعلم أرسل برقية ابكتني ورسالة أرقتني).
ويقول أيضاً: (فالقائمون على التعليم لهم مشاعر وعواطف، ولديهم إحساس ووجدان، وينظرون للأمور من جميع الجوانب، وإذا لزم الاستثناء ثم، فلايجوز أن يكون المسؤول آلة صماء تطبق الأنظمة فقط، بل هو إنسان يستقبل المراجعين، ويقرأ المعاملات ويعرف النظام، ويوازن بين الأمور، ويجتهد ثم يتخذ القرار، وفق قناعته، وحسب المصلحة العامة)، وقصة هذا المعلم الآنف الذكر أنه عُين في نجران وأثناء رجوعه إلى أهله في الباحة انحرفت السيارة، وجرى حادث مروع، توفيت فيه زوجته، فكتب إلى معالي الدكتور الفاضل عبدالعزيز الثنان، فتأكد من جلية الأمر، وتم استثناؤه من جميع الضوابط، ولكن هل بكاء مؤلف الكتاب من هذه القصة ضعف وخور، لا وألف لا كما قال الشاعر الأول:
هيهات ماكل البكا خور
إني وبي عزم الرجال أبُ
وأما رأيه حول النظام: (إنهم يقولون لنا شفاعة، ونقول لهم: لدينا أمانة، ولكن الفهم الخاطىء، والظن القاصر، والرأي الخاطل مشكلة المشاكل، وبلية البلايا), (النظام جميل والعدل أجمل، وإذا احترمت الآخرين احترموك، وإذا صدقت معهم قدروك، وصاحب الحاجة ملحاح وينسى جمهرة من المراجعين المثل والقيم، وينشدون استثناءهم من هذا النظام,,,, ويصبح رضاهم عنك مرهوناً بقضاء حاجاتهم).
وفي الكتاب كثرة الجمل الدُّعائية: (اللهم كن في عون القائمين على التعليم، اللهم وارزقهم الصبر، اللهم وامنحهم الحلم).
وحول نصاب المعلمين تطرق المؤلف إلى هذا الموضوع في دول الخليج العربي، وفي بعض الدول العربية ثم نصابه في الولايات المتحدة الأمريكية, واليابان وألمانيا وفرنسا، وكان النصاب في ألمانيا واليابان وغيرهما من الدول الأخرى يقارب نظام المملكة في توزيع النصاب بين المعلمين، ثم أورد المؤلف الفاضل جدولاً وضح فيه المعلومات التالية: اسم الدولة، النصاب الأسبوعي لمعلم المرحلة الابتدائية، النصاب الأسبوعي لمعلم المرحلة المتوسطة والثانوية، طول الحصةالدراسية، طول اليوم الدراسي، طول العام الدراسي، وفي الكتاب قصيدة شعرية حول نصاب المعلمين يقول الشاعر في مطلعها:


دعيني وقول الشعر إن نابني ضُرُّ
أُسلِّ به همي فقد ينفع الشعر
تهون رزايا الدهر لولا شماتة
تراها من الرازين إن عضك الدهر

***


وأحملُ ياسلمى نصاباً مروعاً
تخور القوى منه وينقطع الظهر
نصاباً له عُمر مديد كأنما
هو الدهر لايبلى ولاينقص العمر
أأحمله بضعاً وعشرين حصة
على كاهلي حتى يغيبني القبرُ

***


يؤرقه الإعداد إن جنَّ ليلُه
وتنهكه الأعمال إن بزغ الفجر
تراه وقد هدّت قواه دفاتر
وأوشك بالحوباء ينفجر النحرُ
يفيق من التصحيح بعد فراغه
إفاقة مصروع تملكه ذعُرُ

***


يلومك في التدريس من لم يُعانه
ويغبط من لم يدر ما طعمه المرُّ

ومؤلف الكتاب بحكم عمله الصعب ومركزه الحساس كان ترد إليه الرسائل الكثيرة فكان يتصفحها ويرد عليها كلها، وإذا لم يجد متسعاً من الوقت أكمل قراءة الرسائل في بيته وفي وقته الخاص، وهذا من أمانته كمسؤول كبير، ومن أريحيته الدينية، فيقول معلقاً على رسالة معلم جاءته يبغي فيها العدالة والإنصاف والقسطاس: (وقد اهتزت مشاعري، وفاضت دموعي ورأيته متألماً، وتصورته باكياً، ونظرت إليه من بعد ونحن عنه غافلون، وبألمه جاهلون، وكيف سأقابل هذا غداً على الصراط، وكيف سأحاججه يوم الحساب؟ فأنا من المسؤولين عن إنصافه، وأنا من المحاسبين عن إهماله).
والمتأمل في الكتاب يرى جمال الانتقاء للموضوعات، والحكم السائرة، والأبيات الشعرية الذائعة، ومن جميل الكتاب ذلك الموضوع الذي أطلق عليه المؤلف (يكتب عن المدرس) وقد استشهد فيه المؤلف بما روي عن عبدالملك بن مروان قال: ماجلّلني الشيب وغيّر سواد شعري إلا عرض عقلي على الناس كل أسبوع، وهو يقصد بقوله هذا الخطبة التي يلقيها كل جمعة على المصلين، ويعلق المؤلف على هذا الأثر بقوله: (وذلكم المعلم فهو يتأمل عقله وعلمه الذي يعرضه على طلابه باستمرار,, أولئك الطلاب الذين يقومونه ويزنونه ويعرفون غزارة علمه وتمكنه وقدرته) وتقويم المعلم يشمل كل شيء من المادة العلمية وكيفية توصيلها للطلبة، وحسن الصوت، وجودة الخط، وضبط التلاميذ، والحوار والنقاش، كل هذه الجوانب يحكم فيه الطالب على معلمه، فكما يقول المؤلف: (إن الطلاب مهما اختلفت قدراتهم يقوّمون أساتذتهم، ويجلون المتمكن من مادته، الحريص على العلم والمعرفة، الراعي للتربية والسلوك) وتشبيهات المؤلف وعباراته جزلة جداً، بل كأني بنفسي تقرأ لكاتب كبير من كتاب الأدب العباسي، ويبدو أن فكرة الكتاب كانت متبلورة في ذهن المؤلف من قديم إلى أعوام سلفت، فقد كان يجمع ذكرياته وغرائبه وماحدث له ثم يسجلها بتاريخ اليوم والشهر والسنة، كذلك حرص المؤلف على شكل الكتاب كاملاً مما يساعد على القراءة، ويعين على الفهم، ومما نتمناه ونسمو إليه متابعة أجزاء الكتاب الآتية ليستفيد منها كل متعلم وكل معلم وكل رئيس وكل مرؤوس، وعنوان الكتاب مناسب جداً لموضوعاته فقد باحت له الذاكرة بعشرين صورة تربوية، وبعشرين حدثاً تعليمياً، كما أن صفحات الكتاب وصلت إلى مائتين وستين صفحة من القطع المتوسط، جمّل غلافه صورة المؤلف المباركة، وفي نهاية الكتاب فهرس بسيط يشير إلى موضوعاته المتعددة.

أعلـىالصفحةرجوع
























[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved