أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 22nd December,2000العدد:10312الطبعةالاولـيالجمعة 26 ,رمضان 1421

مقـالات

جربت لك,, فكرت لك
كيف بدأت أغير نظرتي للأحداث والأمور
محمد عبدالله الوابل
في السنوات الأخيرة ظهرت نظرية تقول ان الشخصيات الانسانية تنقسم الى نوعين, النوع الأول هو الشخصية أ , وهذا هو الانسان ذو الجهاز العصبي الحساس الحار الذي ينشد الكمال في كل شيء ويريد أن يتم كل شيء في وقته ويسوق نفسه بغير هوادة أو رحمة ويثور ويغضب سريعاً اذا أهمل الآخرون مواعيدهم أو واجباتهم أو اساؤوا في سلوكهم, والنوع الثاني من الشخصيات هو ب , وهو الذي يأخذ الأمور ببساطة ويتغاضى عن أخطاء الآخرين والذي لا يتمكن من اتمامه اليوم يتمه غداً أو بعد أسبوع, والهدف من وراء هذا التقسيم هو معالجة الحدة في الشخصية الأولى أ , وتستند نظرية العلاج الى انه بما أن الانسان لا يستطيع تغيير جهازه العصبي فانه يستطيع أن يغير نظرته للأمور.
وتذهب هذه النظرية الى القول بأن رد فعل الانسان للمؤثرات من حوله تعتمد على تفسيره لها, فالانسان يثور ويغضب لا للحادثة التي وقعت أمامه بعينها ولكن لتفسيره لها, والدليل على ذلك ان حادثة مماثلة تقع لعدة أشخاص فمنهم من يثور منها ومنهم من يراها طريفة ومنهم من يكون محايداً حيالها, وشخصية أ نظراً لحساسيتها وسرعة انفعالها قد تكون أخذت موقفاً سلبياً من أحداث سابقة مماثلة للحادثة الحالية في بعض الأوجه رغم أنها تختلف عنها في وقتها ومضمونها، ولكن ادراكها لها يعمم ولا يفرق, وهذا التفسير يتم بصورة سريعة وآلية دون أن يشعر به الانسان على مستوى الوعي.
وقد تابعت تطور هذه النظرية وتاثرت بها ودهشت من النتائج الايجابية التي وصلت اليها عند تحليل الأحداث التي تمر بي وفقاً لها, وخطوات التحليل بسيطة وتتكون مما يلي:
الخطوة الأولى: التأثر بالحدث.
الخطوة الثانية: البحث في اللاوعي لمعرفة تفسيرك للحدث.
الخطوة الثالثة: محاولة تفسير الحدث تفسيراً موضوعياً على ضوء الواقع الحالي دون تلوينه بأحداث سابقة أو بعواطف ميالة.
وكمثال على ذلك اليك هذه الواقعة البسيطة, كنت أقود سيارتي في المسار الأيسر بطريق الخليج السريع بمدينة الرياض في أحد الأيام عندما لاحظت في المرآة ان السائق الذي خلفي يؤشر لي لأفسح له الطريق للمرور, وبما أن أمامي عددا من السيارات في نفس المسار وسيري مضطرد مع سيرها، أي أن الاعاقة ليست مني فقد ترددت في الخروج عن المسار له مما جعله ينفعل ويخرج يده من قمرة السيارة ملوحاً وطالباً مني الخروج, وتفادياً لما قد يحصل خرجت رغم أن الحق كان معي ولكني بقيت غاضباً ومجروحاً, وقد استغربت لطول مدة تاثري بالحدث رغم تفاهته مما حدا بي الى متابعة البحث للتخلص من هذه المشاعر في وقتها وعندما يواجهني موقف مماثل في المستقبل.
لذلك انتقلت الى الخطوة الثانية في محاولة لمعرفة تفسيري اللاواعي للحدث الذي أثار حفيظتي, وبعد البحث في مشاعري الظاهرة والباطنة توصلت الى ما يلي:
لقد كنت بأحسن هندام وأرتدي بشتاً من أرقى البشوت وسيارتي راقية وهو بهندام رث وسيارة مهلهلة, فمثله لا يتجرأ على مثلي الا اذا كانت شخصيتي توحي بأني من النوع الذي لا يكترث به أي جدار قصير وهذا ما أثارني, فلو كان الذي انفعل عليّ يساويني أو يتفوق عليّ بالمستوى والمظهر لتأثرت ولكن بدرجة أقل ولفترة أقصر ولأسباب مختلفة, وبمعنى آخر فاني فسرت الحدث على انه يمثل نقصا في شخصيتي يقصر بها عن مراتب الاحترام, أي أنني جعلت العيب في نفسي.
وفي الخطوة الثالثة بدأت أستعرض الأحداث المماثلة في ذاكرتي التي أخطأ فيها صغير على كبير, وقد وجدت أمثلة كثيرة من هذا القبيل بدأ الواحد منها يجر الآخر، بعضها سمعت به والبعض الآخر شاهدته, ومن ذلك مثلاً ان مسؤولين صغاراً تصرفوا برعونة وجهل نحو أناس محترمين ومسؤولين كبار رغم ان مظهرهم يكشف عن مستواهم, وذلك صادر لا عن تحد واحتقار وانما عن غباء وعمى بصيرة، وخلصت الى انه سيكون دائماً من بيننا أناس تنقصهم اللياقة والحصافة وان المشكلة تكمن فيهم وليس في الشخص الذي يغلطون بحقه, وهنا شعرت بالراحة لأني اكتشفت، وأغلب الظن أني محق، ان العيب في الطرف الآخر وليس في.
ثم هنالك الشخص الذي ينتقد منزلك الجديد أو حديقتك أو مكتبك عندما تأخذه في جولة عليها برفقة آخرين وينقب عن عيوبها, وكنت أتجرع غيظي لأني لا اريد تحسراً على ما فات بعد أن أقفل المشروع ولم يعد هناك مجال للتغيير وان كنت أبحث عن شخص يشاركني فرحتي ويبارك لي.
وبالبحث عن تفسيري لمثل هذه الوقائع وجدت اني أعتبر أن هذا نقداً لذوقي وكفاءتي وأنا بصفتي من هذا الجزء من العالم يضيق صدري بالنقد ولا أطيقه وانه دعوة صريحة للحط من قيمة هذا المشروع وتقليل فرص بيعه فيما لو أردت ذلك, واذا كنت أرى المنتقد أقل مني مستوى فاني أعتبر نقده جرأة عليّ غير مريحة.
وبالبحث وجدت أن مثل هؤلاء الأشخاص إما أن يكون الواحد منهم قد برمج نفسه لانتقاد أي مشروع يراه نظراً لقلة حصافته أو لأن مهنته في عمله تقتضي ذلك كان يكون مقيماً لمشاريع أو صاحب عقار من النوع الذي ينتقد وقت الشراء ويمدح وقت البيع ثم يختلط الأمر عليه في مثل هذه المواقف, وإما أن يكون مصاباً بالغيرة فينفس عن ذلك بانتقاداته واختلاق العيوب.
وهذا عيب في ذلك الشخص يجعله ثقيلاً على النفس ولا ذنب للمشروع أو صاحبه, وبعد هذا التبصر يشعر الانسان بالعطف على مثل هؤلاء الأشخاص الذين يتصرفون بدوافع دفينة لا يعونها وتفقدهم ود الآخرين وقربهم, ثم ان هذا التبصر قد ولد لدي الحساسية لأرى نفسي في تصرفات الآخرين فأتجنب السيء منها وأنمي الحسن, فكثيراً من التصرفات التي أشكو منها الآن كنت أمارس بعضها ببراءة دون وعي بأثرها, كما أن هذا التبصر قد ولد لدي التسامح تجاه بعض التصرفات حينما علمت أنها مسيرة باللاوعي دون دوافع مبيتة, كذلك وجدت أن كثرة تقبل النقد مرة اثر مرة دون غضب يولد المناعة ويساعد في نمو الشخصية.
والأمثلة كثيرة ولكن متى وضع الانسان نفسه على هذا الطريق فلن يقف وقد يبلغ مراتب الحكمة في النهاية بتوفيق من الله.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved