أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 3rd January,2001 العدد:10324الطبعةالاولـي الاربعاء 8 ,شوال 1421

الثقافية

التقاعد المثمر
عبدالرحمن بن زيد السويداء
يتخوف البعض من التقاعد من العمل الحكومي أو القطاع الخاص ويرونه شبحاً مخيفاً يقضُّ مضاجعهم مع ما فيه من ميزات واضحة ومزايا ايجابية أقلها الراحة النفسية والبدنية التي يشعر بها الفرد اذا استراح من الالتزامات المترتبة على أداء العمل، وان كان هذا العمل واجباً وطنياً ينبغي على كل فرد أن يؤديه كل في المجال الذي هيأه الله له، ولكن بعد أن يؤدي هذا الواجب الوطني والمعاشي الفترة المقررة من الزمن أو ما دونها حسبما تحدده الأنظمة والتعليمات ينبغي عليه أن يترك الفرصة لغيره ويرتاح، هذه الراحة التي يعتبرها البعض بمثابة الكابوس الخانق مع انها أمر حتمي لابد منه، ولهذا فان هذا البعض وهم المتشائمون من التقاعد ينعتونه بالكلمات اليائسة التي تدل على السلبية المتشائمة بقولهم مُت قَاعِد أي مت وأنت قاعد، هذه الشريحة من المتقاعدين الذين قد تنقصهم الثقة بالنفس، وقد يكونون ممن يشعرون بنقص في نفوسهم لا يكمله سوى وجودهم على رأس العمل بهذه الوظيفة وقد يكون لهم مصالح مادية ومعنوية خاصة ويشعر الواحد منهم انه وعندما يتقاعد من هذه الوظيفة فانه قد يفقد هذه المصالح، ولذلك فهو يشعر بالاحباط ويدب اليأس في نفسه فيلجأ الى الانطوائية والانعزال وينصرف عن الناس فلا يلبث أن يصاب بأحد الأمراض النفسية أو الجسمية من أمراض هذا العصر كالسكري أو ارتفاع ضغط الدم أو القرحة المعدية وغير ذلك من الأمراض التي تصيب هذه الشريحة من الأفراد في المجتمع من فئة المتقاعدين الذين يركنون الى الخمول والانزواء.
أما الشريحة الثانية التي يتمتع أصحابها في الثقة بالنفس أولاً وبالنشاط والحيوية ثانياً، وحب العمل بجد وتوثب.
ثالثاً، فانهم على عكس ذلك يعتبرون التقاعد انطلاقة لهم من الرباط والقيود التي كانت تربطهم وتقيد تحركاتهم ويلهمهم الأمل والحيوية بعد النضح في كافة جوانب الحياة فيدخلونها من أوسع أبوابها كل بقدر امكاناته وعلى مقدار طموحاته ومن أفراد هذه الشريحة الأستاذ ابراهيم بن عبدالله الرعوجي من أهل عنيزة الفيحاء هذا الانسان عندما تقاعد تجددت فيه روح الحياة وتوثبت دفقات النشاط في دمه وكأنه قد سمع المقطع الأخير من قصيدتي ذكريات متقاعد الذي يقول:


واذا بصوت هاتف بمشاعري
لا تجزعنَّ اذا أتاك تقاعد
تلك السوانح فتقت أزهارها
وتألقت فوق الأديم خرائد
لما طووا قيد السجل تحركت
منك الجوارح والخطى تتباعد
ترتاد أرجاء البلاد وتجتني
من خيرما يجني الحكيم الرائد
قم فانطلق ان الحياة عزيمة
وتقدم وتكاتف وتساند
هذي رحاب العلم في أرجائها
هذي الصناعة يبتغيها العائد
هذي الزراعة أينعت أثمارها
لتجود بالخير الجزيل حصائد
ان الحياة فسيحة أرجاؤها
فيها السنابل والمنى تتصاعد
ولربما وفقت في ميدانها
وأسفت عن عمر مضى يتقاود
قم فانطلق ان الحياة يلذها
طعم الكفاح ويبتنيها الساعد

ولعل الأستاذ ابراهيم الرعوجي قد لبى صدى هذا البيت الأخير حسب امكاناته المادية، وربما كانت له طموحات أكبر، لكن امكاناته المادية لا تساعده على تحقيقها، لكنه انطلق بما يستطيع ولا لوم على من قدم استطاعته يقول الشاعر:


يسد باب اللوم من جا بالاجهاد
والعيد ما يأتي بليا تصاييد

ويقول آخر:


الاجهاد يجلي اللايمات عن الفتى
والأرزاق ما تأتي الفتى بالغصايب

أنشأ الأستاذ ابراهيم منتزهاً بمدينة عنيزة الفيحاء، هذا المنتزه الجميل متعدد الأقسام والأنشطة الذي يجدر بكل زائر لمدينة عنيزة أن يزوره، ففيه قسم للرجال وقسم للنساء منفصل أحدهما عن الآخر تماماً وفي كل قسم العديد من التخصصات، فهناك قسم الألعاب المتنوعة للأطفال والكبار من صبيان وصبايا وهناك قسم المتحف للمقتنيات والأدوات التي كانت مستعملة قبل خمسين سنة فيه كل شيء من كل ما كان يستعمل بحالة جيدة من مقتنيات المنازل وأثاثها وفرشها والعملات المعدنية من ذهبية وفضية ونيكل ثم العملات الورقية من أول ما ظهرت والملابس الرجالية والنسائية والحلي النسائية بأشكالها وأصنافها من ذهبية وفضية وملابس العروس ليلة الزفاف وغرفة الزفاف أو الحجرة كما نسميها في منطقة حائل بالاضافة الى الأسلحة الحربية القديمة من سيوف ورماح وسهام ودرق ودروع والبنادق الحديثة من أول ما ظهرت وتدرج تطورها والأواني المنزلية بأشكالها وأحجامها والأدوات المستعملة للفلاحة والنجارة والحدادة ونقل البضائع وكل ما يتعلق بشؤون الحياة ما قبل فترة النفط التي بدأت في العقد الثامن من القرن الهجري المنصرم فهذا المتحف الذي قام به فرد يكاد أن يفوق ما تقوم به الهيئات المتخصصة ويمثل ثروة تراثية جيدة من المقتنيات، ثم قسم الحيوانات والطيور بأشكالها وألوانها وقسم الجلسات العائلية الخاصة وحوانيت الباعة في قسم الرجال والبائعات في القسم النسائي والمساحة الخضراء فوق بساط سندسي من الثيل تحت وارف الظلال المخصصة للجلسات الشاعرية والاستمتاع بالنزهة فعلاً.
فليت من تقاعد فعل مثل فعل الأستاذ الرعوجي هذا الانسان الذي برز بعمله هذا، وقد أفاد أولاً مواطني مدينة عنيزة ومن يفد اليها من السياح والزوار والمتنزهين من المناطق والمدن البعيدة والمجاورة والأقطارالخليجية الأخرى، وفي نفس الوقت شغل فراغه في شيء مهم لوطنه ومواطنيه فلو ان 10% من المتقاعدين عملوا في مدنهم ومناطقهم أعمالاً مفيدة كل في مجال اختصاصه لعمت الخدمات والمتنزهات الترفيهية ولقام الأفراد النشطاء بما لم تقم به المؤسسات والشركات التي تجعل نصب أعينها استغلال المواطن الذي يريد أن يقضي يوماً واحداً على الأقل في الأسبوع مع عائلته وأولاده في مثل هذه المتنزهات.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved