أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 8th January,2001 العدد:10329الطبعةالاولـي الأثنين 13 ,شوال 1421

الثقافية

ذاكرة
غداً يومٌ أجمل
أمل القاران
أحاول غوصاً في الاعماق صوب الكلمة الاولى، المرة الاولى التي أحسست فيها وجعا كالاغتراب ينزعني من الدائرة الأليفة عرفاً، أتلفت فيها فلا أجدني, قلت: من ذا الوجع؛ أكتب.
هل أحكي عن كم الثمار الفجة التي عرضتها في محيطي ثم بلعتها وحدي؟! هذا لا طائل وراءه.
هل يجب أن أسرد لكم ما ظهر في طفولتي ملامح تومئ لمستقبلي الباهر!! ذاك كذب لا أستطيعه,.
يقول أجدادي البدو ما معناه ما تستحي منه أبدأ به، مرة كنت أتحدث مع أستاذة عزيزة عليَّ فمر لسانانا عرضا بجوار سيرتي (ما مضى منها) قالت: يبدو يا أمل أن ثمة أدواراً كان عليك أن تلعبيها بسرعة لتنتهي منها وتتفرغي للكتابة: معلمة في الثامنة عشرة، زوجة في التاسعة عشرة، أم في مطلع العشرين، ومطلقة قبل الحادية والعشرين, ثم ,, أنت لك,.
لم أوافقها ولم أخالفها، وما أذكر ذلك الآن إلا توطئة لتحسس آثار الخطوة الأولى مذ فرغت لنفسي واتبعت هواها الكتابي.
ودعت عامي الحادي والعشرين أنبش أوراقي القديمةبحثا عما يصلح للنشر, قلت مبررة: أرفع صوتي, أسمع غير سامعيَّ الأوائل.
أول رسالة مع أوسط الأشقاء وأجدرهم بأن يحملها لصندوق البريد ولا يخبر أحداً, كانت الوجهة جريدة الجزيرة، وكان عليَّ أن أعاني أسبوعين متطاولين قبل أن أرى كلماتي في صدر صفحة استراحة الأسبوع, وكانت فرحة لأ أذيع سراً إن قلت إن كل ما نشر بعدها لم يمنحني بهاءها.
ذاك الصباح كان سري الصغير أثقل من أن أحتمله وحدي، صببته في أذن صديقة فرحت قدر ما تستطيع ثم مضت,, المرة الثانية ذيلتها باسم أم مبارك وألصقت به اسم الديرة (السليل).
لماذا هذا الاسم؟ ربما كنت أحتاج رجلاً أتكئ عليه وإن يكن طفلاً.
لماذا اسم الديرة؟ تلك كانت غلطة دفعت ثمنها، من هذه المسافة الزمنية والنفسية بيني وما أروي أستطيع أن أقول أنه ما كان يجب أن أضع نفسي في مواجهة الأعراف باكراً.
ماذا حصل بعدها؟ الديرة عركت عينيها ذات صباح وهي تقرأ اسمها في الجريدة على غير العادة وفي الإطار غير المقبول ربما، قالت: ها هنا بليتان: ثقافة وامرأة تدَّعيها!! أما أهل الديرة فقد أرجعوا البصر كرَّتين وظنوا أن لم ينجبوا أخويَّ معي، وأن ليس سواي الفاعلة.
بدأت همهمات صغيرة خلطت استنكاراً باستهجان ترافق اسمي الذي كان قبلها خارج دوائر اهتمامات المثرثرين.
في المرة الثالثة أطلعت أبي على المنشور، قرأ ولم يعلق, وارتحت أن عرف، وما ارتاح من حولي, راج سوق الصفحات الثقافية الكاسد في البلدة وصار عليَّ ألف رقيب ورقيب, كنت أول الرقباء وآخرهم؛ أقرأ ما كتبت بأعينهم فأُعمل قلمي الأحمر: هذه الكلمة قد يفسرونها على غير وجهها، وهذه قد يفهمونها.
ظللنا هكذا مدة أراعيهم ويرصدونني حتى فصح لسان التعليقات الأعجمي، وصار يصلني طازجا كما يخرج: قيل إني ما كتبت إلا لأستلفت نظر الذاهب، وقيل أكتب لأبحث عن بديل,, وقيل الأسوأ,.
إحداهن قرأت في قصة لي إشارة للشعر الطويل فاتني أن أحذفها في المراجعة الأخيرة حتى لا تتسبب بمشاكل لي فقالت لصويحباتها: تريد أن تخبر الرجال عن صفاتها فانتظرن القصص القادمة وسترين, وقد رأين.
ثانية استعارت لسانا ليس لها لتستتيبني من الكتابة، وثالثة اتصلت يوما لتحكي عن شقيقها الذي سأله أصحابه في الجامعة عن هذه البنت التي تكتب من السليل إن كان يعرفها فأجاب بأن لا, حكت محدثتي ذاك وغادرت وتمتمت أنا: معه حق إنه لا يعرفني، هو فقط ابن عمي!!
يومها حلفت أن أحاول شجاعة تمكنني من كتابة اسم العائلة، كل ما استطعته وقتها أن أضيف الدوسري لاسمي الأول, وكان اللقب يشمل فيمن يشمل بنات كثيرات في هذا الوادي المنسوب للدواسر ومع ذا كان المعلوم أني صاحبته.
قبل أعوام أربعة كتبت اسمي كما أردت فقال متفلسف إن المكان صار أضيق مني, معه بعض من حق، المكان أضيق مني.
في البيت حكايات أخرى تتراوح مدّاً وجزراً مع كلام الشارع عني, كان أبي استثناءً بين الرجال (على الأخص في ديرتنا) بنفسه كان يحمل رسائلي للصحف، وهو من حمل النسخ الأولى من مجموعتي القصصية من المطبعة, كان الوضع يتأزم مرات فتصدر الأوامر بأن أتوقف عن الكتابة، وكنت ألتزم ثم أعاود ارتكاب هذه الخطيئة بعد مدة تطول أو تقصر, وأتداوى من كل سبات إجباري بالكتابة.
أوردت بعضا من أسوأ ما سمعت لأهديه لمن لا يذكر من إشكالية وضع المرأة الكاتبة عندنا إلا تدليل الصحف لها, حسنا للتدليل حديثه, لقد دللتني الجزيرة (الثقافية خاصة) أتيتها بلا اسم فلم تنتظرني لأصنع واحدا, أشرعت صدرها كما لا يمكن أن تفعل أخرى, كنت قادمة من صفحة بدايات في مجلة الشرق الأوسط بكلمات مشجعة من المشرف عليها في ذاك الوقت أحمد عباس صالح جعلتني أضع بين يدي الرائع إبراهيم التركي مشروع كتابة لم تتشكل بعد حتى أني احترت في تجنيسها, كانت عملا أقرب لرواية السيرة الذاتية يرصد تجربة الطلاق, قرأ التركي ثلاث حلقات منها وبدأ النشر وهو يعرف أني لم أكمل الكتابة, كانت مغامرة وكان هو بطلها, وكنت أجبن من أن أنسب المنشور لي فاخترت اسما قريبا إلى نفسي؛ سمّيتني فيها رجاء الخالد وتنبأت أن غدا يوم آخر وقد كان,.
استمرت الجزيرة الثقافية ترعاني، وظللت إلى اللحظة مهمومة بفكرة أن لا أخيِّب ظنها.
هل يمكنني الآن أن أقول إن سفينتي استوت على الجودي؟ حتى لو صدّقت ذلك فإنه ويا للتعب يعني أن الجانب الأشق هو ما لم أفعله بعد, ألا يكفي من صعوبة القادم أن عليَّ أن أرعى أرضاً بكراً زلقة؟!!

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved