أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 12th January,2001 العدد:10333الطبعةالاولـي الجمعة 17 ,شوال 1421

عزيزتـي الجزيرة

البوح والهمس مع قراءة بريد الشمس
عزيزتي الجزيرة,.
المطبوعة الناجحة هي التي تحترم قارئها بان تقدم له كل او أغلب ما يحتاجه من معلومات وأخبار وان تكون متجددة دائما متواصلة مع الأساسيات العلمية والفكرية بجميع فنونها من طبية ورياضية ودينية وثقافية وفنية وغير تلك المسارات من تاريخ وفلسفة وأدب وكل ما له علاقة بالعقل المستنير.
لأن الانسان السوي هو الانسان المتوازن أو المتزن,, بين ضروب شتى من الاهتمامات الفكرية,, فلا يستغنى عن أي معلومة في هذا العلم او الفن أو ذاك ,, مهما كانت صغيرة فإنه يربطها بغيرها مما يوافقها أو يناقضها ويكوّن بعد ذلك رأيا ما,, يستنتجه لنفسه ولا مانع ان يقدمه للغير اذا طلب منه أو رأي الحاجة اليه ملزمة.
هذا وجريدتنا الجزيرة الغراء تعودت ان تظهر علينا بكل ماهو مفيد وجميل وضمت بين صفحاتها كثيرا من التنوع المطلوب,, حتى وجد كل أناس مشربهم مبذولا لهم بكل حرص وعناية يتولاه رجال ونساء بذلوا الجهد والوقت من اجل رضى القارىء الذي يمثل لهم الهدف الاول والأخير ورضى القارىء عنهم يعتبر لديهم قمة النجاح بارك الله فيهم وأمدهم بالصحة والعافية وأسأله سبحانه ان يسدد أقلامهم ويصح أفكارهم ويلهمهم الحق والرشاد.
كان هذا مقدمة لابد منها حتى أبدي اعجابي بجريدة الجزيرة واشكر القائمين عليها حيث اني واحد من الآلاف من قرائها.
ولأن موضوعي في هذا العدد سيكون تعليقا وشرحا لبريد الشمس المنشور ضمن صفحة شرفات الجمعة 10/10/1421ه,, الذي طالما أعجبني هذا الطرح ورغبت الكتابة عنه وكنت أؤجل وأسوف,, حتى كان هذا العدد من الجزيرة رقم 10326 قلت لابد من مباشرته رغم وعورته على قلة العدة وضعف الاستعداد لهذا الموضوع ولكن بعد اذنكم سوف أباشره مبتدئا بالفقرة الاولى.
التي تقول: كن مهملا في لباسك اذا اضطررت ولكن احتفظ بنفس نظيفة وقائل هذه العبارة (مارك توين) هذا الكلام يذكرني ببعض الكادحين في طلب ارزاقهم ويزاولون اعمالا يدوية بدائية مثل عمال المزارع وبعض أصحاب الحرف اليدوية كصناعي الفخار وحفار القبور وغيرهم قد تضطرهم ظروف عملهم الى الاهمال في لباسهم لكنهم دائما محتفظون بأنفس نظيفة هذا رغم قلة حصيلتهم المادية بالمقارنة مع التجار الكبار والموظفين المهمين,, الذين تكون دخولاتهم اضعاف اضعاف ما يحصله هؤلاء البسطاء,, رغم هذا الفارق الكبير بالتحصيل والكسب المادي والمكانة المرموقة بين الناس الا انك تجد غالبية هؤلاء المثرين والمهمين لا يتمتعون بأنفس نظيفة فتجد الحسد والحقد بينهم والعقد النفسية مثل القلق والتوتر والحساسية في كل شيء تقريبا لم تغنهم دخولاتهم العالية ولا ملابسهم الزاهية ولا مراكبهم الفاخرة قارن هؤلاء بأولئك يتضح لك ان السعادة والطمأنينة غالبا ما تكون مع البساطة والزهد والقناعة وليست بكثرة الاموال ولا بعلو المناصب ولكنها هبة من المولى الكريم يمنحها من يشاء من خلقه خصوصا اصحاب الايدي النظيفة والصدور النظيفة ولو كانت الملابس في بعض الاحيان متسخة ولكن هذا لا يعني انها نجسة كيف تنجس وقد طهرها ونظفها عرق الصبر والجلد وسلامة الصدر والقصد.
والفقرة الثانية من بريد الشمس تقول:
قد يؤدي السوط بالمرأة الى الرذيلة,, ولكنه لا يمكن ان يدفعها الى الفضيلة قائلها: (إميل زولا).
هذا القول فيه أو عليه تعليق طويل,, من غير المناسب طرحه هنا بطوله,, لكنه باختصار,, كالآتي:
قوله يعني معاملة المرأة بالسوط لا يؤدي الى خير,, وقد يكون تأثيره عكسيا أو الى الضد.
مما قد يولد العناد والشقاق وبالطبع هو يقصد بالسوط المعاملة الجافة والشرسة مع المرأة وهذا بكل تأكيد يتنافى مع الأخلاق الفاضلة والذوق الرفيع فليس من المروءة معاملة المرأة بهذا الاسلوب الخشن السيء واذا النقاش والحوار الهادئ لم يؤد الى تفاهم فلا يمكن للسوط ان يجبر أيا من كان للاقتناع بأي شيء طالما ان العقل لم يتفهم الهدف من الامر المطلوب تنفيذه أو المبدأ المراد اتباعه قد تؤدي العصا والسوط للخضوع في بعض الاحيان مع بعض الناس خضوعا يتحين الفرص للفكاك,, ويتربص بالمتسلط الظروف المناسبة التي طالما تغيرت,, الظروف التي تغير في مواقع الاشخاص من القوة الى الضعف ومن الوجود الى العدم عندها يكون الضعيف قويا والمأسور طليقا حرا,, عندها لا يأمن المعتدي الانتقام.
هذا وللضرب أحكامه وشروطه,, ومعرفة أصوله ودوافعه وقد قام علماؤنا بايضاحه بشكل تام: دواعيه وحدوده وشكله وشروطه وكل ما يتعلق بهذا الموضوع لان شريعتنا الاسلامية تدعو الى معاملة النساء المعاملة الحسنة الخيرة.
وقد قال عليه الصلاة والسلام (اوصيكم بالنساء خيرا) وفي مكان آخر قال صلى الله عليه وسلم: (الله الله في النساء وما ملكت ايمانكم), وقال: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
وقد أرشدنا الى استعمال الرفق في معاملتهن واللين في تقويمهن ما امكن وكل راع مسؤول عن رعيته والرجل راع في بيته ,, لا يعني استعمال العنف والشراسة مع أهله كما انه لا ينبغي الاهمال وترك الحبل على الغارب طول الوقت فهذا لا يعني الرفق ولا يدل على الحب,, لكن المطلوب الحكمة وتحري الاسلوب الاجمل والأمثل ,, ولكل ظرف ما يناسبه,, انما المطلوب النصح والتوجيه والمشاورة والتفاهم والنقاش المبني على الاحترام وعلى التقدير التام من جانب الطرفين,, لشخصية كل منهما,, ولكل مشكلة حل حتى ولو كان هذا الحل في بعض الاحيان قاسيا او غير محبوب من بعض الأطراف,.
المهم ان كان ثمة خطأ ما ان لا يتمادى فيه من اقترفه,, وان يوضح له طريق النصح والاستقامة ويرشد اليه ويساعد على السير فيه ويشجع على الخير والهداية.
وأرجع الى موضوع الضرب وأقول ان علماء النفس ودارسي سيكولوجية الانسان,, قد اكتشفوا بعض الأمراض النفسية الكثيرة,, العجيبة والتي منها مرض التلذذ بما يقع على الذات من ألم,, والذي تصاب به بعض النسوة ونحمد الله ان نسبة النساء اللاتي يصبن به قليلة.
أسأل الله لنا ولكم العافية.
ويحضرني في هذا المقام وهو تربية البنات قول الشاعر حافظ ابراهيم من قصيدة طويلة يقول فيها:


من لي بتربية النساء فانها
في الشرق علة ذلك الاخفاق
الأم مدرسة اذا اعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق

الى ان يقول:


أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا
بين الرجال يجلن في الأسواق
يدرجن حيث أردن لا من وازع
يحذرن رقبته ولا من واقي
كلا ولا ادعوكم ان تسرفوا
في الحجب والتضييق والارهاق

حتى قال:


فتوسطوا في الحالتين وأنصفوا
فالشر في التقييد والاطلاق
ربوا البنات على الفضيلة انها
في الموقفين لهن خير وثاق
وعليكم ان تستبين بناتكم
نور الهدى وعلى الحياء الباقي

هذا والفقرة الثالثة من بريد الشمس تقول:
القلق شعاع دقيق من الخوف يتسلل الى داخل العقل فاذا وجد ما يحفزه شق مجرى تصب فيه كل الأفكار.
قائل هذه العبارة هو (آرثر روشل).
لاشك انها لمحة صادقة من مفكر عميق التفكير على دراية ومعرفة في تحليل الهواجس وتتبعها,, وما يعنينا هنا هو الاستفادة من هذه العبارة وهي الاشارة الى أساس الخوف,, انه الاسترسال في القلق حتى يتولد الخوف,, وتكون النتيجة الانغماس في الوساوس والاحجام عن التحرك حتى الشلل والرهبة غير المبررة المصحوبة بالتشاؤم وتقدير الأسوأ والنظر الى الوضع القائم بعين مظلمة تسود امامها الآفاق ,, مع ان المسألة مهما كانت لابد لها من فرج كما قال الشاعر محمد بن وهيب:


الا ربما ضاق الفضاء بأهله
وأمكن من بين الأسنة مخرج

وكما قال ابراهيم الصولي:


ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعا، وعند الله منها المخرج
ضاقت، فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظنها لا تفرج

وكون المرء يغفل عن حياته ومسؤولياته ويسترسل مع القلق حتى يهلكه وحتى يتملكه الخوف والوجل الذي لابد ان يصده عن الاستمتاع بحياته والقيام بواجباته التي أمره الله بها من عبادة وطلب الرزق والعناية بنفسه ورعاية اهله واولاده,, مع ان بداية هذا القلق بسيط يسير,, كان بالامكان القضاء عليه في وقته بذكر الله,, (ألا بذكر الله تطمئن القلوب),, والالتجاء الى الله سبحانه بالدعاء والصلاة فان من فعل ذلك حري بالفرج إذا كان مخلصا في توجهه صادقا في دعائه.
ومن ثم النظر والتفكير الصحيح السليم في الأمر الذي دعا الى القلق فان المسألة قد تكون نسبية والقلق مجرد وهم لا أكثر وكما قال شاعرنا الكبير ابو الطيب:


وما الخوف الا ما تخوفه الفتى
ولا الأمن الا ما رآه الفتى أمنا

هكذا يقررها المتنبي بكل بساطة ليس هناك خوف حقيقي بمعنى الكلمة الا الخوف من الله سبحانه.
أما أمور الدنيا فانها أقل من ان تبعث على الخوف الا لمن يتصور القلق في كل شيء فطالما كان الانسان معتدلا صادقا في فعله وقوله واضعا نصب عينيه رضى الله وان أغلب حالات القلق ماهي الا تصورات فاسدة لدى من يعاني منه وليس امرا يخضع للتحقيق فالواجب على العاقل السوي تجنب مثل هذا الاحساس والشعور به لأنه اذا نال أدنى اهتمام من المرء نما وزاد وكبر مما يصعب بعد ذلك مواجهته ذاتيا ويكون المرء حينها كما قال الشاعر أبو الفتح البستي:


ألم تر ان المرء طول حياته
معنى بأمر لا يزال يعالجه
كذلك دودا القز ينسج دائما
ويهلك غما وسط ماهو ناسجه

أسأل الله للجميع الأمن والأمان والسلامة في الدين والابدان وأقول لي ولإخواني القراء قول الشاعر:


اذا تضايق أمر فانتظر فرجا
وأضيق الأمر أدناه الى الفرج.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,.
محمد بن ابراهيم الهزاع
عنيزة المكتبة الصالحية

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved