أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 13th January,2001 العدد:10334الطبعةالاولـي السبت 18 ,شوال 1421

مقـالات

إنما الجمال في ذكريات الحيافة!!
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
الغاية من الشعر وتلك الغاية خِصِّيصة في النص الفني من بين الفنون الجميلة من ناحية بروزها: ان يكون ممتعاً بإحساس جمالي، وان يكون فعالاً بإدراك عقلي,, ومعنى كونه فعالاً ان يكون محركاً للمتلقي، ليتعاطف مع المرِسل في شجونه الذاتية، او محركاً له للفعل في عمل جماعي، او مغذّياً له ببادرة فكرية او طرف علمية او ثقافية تكون جميلة في ذاتها او بأداء اجمالي.
والباب موصد بين المرسل والمتلقي في اثارة الحس الجمالي وفاعلية الإدراك العقلي ما لم يقم الناقد بمهمة النقد التفسيري الجماعي التعاوني،وبغير التصور الذي يقوم به منهج النقد التعاوني لا يبقا للمتلقي الا محضيَّة الفن كالتحليق مع تدفق موسيقاً في اللفظ، او يبقا له جمال مفسَّر جزئي مثل جملة مجازية.
قال ابو عبدالرحمن: وفي ميدان الشعر أخضعتُ لمنهج النقد التفسيري التعاوني: القصيدة العربية التراثية، والقصيدة المعاصرة، والقصيدة الحداثية، والشعر المترجم، والزجل، والشعر العامي بلهجة اهل نجد,, واعرض اليوم من النوع الاخير ابياتاً عامية اخذت بعض مفاتيحها من الشاعر عبدالرحمن العطاوي,, وهي ابيات لعبيِّد بن زريع الدعجاني,, ومصدري الوحيد عن نصها كتاب الخليجي للشاعر المطيري شاهر بن محسن الأصقه,, وقصتها ان عبيِّداً كان ساكناً مع مطير في بيت اخيه من امه هزاع بن جرمان الهرف، وكان مقلاً فأراد الكسب عن طريق الحيافة وهي لصوصية شريفة في عهد الجاهلية الثانية,, واذا كثر نجاح الحائف تتابع العفاة في صحبته من اجل الكسب، فيكون عقيد قوم، ويكون القوم حينئذ جامعين بين الحيافة والغزو العلني,, لقد استعار عُبيِّد ذلول هزاع الهرف، وسجل في الأبيات قصته وأمنياته معها,,قال:


دوَّرت لك يا فاطري من يباريك
وكلٍّ يقول معَ الجماعة نروحِ

قال ابو عبدالرحمن: يُقام الوزن بإساكن ميم مع والشاعر يسجل في هذا البيت انه لم يحظ برفاق على الحيافة والغزو، ثم أخذ يصف فاطره المستعارة بقوله:


يا زين مع خَطو السليلة تمدريك
تمدري اللي عن حليله طموح
تمدري اللي بالضحا عند العاليك
وثوبه على السيقان غاد شلوح

قال ابو عبدالرحمن السليلة مَجرا الماء، والأصل في خطو عند العامة ما يَعِنُّ او يندر,, والمعنا ها هنا ما يعن، والتمدري مشية الترف والعُجب والإثارة بما يشبه التبختر وهو ادلال من حسناأ,, وتقييد هاذه الطموح بكونها عند اهل هاذه الفاطر قد يكون مرتبطاً بتجربة شاهدها هناك.
والشطر الثاني من البيت الثاني إشارة إلى لباس نَأُوم الضحا الممتعة في خدرها حين يكون في الثوب من اسفله شقان طويلان على قدر الساقين يجعلان اسفل الثوب شريحتين,, ثم قال عن إعناته لفاطر في حيافته وغزوه:


حلفت انا يا فاطر الهرف لارذيك
ارذيك لو انك عليَّه لحوح
واصير كَوداً كما فعل راعيك
ماهو كلامٍ يا ذلولي مزوح

معنا ارذيك أُتعبك، ومعنا لحوح نَكِدة غير مواتية في السير الا بإلحاح من سائقها، وكودا اصلها كوداأ صفة لمحذوف معروف مثل مصيبة ومهمة,, وربما كانت كوداً وتقال في العامية كودٍ مصدر كاد بمعنا كائد,, اي أصير لك قدراً أو تدبيراً صعباً كما هو فعل صاحبك الهرف الذي يروضك للمهام الجسيمة,, وهذا مدح من الشاعر للهرف، وليس فيه أدنا شبهة تشي بالإساأة اليه كما احتمل ذلك الشاعر شاهر,, ثم قال عن المهام الثلاث التي تنتظر فاطره:


والله لَتُوحِين المودّه باذانيك
ليا قام يندب كل شقحا طفوح

هذه هي المهمة الأُولا، وتوحين بمعنا تسمعين، والمودة عند البادية مقلوب المدوِّه عند الحاضرة,, والتدويه رفع العقيرة بما تُدعا به الإبل وليا بسكون اللام وتخفيف الياإ وتشديد الياإ في الاصل من كتاب شاهر مُخِلٌّ بالوزن,, وينطقها الحضري لا تخفيف الى بمعنا إذا والطفوح السريعة يريد انه سيدوِّه لكسبه,, ثم قال عن المهمة الثانية:


والله لاركِز لك عباتي واخليك
واضوي ولو صكت عليّ النبوح

يريد ان الفاطر تستوحش في الفلاة إذا فقدت صاحبها، وربما زحفت من مكانها أميالاً وإن كانت معقولة لفرط وحشتها، فإذا ركز لها عباأته أوهمها بوجوده عندها,, والواقع انه غادرها ضاوياً,, اي تسلل مع اول الليل ليأخذ غنيمته من الإبل على غرة، والشطر الاخير أَخذٌ متعمَّد من قصيدة شليويح,, وقال عن المهمة الثالثة:


والله لا جيب لك السَّرَق لين ياتيك
والعِقِل وانت يا ذلولي سموح

قال أبو عبدالرحمن لك ليست في الاصل، ولا يستقيم الوزن بدونها وهي بسكون اللام,, والسرق بالسين المفتوحة المشدَّدة مع فتح الراإ وهي الكسب المسروق,, ولين اختزال إلى أن والعقل جمع عِقال,, وجملة المعنا انه سيسوق الكسب خلفها، وهي الرائد، وستنطلق بسماح، لأن اتجاهها الى حيِّ أهلها,قال ابو عبدالرحمن: هذا هو كل مافي هذه المقطوعة الخطابية التقريرية، وجمالها في مضمونها لا في ادائها, وهو مضمون جميل في السابق، لأنه محبب للقوم يثير اشتياقهم وحماسهم,, وهو جميل اليوم بمفهوم الطرافة والمفاجأة لما فيه من معان تُضاف الى القاموس بعد حلِّ رموزها الاصطلاحية، والله المستعان.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved