أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 15th January,2001 العدد:10336الطبعةالاولـي الأثنين 20 ,شوال 1421

مقـالات

لغتنا العربية وأخطار العمالة الوافدة والقنوات الفضائية
د, عبدالله بن سالم الزهراني *
معذرة لشاعرنا حافظ إبراهيم يرحمه الله حين أتذكر:


أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن لهجاتي

ولكن هذا هو حالنا اليوم ياشاعر اللغة العربية، غيرتك على اللغة العربية وهيامك بها كانا في محلهما، أدركت مع غيرك من الشعراء والأدباء والمثقفين في جيلكم ما كان يحاك ضد اللغة العربية في عقر دارها، فالفرنجة في مصر والفرنسة في المغرب العربي والصحو من التشرذم والتفكك والتناحر في الجزيرة العربية، وما لازم ذلك من تراجع في الفكر الثقافي بشكل عام، بدأتم كجيل وكلكم ثقة في النفس بالتعامل مع لغتنا الجميلة والمعبرة، في الشعر والقصة والرواية، وأحييتم تراثنا الغني بلغة سليمة بعد تقهقر الاستعمار في الشرق والغرب من عالمنا العربي تعاملتم تعاملا سليما مع واحد من عناصر الوحدة العربية الثقافية الفكرية وبدأتم مشوارا بخطى وطيدة كان من المفترض أن يستمر ويتجدد ويستوعب ويتلاءم مع المتغيرات العصرية المختلفة، ولكن ألسنتنا بدأت تعوج وتعابيرنا تغربت واستغربت بل تهندوت وتبسكنت وتفلبنت وتأندست!!! ألم أقل لك ان ألسنتنا أعوجت؟!, ماذا أقول لك يا شاعر النيل؟ لم تعد لغتنا ذلك البحر الذي يكمن فيه الدر ولم تعد ذلك البحر الذي نسأل الغواص عن صدفاته, لقد طغى عليها المحيط وأصبحت أمواجه عاتية ومتلاطمة تحمل سموماً متنوعة, انطمرت تلك الصدفات بركام سميك يحتاج إلى من يجيد البحث والتنقيب, إن همومنا اللغوية كبيرة ويطول شرحها ولكنني أقول وعمر القارئين يطول إننا نتكلم في مجتمعاتنا المحلية لغة تشترك في عدة قواسم إلا القاسم الرئيسي فيها وهو عروبتها وسلامتها وفصاحتها, هناك لغة البيت ولغة المجتمع ولغة الدراسة, فلغة البيت يتحكم فيها الأب والأم وأصولهما المحلية فإذا كانوا من زهران فاللغة زهرانية وإذا كانوا من القصيم فاللغة قصيمية (أقصد لغة التخاطب فكلاهما يدخل ضمن اللهجات وليس اللغة) وهكذا الحال في بقية المناطق ولك أن تتصور الوضع إذا كانت الأم من منطقة والأب من منطقة أخرى فتصبح اللغة خلطة لا تسمية لها عندي, آمل ألا يفهم مني أنني ضد الزواج بين أبناء وبنات المناطق المختلفة بل بالعكس فإن ذلك مما يدعم الوحدة الوطنية والأواصر ويلغي التقوقع ولكن الذي أدعو إليه أن يكون للتعليم تأثير على تهذيب اللهجات والارتقاء بها إلى المستوى اللغوي الرفيع, على كل حال الأمر لم يقف عند حد اختلاف اللهجات بين المناطق وإنما هناك اللهجات واللغات الزائرة فزوار البيت كثر من خلال الشاشة الصغيرة في حجمها الكبيرة في بثها ومضامينها ومن خلال الخدم والحشم وهؤلاء ثالثة الأثاقي, أما لغة المجتمع في الشارع والمقهى والسوق فهي خليط من هذا وذاك مليئة بالغرائب والعجائب والشوارد, دعوني أسرد عليكم بعض الحوادث اللغوية في هذا السياق ومعذرة إن خدشت ذوق بعضكم اللغوي وإن كنت أشك في أن الكثيرين ممن يقرأ هذا المقال لم يخدش ذوقهم اللغوي من قبل, على كل حال كنت ذات يوم كغيري من عباد الله ممن يخدم من استقدمه ليخدمه حيث كانت المهمة تقتضي إرسال مبلغ من المال إلى أهل الخادمة الفلبينية ودخلت إلى بنك يقوم بتنفيذ هذه المهمة في يوم حار ومكان ضيق يجتمع فيه أفراد لا يمكن أن يجتمعوا إلا في مقر الأمم المتحدة مع الفارق في رتب التمثيل والمكان والشخوص ولك أن تتخيل الحال ولماذا التخيل والكثير منكم مر به, فكرت في العودة وأخذ الخادمة لتقوم بالمهمة بنفسها وأنتظرها في مكان داخل البنك أكثر نظافة وأكثر نقاء وبرودة في هوائه ولكنني فكرت فيما يمكن أن يحدث للخادمة من مضايقات أو ما يمكن أن تسببه من مضايقات لغيرها وآثرت السلامة لها ولغيرها وقلت لنفسي: باب يأتيك منه ريح سده واستريح , ولكي نخفف من وطأة الانتظار دار بيني وبين أحدهم يقوم بمهمة مشابهة لمهمتي حوار، حيث بدأ حديثه لي بالقول ان خادمته تقول له: بابا أنا أول فيه شغل في دبي بعدين أنا فيه يجي سعودية بس دبي ما فيه كويس قلت لها ليش دبي ما فيه كويس قالت بابا فلوس فيه كويس كتير بس بابا أنا ما فيه يرسل فلبين فلوس كتير بس هنا في سعودية أنا فيه يرسل فلوس كتير فلبين, أنا في سعودية ما فيه يروح كدا والا كدا, فرد عليها صاحبنا كما روى بالقول أنت أول يقول ما فيه شغل قبل يجي عندي وأنت فيه يتعلم عربي في فلبين!!!, قالت: بابا أنا ما فيه أول يشتغل في سعودية هذا شغل في دبي, قال لها أنت فيه كزاب لازم فيه يروح فلبين!!!, واستمر في روايته وأنا أغالب ابتسامة ليس في قاموسنا ربما ما يمكن أن اصفها به, قلت له بهدوء: أنت تتحدث معي وكأني هندي لا أتحدث العربية, يبدو أنه أحس بنوع من الاستفزاز، ولم يفوت هذا الأمر لي وقال والله فيك ملامح من الهنود والاختلاف أنك لا تهز رأسك, قلت له على كل حال أنت مسبوق من غيرك بهذا القول وليس في الأمر ما يضير خاصة إذا كان الشبه بهندي مسلم, تبادلنا الابتسامات بعد أن اعتدل لسانه نسبيا وعاتبته على اعوجاج لسانه وتأثير الخادمة عليه.
أما الحادثة الأخرى فكانت في الجامعة حيث انني تعودت أن أقول لطلابي وطالباتي في بداية كل فصل دراسي ان العملية التعليمية وبالذات المحاضرة أو الدرس يحتاج إلى ثلاث ركائز أساسية هي (الإرسال ووسائل الإرسال: الوسائط للتوصيل ثم الاستقبال), سوف أحاول أن يكون إرسالي واضحا بصوت لا هو بالنشاز في علوه أو انخفاضه ومن خلال وسائل إيضاح حسب ما تسمح به الإمكانات ومن خلال لغة عربية سليمة قدر الامكان أيضا وان تخللها بعض الكلمات الزهرانية المصحفة أو المحرفة أحياناً وهي عن أصل عربي فصيح أو بعض الكلمات أو المصطلحات الأجنبية التي يقتضيها المقام وقد لا يقتضيها!!!
على أنني جعلت لي خط رجعة واستثناءات محدودة وهي انني قد أخطي في الإعراب بل اني أخطئ رغم اجتهادي وأوضحت لهم أن سيبويه لو قدر له ان يستمع لي وهو لن يستمع لتزحزح في قبره، أما الركيزة الثالثة فهي أن تحسنوا أدب الاستماع وأدب النقاش والاستفسار عما تعجزون عن فهمه, طرح أحد طلبتي تساؤلا يتعلق بمدى محاسبتي عند التصحيح على اللغة العربية, ورغم محاولتي التفكير في التهرب من الإجابة!!! قلت سأجعل حدا أدنى للأخطاء ولم أوضح ذلك الحد, ولكن الطالب في شغبه الذي كان من النوع المحمود قال: أنت تشرح لنا باللغة العربية وتود محاسبتنا على ذلك إلا ان لنا أساتذة وربما بعضهم في اللغة العربية يشرحون لنا أحياناً الدرس بلهجة محلية يصعب على من هو ليس من منطقته أن يفهمها, وأضاف بأنه يعتقد أن مثل هؤلاء يحتاجون إلى الالتحاق بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها, قلت له: يا بني (كما تكونوا يول عليكم) أنتم ضعاف في الأساس في اللغة العربية رغم أن كتب اللغة العربية في التعليم العام منتفخة الأوداج بالمبتدأ والخبر وإن وأخواتها وكان وأخواتها والفعل والفاعل والمفعول به والمفعول المطلق والمفعول لأجله والنعت والمنعوت وصيغ المبالغة علاوة على الشعر والنقد والبلاغة, قال أنتم أساتذة الجامعة من يؤلف مناهجنا وأنتم من يخرّج من يقوم بتدريسنا, أحسست أن لدى الطالب كلاما كثيراً يود قوله وأن النقاش سيطول ويبتعد عن درسنا وحاولت أن أخفف الأمر عليه بالقول: إن الأساتذة الذين لا يستخدمون اللغة العربية أحياناً في شرحهم ربما كان سعياً منهم لتبسيط الموضوع ومحاولة تيسيره أو يتحدثون أحياناً بلغة عربية تتضمن الأخطاء الشائعة للتوضيح أيضاً، لأنه يقال (خطأ مشهور خير من صواب مغمور) همهم الطالب بينه وبين نفسه وتجاهلت تلك الهمهمة.
وإذا انتقلنا إلى المحطات الإعلامية الفضائية فحدث ولا حرج, يصعب عليّ نعت معظمها بالعربية لأنك لا تسمع إلا لهجات ما عدا نشرات الأخبار والتي في كثير منها يشوبها خلل في الصياغة والأسلوب, قليل من هذه المحطات هي التي تعرض أفلاما أو مسلسلات باللغة العربية وقليل منها هي من يعرض لنا ندوات شعرية باللغة العربية الفصيحة وعلى مساحات زمنية ضيقة, تنافست القنوات الفضائية على اجتذاب الحسناوات الشقراوات اللاتي لا يجدن أبجديات اللغة العربية وإنما يجدن إثارة العواطف والغرائز ويبتعدن عن استثارة العقل والفكر، لأن فاقد الشيء لا يعطيه, أليس من العبث أن تظل قنوات فضائية عربية تعمل على مدار الساعة دون أن يكون للفكر والأدب والحوار بلغة جميلة مكانة بين ذلك الكم الهائل من البرامج التي أغلبها لا يسر الناظرين، أو لنقل أغلب الناظرين.
أليس بالإمكان تلبية كل الرغبات في حدود آدابنا وأذواقنا بشكل متوازن؟
لقد حاولت التطرق لبعض جوانب الخلل وليس كلها لأن هناك الكثير والكثير كاللوحات الإرشادية وأسماء المؤسسات والشركات بل ربما تجاوز ذلك لأسماء الأفراد, لم أتطرق لما ينبغي أن يتخذ فهذا موضوع آخر يحتاج لمقال آخر بل لمقالات ومقالات، والباب مفتوح للرأي والنقاش سعيا للحفاظ على لغتنا التي هي جزء أساسي من هويتنا والتي بها نزل القرآن وانتشر الإسلام.
والله من وراء القصد.
* جامعة الملك سعود - كلية الآداب

أعلـىالصفحةرجوع












[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved