أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 15th January,2001 العدد:10336الطبعةالاولـي الأثنين 20 ,شوال 1421

متابعة

العالِم الذي فقدناه
الحمد لله الذي يصطفي من عباده ما يشاء ويختار والشكر له على صروف الأقدار, يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن، والصلاة والسلام على صفوة الأبرار وعلى آله وصحبه الأخيار أولي العلم والأبصار أما بعد.
فقد رزيت الأمة الاسلامية بمصاب جلل ووترت بصارم من العلم طالما تعبت في مثله وانتظرت فعظم الخطب بفقد خليفة العلماء في زمن قلَّ فيه الفقهاء وكثر الأدعياء, منيت الأمة بخسارة فقيه نحرير ومجاهد صادق نذر نفسه ووقته وجهده لله جلَّ وعلا حتى أفنى حياته في خدمة الاسلام علما وتعليما ودعوة وإفتاءً وتأليفا وإرشادا ووعظا ونصحا وبذلا ومعونة وشفاعة ومساعدة قدر وسعه وطاقته بلا ملل ولا كلل، بل بصادق العزم وقوة الحزم يبتغي وجه الله والدار الآخرة دليله القرآن وحجته السنة، سيماه الزهد وشعاره الورع، لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يخشى في ذات الإله نقمة ناقم، طريقته سلفية وعلومه أثرية.
ذلكم الامام العالم ناصر السنّة وقامع البدعة في فقه الأولين وناشر علوم الدين صاحب التحقيق والتصنيف المحدث الفاضل والفقيه البارع والزاهد العابد الذكي الباهر محمد بن صالح بن عثيمين بقية السلف ونابغة الخلف, فذلكم هو وذلكم قدره وذلكم فكره وتوجهه,, ولذلك أحبه الناس وانتشر علمه وبوركت جهوده ولهذا ستفقد الأمة بذهابه علما كان يمشي على الأرض، فبات مسجى تحت أطباق الثرى، فيا وحشة الديار بعده ويا ضيق الرباع من بعده فمن للدروس المفصلات ومن للتقاسيم المبدعات ومن لسبر النصوص المحكمات، فيا رب أفض على قبره واسع الرحمات وجُد عليه إلهي بجميل الهبات فكم استفاد بنو الاسلام من علومه واستقوا من آدابه واستناروا بتوجيهاته.
ابن عثيمين الذي:
رسم للأمة طريقا يوضح لها كيف يكون اتباع الرسل بصفات وخصال جماعها تقوى الله سبحانه وتعالى والعلم والبصيرة، فقد اختط في كل تصرفاته وفتاويه وتوجيهاته ما تقتضيه الشريعة الربانية بكل معانيها ومقاصدها السامية فأوضح آيات الكتاب وأبان السنة على طريقة الأنبياء وصبر العلماء.
ابن عثيمين الذي:
صحب حياته الهمة العالية بلا سأم ولا تقهقر، بل حزم وجلد مع توازن وتكامل بمفهوم الاسلام لا إفراط ولا تفريط، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده.
ابن عثيمين:
مدرسة الجد والاجتهاد والمثابرة أينما كان، فعلمه معه في مسجده وكليته وطريقه ومنزله اذا دخل المسجد لا يكاد يخرج منه، فطلبة العلم والمستفتين يترقبونه ويبادرونه فإذا خرج من المسجد تسابقوا على صحبته في طريقه، فإذا وصل منزله اعتذر بلطف، لأن الوقت منظم فالمكتبة تنتظره بكتبها ورسائلها وبريدها وهاتفها.
ابن عثيمين:
إذا نظرت إليه لابد ان تحبه بصدق هكذا لأنه عالم عامل وزاهد صادق قد رضيته الأمة موقعا عن رب العالمين ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ابن عثيمين:
إذا أبصرته تذكرت ما عليه السلف الصالح وما يرويه أصحاب السير والتأريخ عن العلماء الأفذاذ والجهابذة الكبار فتبدو حقيراً بجانب تلك الشخصية الكبيرة النادرة.
ابن عثيمين الذي:
اذا تكلم في المسألة الشرعية تحدث عن ثقل وعلم جم قد حوى الأدلة الشرعية الاجمالية منها والتفصيلية بقواعدها وأصولها الفقهية واعتباراتها واستثناءاتها ومصالحها وحكمها ومقاصدها ومناط تعليمها وإلحاق النظير بها وأولوياتها وجمع أدلتها وتوضيح متشابهها وتقييد مطلقها وتخصيص عامها ومعرفة ناسخها وتقديم أرجحها بدقة المحققين وتنقيح الأصوليين.
ابن عثيمين الذي ملك الناس بحسن خلقه ودماثة طبعه، فلم يستكبر يوما بعلمه ولم يحتقر مناقشا بجانب واسع فقهه، كان متواضعا لله تعالى سهلا شنقا حازما مؤدبا مربيا فلا تعنت ولا جفاء ولا غرور ولا اجتراء، بل كان خلقه القرآن.
وما ظنك بعالمٍ انتفع بعلمه.
ابن عثيمين وسام فخر تعتز به هذه البلاد خاصة والمسلمون عامة وبيان ذلك ان هذه البلاد قد خصها الله تعالى بأن جعلها مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين فكانت مهوى أفئدة قلوب المسلمين من جهة هذه الخاصية.
وفي ظل كثرة المنتسبين للعلم في كثير من بقاع الاسلام التي كانت تعد حاضرة الاسلام ومع ذلك فإن وجود مثل شخصية ابن عثيمين في هذه البلاد وبما تمتاز به مثل هذه الشخصيات النادرة من مؤهلات وصفات فريدة جعل الله تعالى أيضاً في قلوب المسلمين في العالم الاسلامي محبة علماء هذه البلاد فإليهم تهفو النفوس وتطمئن القلوب وعلى رأسهم ابن عثيمين الذي شاع علمه وذاع خبره على مستوى العالم، أما في المملكة فلا تكاد تأتي محافظة أو قرية إلا وتجد مدرسا أو قاضيا أو داعية أو طالبا للعلم استفاد من علم الشيخ وحضر دروسه.
ابن عثيمين الذي:
جاءته الدنيا وهي راغمة في أوج تنافس أهلها عليها ولكن نفسه الأبية لم تطمع يوما للركون لأعراض فانية وآثار عاجلة فلم تكن مكانته مؤثرة على ورعه وزهده ولم تدعه وجاهته للاستكثار من دنياه ولم يجعل امتيازات منصبه تقدح في نيّته واخلاصه وتحفظه، بل كان ماضيا في طريقه يتأول كتاب ربه تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) فكانت عاقبته حميدة وسيرته رشيدة وعلومه مفيدة وكتب الله له ان يكون في عِداد العلماء العاملين ورثة الأنبياء والمرسلين فسارت الركبان بعبق هداه ومضت صروح التعليم تقرر فتواه فعظم في الصالحين اسمه وبقي في العالمين ذكره, فاللهم أنزله نزل المكرمين وارفع درجته في المهديين واخلف الأمة خيرا وسلام على المرسلين والحمد لله ربه العالمين.
عضو مركز الدعوة والإرشاد وخطيب جامع الهقص بحائل
عبدالعزيز علي المحيني

أعلـىالصفحةرجوع












[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved