أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 18th January,2001 العدد:10339الطبعةالاولـي الخميس 23 ,شوال 1421

الاخيــرة

بعيداً عن سطوة الإعلام
فوزية عبدالله أبو خالد
بين الحين والآخر تتسرب إلى الصحف المحلية في غفلة عن عين الرقيب الصحفي أو بمجازفة ضميرية ووطنية من بعض رؤساء التحرير، أخبار وصور قليلة من أشكال المعاناة المعيشية والصحية الممتدة أو المطمورة في أعماق الوطن فتظهر حالات من العوز والفقر داخل الأحياء الرثة للمدن الفارهة كالرياض وجدة والخبر التي لا تستطيع بيوتها غير المسقوفة، أو ذات السقوف الواطئة الهشة رؤية نافورة الكورنيش بجدة أو برج مبنى الفيصلية بالرياض مثلاً, نقرأ عن أسر وليس عن عدد محدود فقط من الأفراد ذوي الحظ والدخل المحدود معا ممن يعيشون عيشة الكفاف أو ما تحت حزام الفقر، وإن تعففوا أو ربما سبب ذلك، في دولة هي من أغنى دول العالم رغم المديونية, في دولة لا يقل متوسط دخل الفرد فيها حسب الاستنتاجات من قبل بعض المجتهدين الاقتصاديين وليس حسب الإحصاءات الرسمية المصرح بها، عما يتراوح بين 20 إلى 25 ألف دولار سنوياً، كيف يستقيم إذن مثل هذا الرقم إلا على أساس مريع من احتمال التفاوت.
هذا وفي حين تشن الصحف المحلية أيضاً الحملات المتشددة على المتسولين، ويتطوع عدد لا بأس به من الكتاب المتحمسين للمظهر الحضاري والإعلامي للمدن للمطالبة بضرورة إزالة المتسولين من الطرقات، ومن عند إشارات المرور، ومن على مداخل المراكز التجارية الفخمة كما تزال النفايات الزائدة حتى لايؤذي منظرهم بعض القلوب الرقيقة أو حتى لا تشوه أشكالهم المشوهة بعاهاتها أو عباءتها السوداء أو أقدامهم الحافية الأشكال الجمالية الأسمنتية التي لابد أنه صرف على إنشائها ما يطعم ويعالج عشرات الأسر منهم، فإن أحدا لا يسأل ما هو مصير هؤلاء المتسولين بعد ان يتم القبض عليهم من قبل فرق مكافحة التسول الشجاعة المغوارة, إن كل ما يصرح به عادة هو انه تم القبض بنجاح منقطع النظير على عدد من المتسولين وكل ما يحرص التصريح الصحفي عادة على تبشيرنا به ان نسبة صغيرة ممن تم القبض عليهم هم من السعوديين, وإذا كنت ليس لعدم الأهلية وإنما لأنه موضوع آخر خارج عن موضوعي اليوم لن أتطرق إلى أوضاع المتسولين أو من يعيشون عيشة أقل من الكفاف في مجتمعنا من غير السعوديين، أسبابها ودورهم وكذلك دورنا فيها، فإنني أعود إلى التساؤل أعلاه بشأن المتكففين السعوديين ممن تضطرهم الحاجة إلى التسول العلني أو السري أو ممن تمنعهم عزة النفس من ذلك وإن كانوا لا يجدون إيجار بيوتهم أو ثمن العلاج لأمراض قد تكون مستعصية أو مزمنة لأطفالهم حسب تحقيقات بعض الصحف.
ولا أدري لماذا هذا الحرص المستميت في التأكيد على أن الفقر ليس مظهراً من مظاهر الخصوصية السعودية الفريدة على وجه هذا الكوكب وربما كواكب أخرى، ولا أدري أيضاً لماذا الاستماتة في التأكيد على ان المتسولين ليسوا من السعوديين وان وجد فإنهم أقلية في وطنهم بين أكثرية أجنبية من المتسولين غير أن المتابع لوسائلنا الإعلامية لابد أن يلحظ ان هناك توجها عاما لتثبيت صورة إعلامية نمطية معينة عن المواطن السعودي فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي خاصة, وهو المواطن الذي يعيش على أرض جاءته منحة من غير منح أراضي الدخل المحدود بالطبع دليل أنها في حي راق من أحياء المدن، وليست في حي العريجة أو سلي بالرياض مثلا, وفي فيلا شيدت بقرض من البنك العقاري وبأنه ذلك المواطن الذي يملك على الأقل سيارتين سيارة أمريكية لراعي المنزل الكبير وسيارة ياباني لراعي المنزل الصغير أي السائق نظرا لمسؤولية الأخير عن توصيل الحرم المصون والأبناء، والقيام بأعباء منزلية ذكورية أخرى، المقاضي، القصابة، السمكرة الطارئة ليس إلا.
هذا ويمكن ان يرش على هذه الصورة مزيد من مزايا الزيت الذهبي فتصير الصورة النمطية للمواطن السعودي في الإعلام هي صورة المواطن الذي يذهب إلى درة العروس أو قرية الخليج، أو ربما إلى دبي أو البحرين في الإجازات القصيرة ويذهب إلى سويسرا وديزني لاند في الصيف وإن خدسعت فإلى سوريا أو تركيا.
هذا مع العلم، على الأقل حسب علمي، أن ليس هناك أي إحصائية من أي نوع تؤكد أو تنفي مدى تمتع جميع مدن المملكة وقراها وهجرها وصحاريها بمثل هذه المزايا الاقتصادية الرخائية, صحيح ان نسبة السيارات الفخمة وليس المفخخة وحدها في شوارع شمال العاصمة يمكن ان تعتبر مؤشراً عاليا من مؤشرات الحال الميسورة أو بالأحرى الأكثر من ميسورة ولكن نسبة سيارات أبو عراوي إلى تلك النسبة وما يتسرب إلى الصحف، وهو ربما لا يمثل سوى رأس جبل الجليد من حالة التفاوت، وخاصة في الأحياء الخلفية بالمدن وفي المناطق البعيدة عن مراكز الإمارات في شرق البلاد وجنوبها أو غربها وشمالها لا يبشر بأن الخير عميم بما ينال حقه منه كل مواطن, فهل الحل أن تتوقف الصحف عن الكتابة عن هذه الحالات الكئيبة النادرة أو ننتظر حمى وادي متصدع آخر لنشم الرائحة او نسمع الأجراس, لتغز وزارات كوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة التخطيط وربما وزارة البترول والمعادن ووزارة المالية وربما اعضاء مجلس الشورى الموقر لقربهم من المواقع الشعبية فيطلون علينا جميعاً ودمعة واحدة بغير صور أصحاب المعالي, هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved