أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 19th January,2001 العدد:10340الطبعةالاولـي الجمعة 24 ,شوال 1421

مقـالات

مع التربويين
القيادة التربوية
مهمة المسلم في هذه الدار مهمة شريفة عالية سامية عرفها الأخيار والأبرار وحاد عنها وتنكب سبيلها في كل وقت وحين الأشرار والأغيار وفي غمرة هذه الحياة وزخرفها وافتتان الكثير من أهلها بالمتع الزائلة والأضاليل الزائفة، لن تقدم هذه الأمة الماجدة الخيرة الصالحين والعلماء النابهين والأئمة المهديين الذين يعرفون حق المعرفة الآخرة والاولى الذين يأخذون من الفانية بقدر ويقبلون على الله وعلى دينه وشرعه بعزم وصبر لا يلين وهذا هو مقتضى إقامة شرع الله وهداية خلقه الى الطريق المستقيم والتجافي بهم عن طريق الهوى والردى، وان الناظر المنصف في سير عظماء الأمة من علماء وفضلاء ونبلاء وأئمة كرماء صلحاء ليجد بحق أسوة صالحة مصلحة وأنموذجا حيا بهيا للعالم الذي يريده الاسلام علما وعملا وخلقا انهم أعظم أسوة وأفضل قدوة تبعث الهمة وتوصل الى القمة وتهدي الناس سواء السبيل نعم في حياة هؤلاء الفضلاء ما يبعث الهمة ويقدح زندها ويزكي خامدها وجامدها ذلك ان سير وحياة هؤلاء النبلاء تتمثل دوما امام المسلم المحق المدقق فتوحي اليه بالاقتداء بهم والسير على نهجهم ومما يؤثر في الناس, ويدفعهم الى العمل الصالح الرابح دينا ودنيا حكاية قرأوها او قصة وعوها او مشهدا لاحظوه لرجل صالح مصلح او قصة مؤثرة رويت عنه وتاريخنا الاسلامي المجيد حافل بالنماذج الخيرة والمثل العالية اولئك الذين هداهم الله (فبهداهم اقتده) هؤلاء الرهط الكرام الذين يقودون موكب الهدى والنور موكب الايمان والعمل الصالح هم الذين هداهم الله، وهداهم الذي جاءهم من الله، فيه القدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن امن به، فهذا الهدى وحده هو الذي يسار عليه، وهذا الهدى وحده هو الذي يحتكم اليه، وهذا الهدى وحده هو الذي يدعو اليه قائلا للناس اجمعين (لا اسألكم عليه اجرا ان هو الا ذكرى للعالمين) انها حقيقة ثابتة امتدت شجرتها وموكب خير موصول تماسكت حلقاته، ودعوة واحدة حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان حملها رسول إثر رسول وعالم بعد عالم ومؤمن بعد مؤمن ممن اراد الله لهم الهداية والدراية وهو طريق حي موحٍ آمن مطمئن واثق مستقيم يسكب الطمأنينة والأنس والود في قلب المؤمن ومن معه من المؤمنين الصادقين والمسلم يعلم حق العلم انه ليس وحده في هذا الطريق السليم الكريم وليس مقطوعا لا جذر ولا اصل له ولا اساس انه فرع متين مكين منبثق من شجرة أصيلة كريمة راسخة ثابتة قوية الأصول شامخة الفروع شهية الثمار، شجرة أصلها ثابت وفروعها في السماء انه حلقة نفيسة كريمة في موكب اصيل جليل موصولة عراه وأسبابه بالله وهداه، هذا هو طريق الفطرة النقية الزكية انه وعي وهدى لا يطمسه الركام وأمتنا الاسلامية في تاريخها المديد والمجيد لم تخل من نماذج حية بهية.
وقمم سامية سامقة سواء في ميادين التربية والتعليم او ميادين العلم الصحيح ونشره وتنقيته وتصحيحه وتنقيحه او الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة او في الميادين الاخرى ذات النفع العام او الخاص لقد ملأ هؤلاء الرجال حياتهم الصحيحة بجلائل الاعمال وبنبل الخصال لهم شهدت الامة قاصيها ودانيها بعلو المنزلة ورفعة الشأن وسجل لهم المنصفون تلك المآثر والاعمال وهي عند الله اذا شاء أعظم واتم، وليس الحديث هنا عن السابقين فقط بل الحديث عنهم وعمن أتى ويأتي بعدهم الى قيام الأشهاد فنالوا الخير والبر وحسن الذكر وأدركوا المجد والسؤدد, اذا اراد الله في الدارين، وذلك عندما زكت نفوسهم وكبرت آمالهم وتجافوا عن هذه الدار وعلت هممهم وحسن مقصدهم وظهرت فيهم وفي وقت مبكر ملامح النبوغ والموهبة والألمعية وظهرت جوانب الهمة العالية في شخصية وسلوك هؤلاء الرجال.
والناس تتفاوت منازلهم في الدار الآخرة بقدر عملهم وهمهم وهممهم العالية تجاه الآخرة، ولذلك فداني الهم والهمة الاخروية تقل قيمته الاخروية أو تنعدم لانه ميال,, للراحة قاعد عما خلق له وندب من اجله، كلف بالصغائر مولع بمحقرات الأمور، همه خاصة نفسه، فكره محصور ومقصور في مأكله وملبسه ومشربه ومسكنه ومتعه الانية الحيوانية كذلك في الدنيا تعيش البهائم اما طلب الدار الآخرة ونشدان الكمالات فلا خطر له ببال, ان حفظ مقومات الامة والمحافظة على ارثها العظيم وبثه ونشره بين العالمين موكول بالعلماء العاملين والأئمة المهديين الناصحين الاكرمين.
ثم ان مهمة حفظ هذا الدين القويم برجاله المخلصين وهم العلماء العاملون الذين كانوا في كل وقت وحين اعلاما يهتدى بهم وأقطابا تدور عليهم معارف الأمة ان وجود امثال هؤلاء العلماء في الامة حفظا لدينها وصونا لعزتها وكرامتها فانهم بعد الله السياج المتين والحصن الحصين والنور المبين، وهم ورثة الانبياء في اممهم وامناؤهم على دينهم وهم شهداء الله في ارضه، وليس في الامة مثلهم في النصح والتوجيه والبيان والاخلاص يعلمون احكام الله ويوجهون خلقه ويرشدون الى ما ينفع ويحذرون عما يضر وهم اهل الصدق والخشية انما يخشى الله من عباده العلماء ولهذا تكاثرت النصوص من الكتاب والسنة في فضل العلم وشرفه وفضل اهله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ان مثل هؤلاء في الارض مثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وان فقيها واحدا اشد على الشيطان من الف عابد ذلك ان العابد غالبا نفعه لنفسه اما العالم العامل فنفعه متعد الى غيره تعددت منافعه وتنوعت مواهبه, وعذبت مناهله حفظ دين الله ونفع عباده فهو يقود الامة الى الخير والفضيلة والصلاح والاصلاح ويهديهم الى صراط العزيز الحميد، والشيطان وأعوانه وما أكثرهم يقودونهم الى الهاوية الى الجحيم والبلاء العظيم انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير ولذلك كان الشيطان واعوانه واخوانه يفرحون بموت وفقد العلماء وأذيتهم لانهم اعداؤهم يحولون بينهم وبين ما يريدون من الفساد والافساد والزيغ والالحاد واذا كان هذا فضل العلم واهله ومكانتهم في المجموعة الانسانية افلا يجدر بنا ان نهتم ونبذل الجهد الجهيد لتحصيل العلم النافع ونهيىء انفسنا واولادنا ومجتمعاتنا لذلك، ليُعبَدَ اللهُ على علم وبصيرة ووعي تام وذلك يكون بملازمة العلماء والتحصيل الجيد والسؤال والمتابعة والبحث والتنقيب والتحقيق والتدقيق والتوثيق لنفوز بإرث الانبياء في الدنيا وبصحبتهم في دار السلام واذا كانت هذه منزلتهم فإن فقد العالم ليس فقدا لشخصه ولكنه فقد لجهده وجهاده وفكره فقد لجزء عظيم وكبير من تراث الأمة وإرث النبوة بحسب ما قام به هذا العالم من التحقيق والبحث والافادة.
ان فقد العالم لا يعوض بمال او متاع او ضياع ان فقده مصيبة عظيمة ورزية كبيرة على الاسلام والمسلمين لا يعوض الا بمن يقوم مقامه من البيان والتبيين وقمع الباطل ونشر الحق والدفاع عن الفضيلة ومحق ومحو الرذيلة من الأمة، وفي مثل هذه الاوقات بالذات تتفاقم وتعظم المصيبة بفقد العلماء العاملين والائمة المهديين، لكثرة الفتن.
واستخفاف البعض بتعاليم الدين وفشو المنكرات وضعف الوازع الديني لدى البعض وفشو الجهل او ما يسميه التربويون بأمية التعليم: كثرة ووفرة في القراء وقلة او ندرة في الفقهاء، انشاء وتسطيح وثرثرة كلامية لا اول لها ولا آخر، لكن التحقيق والتدقيق قليل، الاقاويل والعجيج والضجيج والأراجيف من أعداء الاسلام ومن تلامذتهم من بعض المسلمين كثيرة كذلك طرح البعض للسنة وترويج البدعة او المنكر.
ولكن المسلم لا ييأس من روح الله ولا يقنط من رحمته وعزاؤنا في ذلك قول الصادق المصدوق لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله والانسانية اليوم والمسلمون خاصة بأمس الحاجة الى هذا النموذج الوحيد والفريد الذي لا تطيب الحياة ولا تصلح الا بهم وبمنحهم، ولا تسود القيم العالية النبيلة ولا المناهج السامية الرفيعة الا بطريقتهم وهذا المنهج الفذ الفريد في مجال التربية الصحيحة والذي يسميه رجال التربية الموفقون التربية بالقدوة اقول هذا المنهج الرحب الفذ هو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته وابلاغ رسالته الى الناس اجمعين فقد هيأ الهادي البشير في اول دعوته رجالا كانوا النواة الاولى المميزة والبذرة الصالحة النقية، هؤلاء الرجال تجسد فيهم الاسلام حيا نقيا، تجسد فيهم بيعا وشراء، واخذا وعطاء، عبادة وقيادة وسلوكا، وفي مختلف التعاملات والصفات فلما رأى الناس ذلك رأوا المنهج الجديد والتوجيه السديد والفريد مجسدا حيا في الفرد المسلم في الغيب والشهادة اقبلوا يدخلون في دين الله افواجا، وهذا هو منهج العلماء العاملين والائمة المهديين يعطون الأسوة والقدوة بأفعالهم قبل أقوالهم فهم منارات هدى يهتدي بها السائرون، فحق على الأمة رعاية حقهم والوفاء لهم أحياء وأمواتا، والأمة الواعية المدركة، هي التي تجل علماءها وتحترم قادة الفكر فيها خاصة العلماء الذين هم مثال حي وصحيح لتطبيق منهج السلف الصالح، والأمة اليوم حاجتها شديدة إلى تطبيق وتعميق منهج سلفنا الصالح بين شبابها خاصة نظرا للأضاليل والاراجيف من اعداء الاسلام وممن تغذى على (زبالتهم) وارتوى من مياههم العكرة.
والفرصة سانحة ومهيأة لرجال التربية والتعليم لاعداد شباب الامة قادة صالحين مصلحين، ينفع الله بهم البلاد والعباد، ويذودون عن حمى الملة ويحافظون على تراث الأمة من الضياع، والتربوي الكفء مدعو في كل وقت وحين للتركيز والاعداد لشباب الامة لينشأ منهم علماء نابهون وفي مختلف التخصصات، وهؤلاء العلماء الكبار في كل الفنون ماهم بعد الله إلا جهد مميز لمدرسين مدركين وعمل جاد وكبير لمعلمين مهتمين ولذا نجد علماءنا الكبار في كل وقت وحين يهتمون بالطالب النابه والموهوب تركيزا واعدادا واسنادا وامدادا وما يسميه بعض التربويين بالعناية بالموهوبين والاهتمام بهم ماهو الا لامتداد لمسلك اولئك الرجال من المسلمين حيث اعطوا للبشرية دروسا عملية جادة في هذا السبيل.
فهل ينهج رجال التربية والتعليم في بلاد الاسلام منهجهم ويعطون كما اعطى اسلافهم؟ نرجو ذلك والله المعين.
د, عبدالحليم بن ابراهيم العبداللطيف
المدير العام لكليات البنات بمنطقة القصيم

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved