أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 19th January,2001 العدد:10340الطبعةالاولـي الجمعة 24 ,شوال 1421

متابعة

أسى وحزن لرحيل شيخ الإسلام
الحمد لله الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون, تفرد بالبقاء وحده جل وعلا وكتب الفناء على جميع خلقه عزة وقهرا, كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام,, وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له هو الأول والآخر والظاهر والباطن وأشهد أن سيدنا محمدا عبدالله ورسوله صاحب الجبين الأزهر والوجه الأنور والحوض المورود واللواء المعقود خاطبه ربه بقوله إنك ميت وانهم ميتون , بأبي وأمي ونفسي والناس أجمعين هو صلى الله عليه وعلى أزواجه أمهاتي وصحابته سادتي والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا, أما بعد (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون).
أيها المؤمنون عظمت مصيبة الاسلام وأهله وخيم الحزن على العالم الاسلامي بأسره يوم الخامس عشر من شهر شوال من عام ألف واربعمائة وواحد وعشرين بوفاة شيخ الاسلام العلامة والفقيه محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله رحمة واسعة, انه لخطب عمم ومصاب جلل لفقد هذا العالم النحرير في وقت ادلهمت فيه الخطوب على الأمة الاسلامية من كل حدب وصوب,.
فقدنا هذا العالم في وقت كشرت فيه الصهيونية الحاقدة عن أنيابها على الاسلام والمسلمين,
لقد كان رحمه الله قويا في الحق لا يخشى في الله لومة لائم, لقد تصدى هذا العالم الرباني لكشف عوار تلك المخططات اليهودية والنصرانية عبر دروسه ومحاضراته العلمية,
هذا العالم الرباني وأمثاله الذين حملوا على عواتقهم تبليغ كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في منهجية واضحة على نور من الله وأفنوا اعمارهم في صيانة شريعة الله ونقلوها بأمانة وصدق الى الاجيال التي تتعاقبهم,
هذا العالم الرباني وأمثاله كالمصابيح النيرة التي تضيء دروب الحياة لعامة المسلمين وهم أيضاً كالحصون المنيعة التي يلتجىء اليها المسلمون من مضلات الفتن وهم كالموارد العذبة الطيبة التي ينهل منها الصغير والكبير والشريف والوضيع والذكر والأنثى فيروون عطشهم، فهذا يستفتي وذاك يستشير وآخر يطلب حل المشكلة وآخر أشكل عليه فهم أحد النصوص الشرعية,
هذا العالم الرباني وأمثاله تستغفر لهم الملائكة، بل حتى الحيتان في البحر، بل حتى النملة في الجحر قال عليه الصلاة والسلام ان الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير ,
هذا العالم الرباني وأمثاله لما عفت أيديهم عن زخارف الحياة الدنيا,
عاشوا في هذه الايام الخالية اعزاء أنقياء أتقياء فهابتهم الأعداء وخطب ودهم الأوفياء لعلمهم وحياتهم تسعد الدنيا وتفرح الأرض والسماء ولموتهم تظلم الدنيا ويبكي الارض والسماء وتحزن الدواب وتتفطر الأشجار,
ولد شيخ الاسلام أبي عبدالله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين الوهيبي التميمي في مدينة عنيزة إحدى مدن القصيم عام ألف وثلاثمائة وسبعة وأربعين للهجرة النبوية في السابع والعشرين من شهر رمضان في عائلة معروفة بالدين والاستقامة وتتلمذ على جده لأمه الشيخ عبدالرحمن بن سليمان بن دامغ رحمه الله فقرأ عليه القرآن وحفظه ثم اتجه لطلب العلم فتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب وكان الشيخ رحمه الله قد رزقه الله ذكاء وهمة عالية وحرصا على التحصيل العلمي في مزاحمة الركب لمجالس العلماء وفي مقدمتهم الشيخ العلامة المفسر الفقيه عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ولم يرحل الشيخ لطلب العلم الا إلى الرياض حين افتتحت المعاهد العلمية عام ألف وثلاثمائة واثنين وسبعين فالتحق بها وبعد وفاة شيخه عبدالرحمن السعدي رشح الشيخ محمد بن صالح العثيمين لإمامة الجامع الكبير، عندها تصدى للتدريس مكان شيخه وألف أول كتاب له عام ألف وثلاثمائة واثنين وثمانين للهجرة وهو كتاب فتح رب البرية بتلخيص الحموية وهو تلخيص لكتاب شيخ الاسلام ابن تيمية العقيدة الحموية وأستغل الشيخ رحمه الله وجوده في الرياض بالدراسة على الشيخ إمام أهل السنة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز فقرأ عليه صحيح البخاري وبعض رسائل شيخ الاسلام ابن تيمية وبعض الكتب الفقهية، وأما العلماء الكبار الذين نهل الشيخ ابن عثيمين من علمهم فهم العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي وأمام أهل السنة عبدالعزيز بن باز والعلامة محمد الامين الشنقيطي صاحب تفسير أضواء البيان والشيخ علي بن حمد الصالحي والشيخ محمد بن عبدالعزيز المطوع والشيخ عبدالرحمن بن علي بن عودان والشيخ عبدالرحمن بن سليمان بن دامغ رحمة الله عليهم رحمة واسعة,
ولقد تميز رحمه الله في منهجه العلمي حيث أوضح مرارا وتكرارا انه يسير على منهج شيخه العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي الذي يتبنى كثيرا آراء شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ويرجحهما على المذهب الحنبلي فلم يكن عنده مجرد تجاه مذهب معين بل كان متجردا للحق وقد تميز رحمه الله بأن جمع بين العلم الغزير والدعوة الى الله عز وجل فقضى معظم أوقاته في التدريس في مسجده بعنيزة والتدريس في المسجد الحرام وإلقاء الكثير من المحاضرات والندوات العلمية وتنقل رحمه الله في انحاء المملكة للدعوة الى الله عز وجل بل فرغ نفسه لإلقاء الدروس عبر الهاتف لطلابه خارج المملكة والشيخ رحمه الله لديه طلاب من كافة الجنسيات وقد وضع لهم مساكن خاصة بهم واعاشتهم ولقد جاوزت مؤلفاته الخمسين حتى اصبح بيت كل مسلم لا يخلو من مؤلف او شريط له ولقد وضع له القبول لدى الخاصة والعامة ولقد سعدتُ بلقائه أكثر من مرة وجلست بجانبه لأكثر من مرة فلا تسل عن تواضعه في لباسه وطريقة حديثه ولا تسل عن بشاشته وطلاقة وجهه وحرصه وسؤاله عن العامة والخاصة, كان يفرح لنصرة الاسلام والمسلمين ويحزن ويتألم لما يلاقيه إخواننا المسلمون من صنوف العذاب، كان حريصا رحمه الله على تعليم السنة القولية والفعلية، كان رحمه الله يكره الحديث عن نفسه والمبالغة في المديح مرة تحدث أحد المقدمين لمحاضرته وقال: والشيخ ابن عثيمين غني عن التعريف,, فغضب الشيخ رحمه الله من هذه المقالة, كان رحمه الله عفيفا نقيا مرة, كان الملك خالد رحمه الله ضيفا على الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فأراد الملك ان يصنع له معروفا فأمر ببناء مسكن للشيخ رحمه الله فأشار الشيخ رحمه الله ان هناك بيتأ أشد احتياجا للبناء من بيته فدله على البيت فاذا هو الجامع الكبير بعنيزة فأمر الملك خالد رحمه الله ببناء الجامع, لقد بلغ من تقوى شيخ الاسلام ابن عثيمين ألا يستعمل من مرافق وأجهزة وضعتها الدولة الا فيما خصص له, كرس حياته لنشر العلم النافع بجميع وسائله حتى أصبح جبلاً في العلم وبحراً في الفقه أتى اليه طلاب العلم زرفات ووحدانا من كل اصقاع الأرض حتى دب فيه المرض الخطير مرض السرطان في احشائه رحمه الله فعانى منه وسافر إلى أمريكا للعلاج ولم يمنعه المرض من إلقاء المحاضرات حتى هناك ثم أدخل المستشفى التخصصي بالرياض قبل شهر رمضان فبلغ المرض منه مبلغاً عظيما وأثر على جسده ونصح بالعلاج الكيميائي فرفض ذلك وعندما أهل شهر رمضان رحل إلى مكة واعتكف في المسجد الحرام ومع شدة معاناته للمرض كان ما زال يلقي الفتاوى والتوجيهات عبر مكبر الصوت ثم أدخل المستشفى في جدة وكان رحمه الله ملازما ذكر الله وقراءة القرآن حتى دخل في غيبوبة عند الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم الاربعاء الخامس عشر من هذا الشهر وتوقف قلبه ونفسه في الساعة السادسة الا عشر دقائق قبل المغرب وفاضت روحه الطيبة الى بارئها ووقع الخبر على المسلمين وقوع الصاعقة فذرفت العيون وتقطعت الاحشاء حزناً والماً لفراقه وصلى عليه بالمسجد الحرام ودفن قريبا جداً من شيخه الامام عبدالعزيز بن باز رحمهما الله ورفع درجاتهما وأعظم اجورهما, حدثني من هناك من المسجد الحرام ان الذين صلوا عليه قرابة النصف مليون وان الذين شيعوا جنازته في المسجد الحرام الى مقبرة العدل على أرجلهم قرابة هذا العدد واغلقت الطرق المؤدية إلى المقبرة لكثرة المشيعين قدس الله روحه ونور الله ضريحه سيبكيك يا شيخنا مسجدك ستبكيك اروقة المسجد الحرام هناك سيبكيك يا شيخنا طلابك قبل أهليك، سيبكيك يا شيخنا نور على الدرب وسؤال على الهاتف.
الرجال والنساء والولدان يا شيخنا يبكونك الى جنة الفردس يا شيخنا مثواك عشت كريما في حياتك ومت شهيداً في مماتك.


وقبرت وجهك وانصرفت مودعاً
بأبي وأمي وجهك المقبورُ
وأرى ديارك بعد وجهك قفرة
والقبر منك روضة وسرور
فالناس كلهم لفقدك واحدٌ
في كل بيت رنةٌ وزفيرُ
عجبا لاربع أذرع في خمسة
في جوفها جبل أشم كبير

يا شيخنا ان القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك لمحزونون إنا لله وإنا اليه راجعون .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي تكفل بحفظ دينه فاختار لحفظ دينه اهلا وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له جعلنا خير امة منّة منه وفضلا وأشهد ان سيدنا ونبينا وقدوتنا محمد عبدالله ورسوله أكمل الناس ايمانا وخلقا، صلى الله عليه وعلى آله واصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا اما بعد:
أيها المؤمنون: لقد تصدعت قلوبنا لموت امام أهل السنة العلامة ابن باز ولحق به ثلة من العلماء الاخيار امثال العلامة عطية سالم وخليل مناع القطان والمحدث الكبير محمد ناصر الدين الالباني والفقيه البارع مصطفى الزرقا ولا يزال القلب متصدعاً حتى تفطر لموت شيخ الاسلام ابن عثيمين وحينما نفجع برحيلهم اذ نفجع لأن العلم يقبض بموت العالم كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا ينتزع العلم من صدور العلماء انتزاعا وانما يقبض العلم بموت العلماء فيتخذ الناس ائمة جهالاً فيضلون ويضلون.
ايها المؤمنون ان احق ما نعلم به اولادنا ونحضهم على دراسته والعناية به هو سير هؤلاء العلماء الربانيين الأفذاذ فدراسة سيرهم عبادة ودراسة علمهم ذكر وتسبيح ونشر علمهم جهاد والتأسي بهم خير زاد والتفقه في كتبهم قربى ورشاد ووقار وسداد, انه يتوجب علينا حمل لواء العلم الشرعي والعمل والدعوة اليه وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون اذا اردنا نجاة أنفسنا واردنا اللحاق بركب الأبرار فنعم الحياة هذه ونعم الممات على هذه علو في الحياة وعلو في الممات، أن الأمة حينما تفقد علماءها الربانيين,, الخلف الصالح لحمل الميراث النبوي حينها يكثر الجهل فيتخذ الناس أئمة جهالا ضلالا فيَضلون ويُضلون وهذا الخوف يساورنا عندما نفقد عالما من علماء الآخرة ولكن حينما ندرك ان الدين محفوظ بحفظ الله تنشرح صدورنا وتزداد هممنا في المسابقة لطلب العلم الذي هو علم كتاب الله, وسنة نبيه وخليله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى نحظى بشرف خدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فكم من ضال اهتدى على ايدي العلماء وكم من معضلة حلها العلماء وكم من فتنة صدها العلماء فالعلماء هم ورثة الأنبياء اذا خالط العلم سويداء قلوبهم استعذبوا في تبليغه كل شيء حتى قال شيخ الاسلام ابن تيمية وهو في السجن: ما يصنع أعدائي قتلي شهادة ونفيي سياحة وحبسي خلوة ان جنتي وبستاني في صدري اينما رحت فهي معي, أمثال هؤلاء العلماء نحذو حذوهم ونربي أجيالنا على سيرهم وننهل من علمهم ونتأسى بأخلاقهم هذه هي الحياة الحقة حينها تحفظ الأمة من الشرور والآفات وتحل الرحمات والبركات اللهم اغفر لعلمائنا الأحياء منهم والأموات واجبر كسرنا بفراق شيخنا شيخ الاسلام ابن عثيمين وسل مصابنا واخلف علينا بخير وألف بين قلوب علمائنا ودعاتنا واجعلهم من الراشدين واكفنا وإياهم كيد الأشرار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
القاضي بالمحكمة الكبرى في عرعر
وإمام وخطيب الجامع الكبير بعرعر
أحمد بن ناصر الخضيري

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved