أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 19th January,2001 العدد:10340الطبعةالاولـي الجمعة 24 ,شوال 1421

العالم اليوم

الأمن الآسيوي في القرن الحادي والعشرين
جاسوانت سينغ *
حيث إننا نقف على عتبة القرن الحادي والعشرين، ومع انقضاء القرن الحالي ليأتي دور الالفية ماذا علينا نحن في قارة آسيا ان نعمل فإما ان نظل مكتوفين، والتشبث بالماضي أو مواكبة التغيرات ونصبح المهندسين لقدرنا, من الضروري ان نمشي في طريق المواكبة, يعيش ما نسبته 55% من البشر في قارة آسيا ومساحتها نصف مساحة الكرة الأرضية، وهي غنية بمصادر الطاقة الطبيعية وبها كنز من المواصفات الحضارية لا يضاهيه شيء آخر, وهل تذهب تلك الثروة الانسانية هدراً أو يتاح لها ان تزدهر؟
في آسيا الباسيفيك نجد حضور معظم اللاعبين الرئيسيين من الدول كالولايات المتحدة الامريكية وروسيا وجمهورية الصين الشعبية واليابان والهند,, بينما الاتحاد الاوروبي الذي يوصف علىانه لاعب رئيسي آخر هو اللاعب الوحيد الذي لا ينتمي الى القارة الآسيوية من الناحية الجغرافية الا ان له روابط وثيقة جدا بالنسبة للتاريخ والتجارة، وهذا مما جعل العلاقات ما بين الدول الرئيسية في آسيا المحور الذي يدول حوله النظام الامني العالمي.
ففي الوقت الحاضر هناك شعور بالاستقرار والامان في القارتين الامريكتين الشمالية والجنوبية وفي افريقيا ايضا بالرغم من مشاكلها, وبالطبع بالنسبة لاوروبا وبصرف النظر عما شاهدناه في دول البلقان وما جربته في القرن العشرين تحركت الآن باتجاه ايجاد عملة مشتركة، وهذا التوجه ليس فقط مشاركة في الناحية النقدية ولكنه اول تعبير عن الوحدة السياسية.
اما في الجهة الاخرى فالوضع اكثر تدهورا في آسيا حيث مازالت هناك تهديدات عسكرية تقليدية للامن اضافة الى تهديدات غير عسكرية المتمثلة في قرصنة البحار والارهاب المزمن وانتشار الاصولية الاسلحة الصغيرة والتغيرات الديموغرافية، هي من ضمن بعض القلاقل الاخرى التي تزداد يوما بعد يوم في آسيا, وهناك قضايا تشغل بال دول آسيا خلال العقود القادمة كالوضع في الخليج وتحديات التضامن ما بين جمهوريات آسيا الوسطى ومضامين تلك التطورات فيما يتعلق بهجرة السكان وامن الطاقة وغيرها من القضايا.
هناك عودة تاريخية للوراء فالارتباطات الخارجية للقوى الرئيسية في قارة آسيا خلفت وراءها تأثيراتها كما شاهدنا ذلك في منتصف القرن الماضي, ومن بين تلك القوى ارتباط الولايات المتحدة الامريكية والتنافس الصيني السوفييتي وتسوية المطالبات البحرية والدور الذي لعبته اليابان، كل ذلك يشكل جزءاً من تاريخنا الحديث, اما بالنسبة لارتباطات الهند فكانت كلها مختلفة من حيث النوعية حيث إن لها ارتباطات حضارية تطورت من خلال العلاقات البحرية والمعتقدات والديانات التي لها جذور في الهند انتقلت وأنبتت جذوراً جديدة في دول أخرى.
وكانت ارتباطات تعاونية مثمرة ليس كما هو الحال في اماكن اخرى, ومن خلال سياساتنا السلمية،تسعى الهند مرة أخرى لتقوية روابطها التقليدية بتطوير التعاون في مجال التجارة والاقتصاد.
ماهو نوع اطار العمل الامني الذي يجب ان ينشأ في آسيا؟ بكل وضوح يجب ايجاد اطار غير مبني على التحالفات العسكرية مع الاخذ في الاعتبار تنوع دول آسيا, يمكن للاعبين الرئيسيين من الدول اقامة علاقات خاصة بهم حتى في غياب اي اطار عمل ولكن النموذج الذي يساعد اكثر كثيرا هو ضمان ان يكون لكل دولة من الدول غير الدول الكبيرة ومساحة اراضيها اصغر صوت بنفس القدر وان تستفيد من الامن الجماعي, وفي هذا الاتجاه والسياق، اشير الى المنتدى، الإقليمي الآسيوي ومنطقة جنوب شرق آسيا لكون الهند عضواً في هذا المنتدى فهي تساهم في عملية بناء ثقة اكبر واستقرار في المنطقة، كما ان المبادرات الاخرى التي اطلقتها بعض دول آسيا الوسطى تعتبر ايضا جهوداً تظل الهند مرتبطة بها.
هناك ابعاد للامن الآسيوي في القرن الحادي والعشرين تركز على ناحيتين فقط.
احداهما تقرير مجلس الامن في الامم المتحدة الذي صدر في عام 1992م الذي يوضح انه منذ انشاء الامم المتحدة في عم 1945م هناك ما يزيد عن مائة حالة من النزاعات الكبيرة حدثت في العالم خلفت وراءها مقتل حوالي 20 مليون انسان، وهذا العدد اكثر كثيرا مما خلفته الحربان العالميتان في هذا القرن, وقد سجل برنامج تسوية المنازعات بمركز كارتر وتقرير الحروب في العالم الذي صدر في عام 1995 1996م حدوث حوالي 30 نزاعاً مسلحاً في خمسة وعشرين مكاناً وذلك خلال السنوات الثلاث الماضية منها تسعة نزاعات مسلحة في آسيا.
نجد طبقا للتقرير ان هناك عدداً كبيراً من تلك النزاعات المسلحة الثلاثين مازالت قائمة منذ عام 1945م او بعد ذلك التاريخ, الامن الآسيوي يستلزم التركيز على النواحي الأخرى من العنف, ان اطول الحروب وربما اكثرها وحشية في هذا القرن بما في ذلك تلك الحروب التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية كانت في آسيا, وان الحالة الوحيدة التي حصل فيها استخدام الأسلحة النووية كانت في آسيا, وقد ابلغتني بعض المصادر ان هناك ثلاثين حالة في آسيا من بين سبع واربعين حالة على شكل تهديد باستخدام الاسلحة النووية اقلقت دول آسيا, وهناك بعض الدول في آسيا تملك اسلحة نووية.
عندما ننظر الى وضع آسيا ومقارنته مع وضع القارات الاخرى كما اسلفت بشكل موجز جدا في البداية، نجد ان امريكا واوروبا تحركتا باتجاه اقامة شراكة سلم مع الاعداء السابقين، اما في آسيا فقط نحارب على استحياء لإقامة نموذج تعاون اوسع على الرغم من انه قد تم وضع اطارات تعاونية اقليمية لبعض الوقت, نحتاج لكي نعرف لماذا ذلك، وهل هناك بالامكان وضع اطار عمل جديد للامن الآسيوي خلال السنوات القادمة, اذا ما استطعنا القيام بذلك في جو اقتصادي، وتوزعنا الى مجموعات كدول آسيوية، دول ابيك ودول مجلس التعاون الخليجي ودول جنوب آسيا، وغيرها وهي جميعها عبارة عن امثلة في بناء اطار عمل تعاوني وجعل الدول تعمل مع بعضها البعض، ولماذا لا نستطيع القيام بذلك ضمن اطار امني اوسع؟
لقد ابلغتنا الحكمة التقليدية انه ليس من الممكن التفكير في اطار عمل امني مشترك لقارة آسيا بسبب تنوع دول المنطقة وانا اقر ان هذا التنوع فقط هو الذي يدفعنا الى ضرورة العمل معا، انه من الممكن والمرغوب فيه التفكير من اجل ايجاد اطار عمل آسيوي على الأقل في مجالين مهمين الاول يتمثل فيه اقامة وحدة استراتيجية على اساس ان القوة العسكرية لكل دولة من الدول الكبيرة في آسيا تعتمد على امن الآخر, وكل دولة من تلك الدول الكبيرة في آسيا محاطة بعدد كبير من الجيران مما يجعل من الضروري اقامة نموذج امني يعزز التعاون بدلا من زيادة التوتر والتنافس, وهذا يقودني الى النقطة الثانية والتي تتضمن ان هناك مجموعة من الابعاد غير العسكرية بالنسبة لعملية الامن بما في ذلك عناصر الطاقة والبيئة والجريمة وغير ذلك من العناصر، وهي تؤثر على كل واحد وعلى جميع دول آسيا تقريبا لذا نأمل ان يكون هناك تعاون وقد أثبتت الكوارث الاقتصادية التي حصلت مؤخرا في دول شرق آسيا ان الاستقلال الداخلي في مجال التجارة والاقتصاد يعادل الامن الوطني.
للنظر لحظة الى حقيقة ان اثنتين من بين ثلاث مناطق التي تنتج مخدرات موجودة في آسيا وهذا وحده يستوجب ان يكون هناك تعاون ما بين الدول، اعتقد ان مسار المستقبل يعتمد على التعاون فيما بين الدول فسياسات القطبية أو الحصرية على جهة أو مجموعة والتي اتبعت في السابق قد أفسدت مجالات التعاون.
هناك اعتقاد شائع ان آسيا لا تستطيع التعاون نظرا لتنوعها وفي رأيي ان ذلك هو اعتقاد خاطئ من اساسه وقد اصبح التعاون عبر القارات ضرورة ملحة بالنسبة لنا في آسيا اكثر بكثير، مما هو في اماكن اخرى كيف نعطي ذلك شكلاً من اشكال الاستمرارية القابل للتطبيق فيما يتعلق بالمجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والامنية؟ هذا يحتاج لأن نكون جادين في هذا الموضوع فهناك احتمالات ايجاد انظمة دفاعية غير هجومية واتخاذ موقف عقلاني في العقود القادمة وهذا يستلزم ان يكون ذلك جزءاً من التحول الواسع في اعادة تشكيل الاطار الأمني الى بيئة تعاون مشتركة ومفيدة.
تم وضع تلك الملاحظات من قبل الدكتور/ جاسوانت سينغ في نهاية المؤتمر حول الامن الآسيوي في القرن الحادي والعشرين والذي عقد بمدينة نيودلهي في شهر يناير 1999م .
* وزير خارجية الهند

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved