أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 21st January,2001 العدد:10342الطبعةالاولـي الأحد 26 ,شوال 1421

مقـالات

نوافذ
الانفصام
أميمة الخميس
بعد المقال الأخير الذي نشرته الأسبوع الماضي حول صدام حسين ووصفته بالقط الذي يحاكي صولة الأسد، وصلني عبر بريدي الإلكتروني بعض من ردود الفعل الغاضبة والتي كان من الممكن أن أتجاوزها لسوقية أسلوبها وسطحية انفعالاتها، ولكن رأيت أن من واجبي توضيح بعض النقاط التي تفوت على البعض من البسطاء والعامة والذين يرون المشهد السياسي بصورة متقطعة ومشتتة ومنفلتة عن السياق العام.
فمن المعروف أن التعريف الأولي للشخصية الانفصامية والمصابة بما يُسمى بالشيزوفرنيا هي عجزها عن التعامل مع الأمور بصورة تسلسلية تعتمد على المنطق الموضوعي والاستنتاج، بل تتعامل مع الحوادث ككتل متراصَّة متجاورة دون أن يكون بينها رابط أو صلة، وهو تماماً ما نستطيع أن نطبقه على بعض الشرائح التي ما زالت ترى في صدام حسين بطلاً قومياً ضرب إسرائيل وتصدى لأمريكا,, إلخ من المعزوفة التي تبثها كل ليلة الفضائية العراقية، ولا تستطيع أن ترى الكوارث التي صنعها صدام حسين في شعبه، ذلك الشعب العريق الذي كان يتوارث حضارات شتى ويعيد إنتاجها بتفوق وإبهار، حكم صدام حلَّ عليه كالطاعون وحوله إلى مجموعة من الخائفين والجياع والمشردين في أصقاع الأرض، لذا يجب أن يتم الفصل وبوضوح بين شخص هذا الطاغية والشعب المنكوب، وإن كان صدام يتبجح بأنه قد تصدى لأمريكا وتحدّاها، فهو ولسنوات بسيطة كان رجلها الأول في المنطقة، وهو الفزّاعة التي رفعت في وجه المد الإسلامي إبان الثورة الإيرانية المهددة للمصالح الأمريكية في المنطقة.
يقول نعوم تشومسكي في كتابه الغزو مستمر، منشورات دار المدى وترجمة مي النبهان، ص 157 أما المثال الأغنى بالدروس، فهو صدام حسين، الصديق المحبوب والشريك التجاري للغرب، رغم أسوأ فظائعه، فعندما كان جدار برلين يتهاوى عام 1989، تدخل البيت الأبيض رغم اعتراض وزارتي الخزانة والتجارة إلا أن وزارة الخارجية أصرَّت وشرحت ذلك بقولها: إن العراق شديد الأهمية لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وذو أثر في عملية السلام ومفتاح لحفظ الاستقرار في المنطقة، ويقدم فرصاً تجارية كبيرة للشركات الأمريكية وكما هي العادة دائماً، لم تكن جرائم صدام حسين في ذلك الوقت بذات أهمية، إلى أن ارتكب جريمة العصيان، فرفضت أمريكا كل خيارات السلام ودمرته على جميع المستويات ولم يبق منه إلا فزَّاعة تخيف من يسيء الأدب ويعلن العصيان.
انتهى كلام تشومسكي، ولقد رأيت أن أستشهد به هنا، لأنه يبدو من المؤلم أن شعارات صدام المهلهلة ما برحت تجد أذناً صاغية عن البسطاء والعامة من خلال شيزوفرانيا جماعية لا تستطيع أن تربط الأحداث في سياق تاريخي واحد، وإلا لما قالت الممثلة رغدا مثلاً، بطفولية ساذجة إنها تقدر صدام، لأنه أول من ضرب إسرائيل بالصواريخ، على كل حال تلك الضربة جعلت الكونجرس الأمريكي يوقع على منح إسرائيل أقوى نظام دفاعي واستطلاعي في المنطقة ولكن عدم النضج السياسي والفكري في بعض من الشرائح حتى تلك المحسوبة على اليسار لا بد أن تقوده إلى هذه الاستنتاجات العجيبة,,, !!
e-mail:omaimakhamis@yahoo.com

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved