أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 21st January,2001 العدد:10342الطبعةالاولـي الأحد 26 ,شوال 1421

مقـالات

المنهج الفقهي العام ومصطلحات علماء الحنابلة
ابراهيم بن عبدالله السماري
الحياة الانسانية منذ فجر التاريخ تمثل مجتمعاً انسانياً واحداً نشأ ثم نما وشب وازدهر حتى وصل الى ريعان فتوته نضجاً ووعياً وادراكاً، وقد ارتبطت حياة المجتمع الانساني في اطواره كلها منذ النشأة الاولى إلى ان صار يافعا بالنبوات، فكان الهدي السماوي غذاءه الذي يمده بخصائص الانسانية المهتدية المؤمنة بالله خالقها.
وفي ضوء هذه الحقيقة البازغة شمسها يمكن القول: انه اتضح ان حياة الناس لا تستقيم وتفلح، وان سلوكهم لا يصح ويرشد بدون الدين الصحيح، وان الدين الصحيح لا تتضح حقائقه وتتألق مقاصده الا بفقه سديد.
كما يكن القول: ان الانسان انما عرف الدين الصحيح عن طريق النبوات التي اوصلت اليه الفقه الصحيح بالدين كما قال الله سبحانه وتعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون سورة التوبة: الآية 122 .
وروى الامام البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب العلم عن حَمَيد بن عبدالرحمن سمعت معاوية خطيباً يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين .
ثم انتقل الفقه بعد الانبياء والرسل الى الناس عن طريق ورثتهم من العلماء، روى الامام الترمذي رحمه الله في سننه عن ابي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ان العلماء ورثة الانبياء وان الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً انما ورثوا العلم فمن اخذ به اخذ بحظ وافر .
ويمكن القول بعد ذلك: ان هذا الفقه ما وصل الى الناس الا وفق اصول صحيحة راسخة.
هذه الاصول الصحيحة الجامعة هي الاساس الذي يقوم عليه المنهج وما حوله من مصطلحات فقهية.
والفقه الحنبلي واحد من اهم المذاهب الفقهية الاسلامية التي تعتمد على الدليل، لما عرف من حرص الامام احمد رحمه الله على تصيد الادلة الشرعية الصحيحة التي يبني عليها مسائله الفقهية، وكذلك لكثرة العلماء الذين التزموا منهجه وألفوا أمهات الكتب لبيان مسائله، وهذا سبب مهم من اسباب انتشار المذهب الحنبلي في الآفاق.
ومن هنا تظهر أهمية معرفة المنهج الفقهي العام لعلماء هذا المذهب ومصطلحاتهم في مؤلفاتهم، وهو ما عُني به معالي الاستاذ الدكتور عبدالملك بن عبدالله بن دهيش في كتابه الموسوم: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة ومصطلحاتهم في مؤلفاتهم والذي صدرت طبعته الأولى عام 1421ه عن دار خضر للنشر والتوزيع في بيروت.
يقع كتاب معالي الدكتور ابن دهيش في ستمائة وست وستين صفحة بدأه بتمهيد عن تعريف الفقه ونشأته وتطوره عبر الحقب التاريخية المختلفة منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم الى العصر الحاضر، مبيناً طبيعة الفقه في كل عصر وعمل الفقهاء، وما شهده الفقه من ازدهار او اضمحلال ونحو ذلك.
مشيراً في ثنايا حديثه الى السمات العامة للفقه في كل عصر، وما يتطلبه واقع الناس وحاجتهم منه في انفسهم وفي معاملاتهم، والكيفيات التي يمكن ان يُنظَر الى فقه كل عصر من خلالها.
وخصص المؤلف الباب الاول للحديث عن الامام احمد بن حنبل رحمه الله ونشأة المذهب الحنبلي وتطوره عبر خمسة فصول تحدث فيها عن الامام احمد من حيث سيرته الذاتية وشيوخه وتلاميذه ومشاربه العلمية ولاسيما ما يتعلق منها بالجانب الفقهي وكيفية استنباطه لمسائله الفقهية وموادره الشرعية في ذلك، والتزامه بمنهج السلف الصالح ليس في الفقه فحسب بل وفي العقيدة كذلك، ذاكرا جملة من آرائه في مسائل العقيدة.
كما تكلم عن نشأة المذهب الحنبلي وما تميز به، وانتشاره، والمراحل التي مر بها من حيث التدوين، وذكر عدة اسباب لتأخر انتشار المذهب مقارنة بالمذاهب الفقهية الاخرى، واشار الى عدد من اشهر علماء الحنابلة ومجتهدي المذهب، وذكر صورا من جهود الاتباع في خدمة مذهب الامام احمد بن حنبل ومنهجهم في ذلك.
وعقد المؤلف الباب الثاني لمصلطحات الفقه الحنبلي في اربعة فصول، مبينا مصطلحات الامام احمد في ألفاظه مشيرا الى تقسيم هذه الالفاظ الى اربعة اقسام مبينا حكم كل قسم وفهم الأصحاب للمراد منها.
ومبينا مصلطحات الأصحاب في ألفاظهم والمقصود منه، ثم ذكر المؤلف ثلاثة وتسعين من مشاهير النقلة عن الامام احمد وترجم لكل واحد منهم باختصار، وبين بتفيصل جميل وواضح اسباب تعدد الروايات عن الامام احمد وعمل الاصحاب في هذا التعدد شارحا الاسس التي وضعوها لمعالجة هذا التعدد في ضوء المنهج العام للامام احمد.
وجاء الباب الثالث مبينا اصول المذهب عبر فصلين، اما اولهما فعن اصول مذهب الامام احمد والاصحاب من بعده مفصلا الحديث عن ثلاثة عشر اصلا ومبرزا اهتمام الامام احمد بالنص من القرآن الكريم ومن صحيح السنة النبوية الشريفة حتى عرف عنه أنه لم يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب.
وبين المؤلف أن الامام احمد كان يأخذ بتفسير الصحابة والتابعين للقرآن والسنة، ويأخذ بتفاوى الصحابة وهم أحب اليه من غيرهم لانهم اقرب للوحي وللرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك سار الاصحاب.
كما اشار المؤلف الى موقف الامام احمد من الاخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف وبين المقصود بالمرسل والضعيف في اصول مذهب الامام احمد، فأزال شبهة قد تعلق بنفوس من قلت بضاعتهم من العلم عند النظر في اصول المذهب دون ادراك للمقصود الصحيح منها.
واما الفصل الثاني فتحدث فيه عن كتب اصول الفقه من حيث التطور التاريخي لتدوين اصول الفقه الحنبلي، ومستعرضاً اهم الكتب الاصولية الحنبلية، واهم علماء اصول الفقه الحنابلة، وموضحاً منهج عدد من اولئك في كتبهم.
واختص الباب الرابع بالحديث عن منهج المذهب ومؤلفيه وكتبه في خمسة فصول، مبيناً المنهج الفقهي للحنابلة ومنهج عدد من اهم كتب المذهب، ومعرفاً بمؤلفي المذهب في الفقه، مترجماً لمئتين وسبعة وثلاثين علماً في الماضي والحاضر، بدأهم بالامام الخلال رحمه الله، وختمهم بسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، مركزاً على المفيد من سيرهم، وسرد مؤلفاتهم التي خدموا بها الفقه الحنبلي، ويلحظ ان تراجمه اقتصرت على من توفي من المعاصرين، دون الاحياء لان البحث سيتشعب لو ترجم للكل.
ثم ذكر مجموعة من كتب المذهب على اساس النوع، خاتماً الباب بمسرد عام لكتب الحنابلة.
وقد بلغ مجموع ما اشار اليه المؤلف في كتابه من كتب الحنابلة الفاً وسبعة وسبعين كتاباً، منها مائة واربعون كتاباً في اصول الفقه، وتسعة وعشرون كتاباً من المتون، وثلاثون كتاباً من الشروح، وثلاثون كتاباً من التعليقات والحواشي، وعشرون كتاباً من المختصرات، وعشرة كتب من النظم، وأحد عشر كتاباً من كتب تراجم الحنابلة، وثمانمائة وسبعة كتب من الكتب الفقهية العامة.
وقد ألحق المؤلف بكتابه قائمة شجرية جميلة تبين مراحل تطور اهم كتب الفقه الحنبلي بحسب تاريخ وفاة مؤلفيها، لا ريب انها استغرقت جهداً بدنياً وذهنياً، راسماً من خلال القائمة الشجرية الروابط بين المتن وما يوجد من شروحه ومختصراته وتلخيصه ونظمه وحواشيه وتعليقاته ونحو ذلك.
وهذه القائمة الشجرية فوق فائدتها العلمية الواضحة تعد ذات مظهر تشويقي جذاب يسهل عملية استيعاب مراحل تطور اهم كتب المذهب ويساعد على رسوخها في ذهن القارئ، مع تيسير استحضار العلاقة بين الكتاب وما طرأ عليه من شروح وتعليقات وتلخيص واختصار ونحو ذلك.
وتظهر اهمية هذه القائمة بشكل اوضح عند استعراض تلك الكتب التي حظيت بعناية علمية متميزة مثل: مختصر الخرقي للخرقي، والعمدة والمقنع والكافي لابن قدامة، والمحرر للمجد ابن تيمية، والاقناع وزاد المستقنع للحجاوي، ومنتهى الارادات لابن النجار الفتوحي، والروض المربع للبهوتي.
ان كتاب المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة ومصطلحاتهم في مؤلفاتهم يعد بحق اضافة علمية مهمة للمكتبة الفقهية عموماً وللفقه الحنبلي خصوصاً، لما تميز به من تنوع المادة وثرائها، فهو في جانب يؤصل المنهج العام للفقه الحنبلي، وفي جانب آخر يقدم تراجم ضافية لأهم الكتب وأهم العلماء في هذا المذهب، كما انه في جانب ثالث يستعرض تطور الفقه الحنبلي ومؤلفاته المتنوعة بحسب تخصصات العلوم الفقهية منذ نشأة هذا المذهب الى عصرنا الحاضر، مما يعطيه اهمية خاصة وشمولاً اكبر.
يضاف الى ذلك كله تلك الحواشي المفيدة التي طرز بها المؤلف كتابه، مشيراً فيها الى الطبعات المختلفة لكتب الفقه الحنبلي، وما حظيت به من شروح ومختصرات وتحقيق ودراسة، والتنبيه الى مظانها، ليفتح بذلك آفاقاً معرفية واسعة امام القارئ للإطلالة بإجلال على المذهب الحنبلي، من خلال تلك الجهود العلمية الرائعة من علمائه عبر العصور المختلفة.
مع حرص المؤلف في حواشي الكتاب على تخريج الآيات القرآنية الكريمة والاحاديث الشريفة والنصوص المنقولة، والاشارة بتوسع الى مظان تراجم الاعلام، ليسهل رجوع القارئ لها فيها.
ختماً للقيل يكن القول بعدل: ان كتاب المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة ومصطلحاتهم في مؤلفاتهم لمؤلفه معالي الاستاذ الدكتور عبدالملك بن دهيش جاء تتويجاً لجهوده في خدمة الفقه الحنبلي من خلال مؤلفاته وتحقيقاته المتعددة والمتنوعة في مجال تخصصه العلمي والعملي وهو الفقه الحنبلي، وهي جهود تستحق منا الثناء والدعاء بأن يكلل الله عز وجل مساعيه بالنجاح، فكم يفرحنا كثيراً عندما نرى كتاباً من امهات الكتب الفقهية يُظهِره الى النور تحقيق علمي رصين كما هو المعهود من معاليه.
هذا وبالله التوفيق

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved