أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 26th January,2001 العدد:10347الطبعةالاولـي الجمعة 1 ,ذو القعدة 1421

الاخيــرة

دوافع النوازع
ابن زيدون المتغزل
عندما أقرأ لابن زيدون قصيدة أو رسالة أو حتى بيتا من الشعر فكأنما أرتشفها لأول مرة، لأن لابن زيدون مسلكاً في شعره ورسائله وأسلوب حياته مسلكاً بز به غيره، وعلى لعبه به على نظرائه تلاعب بالألفاظ كيفما شاء وكأنما هي باقة ورد يختار منها أجملها بهاء، وأكثرها نظارة، ويغوص الى المعاني كما لو كان في بطن غواصة من انتاج هذا العصر وفي مسلكه السياسي وطموحه ما يجعله فريد عصره، رغم انه وجد عناء غير يسير لقاء هذا الطموح.
ولأني قد كتبت الكثير فلن أكرر ما كررت في الحديث عنه، ولكن العاشق يحلو له ان يتحدث عن معشوقه بين الفينة والأخرى, وطالما ان الحديث عن العشق فقد قال ابن زيدون في الغزل قصائد رائعة بث من خلالها أشواقه وأفراحه وأتراحه وأحزانه ومواجعه، كما استهل بالعذل جل مدائحه, وقد عدل وبهت، وأحسن وأساء الى من يحب لكنه لم يكن قط فاحشا في شعره مثل بشار بن برد، أو أبو نواس أو ابراهيم بن سهل ومن منا لم يسمع أو يقرأ قصيدته المشهورة بل هي أشهر قصائده:


أضحى التنائي بديلا عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا

الى ان قال:


ان الزمان الذي ما زال يضحكنا
أنسا بقربكم، قد عاد يبكينا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغص، فقال الدهر آمينا
ليسق عهدكم عهد السرور فما
كنتم لأرواحنا الا رياحينا

ثم قال بعضا من الأبيات التي أفصح بها عن محبوبته ذائعة الصيت ولادة بنت المستكفي الحاكم الأندلسي، حتى وان لم يسمها باسمها فقصصه معها مشهورة لاسيما انها كانت عاشقة للشعر والشعراء، وكان ابن زيدون أحد الذين يترددون على مجلسها, فقال ابن زيدون:


يا ساري البرق عاد القصر وأسق به
من كان صرف الهوى والود يسقينا
ما ضر ان لم نكن اكفاءه شرفا
وفي المودة كاف من تكافينا
لسنا نسميك اجلالا وتكرمة
وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا

وقد تجاوز ابن زيدون حدوده في ضرب محبوبته لكن هذه المحبوبة ولاشك ليست ولادة فقال:


ان يكن نالتك بالضرب يدي
وأصابتك بما لم أرد
فلقد كنت لعمري فاديا
لك بالمال وبعض الولد
فثقي مني بعهد ثابت
وضمير خالص المعتقد
ولئن ساءك يوم فأعلمي
ان سينوله سرور بغد

لكنه في بعض الأحاديث يتجاوز الحشمة لكنه لا يبلغ الفحش فها هو يقول:


أهدي الي بقية السواك
لا تظهري بخلا بعود أراك
فلعل نفسي ان ينفس ساعة
عنها بتقبيل المقبل فاك
يا كوكبا بارى سناه سناءه
وهي القصور به على الأفلاك

وكان ابن زيدون يستهل قصائده بالتشبب بمحبوبته كما هي عادة العرب قديما، غير انه في هذا الاستهلال الغزلي كثيرا ما يكون أكثر ابداعا منه في صلب القصيدة وقد يكون مرد ذلك الى البون بين المشاعر في الحالتين فهو في الغزل طالب حب وفي المديح بالغ شأو.
وكثيرا ما أقنع ابن زيدون نفسه بانه قد محض الهوى لغادر أو صدق الوصال بقاطع، فكال العتاب له حتى لو جانب الحقيقة فيما قاده اعتقاده اليه، وهو كثيرا ما يحاول تجنب ذكر اسم من يعينه، وما يبرح ان ينجلي ذلك بين ثنايا البارات أو يبرز بين الهمسات.


ودع الصبر محب ودعك
ذائع من سره ما استودعك
يا أخا البدر سناء وسنا
حفظ الله زمانا أطلعك
ان يطل، بعدك ليلي، فلكم
بت أشكو قصر الليل معك

هكذا كان ابن زيدون علما من اعلام الشعر والنثر والسياسة.
سقطت على يده دول وقامت دول أخرى، كما هوت في فؤاده أهواء الغواني، فساق الشعر عذبا سلسا امتع به جمعاً غير قليل عبر العصور.
د, محمد بن عبدالرحمن البشر

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved