أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 31th January,2001 العدد:10352الطبعةالاولـي الاربعاء 6 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

الخطاب الإسلامي المعاصر
علي الصباح
لاشك ان للتطورات المتلاحقة في شتى مجالات العلوم التكنولوجية والإنسانية ولا سيما في مجال ثورة الاتصالات والمعلومات أثرا بارزا على القضايا التي كانت تشكل من زاوية ثقافية واجتماعية في الثقافات الاجتماعية التقليدية، الثوابت الفكرية والقيم الاجتماعية واللون الثقافي الثابت، الذي لا يمكن ان يفضي إلى تطورات قد تتجاوز ما هو مألوف ومعتاد في هذه الثقافة وفي قيمها التاريخية والاجتماعية، من هنا شكلت هذه التطورات المتلاحقة أساساً ثقافياً وفكرياً مختلفاً وذلك عبر خلخلة تلك المزاجيات النفسية والفكرية والثقافية في العقل والوجدان الاجتماعي لتلك الثقافات وهذا ما ينسجم ويعبر دائماً عن تراكمية التطورات العقلية والانسانية وعن نزوع الإنسان لمواكبة كل ما هو جديد سواء على الصعيد المادي أو الإيديولوجي، لأن الجمود وقبول نتائج محددة وافتراضها السقف النهائي لأقصى ما يمكن ان يصل إليه الإنسان وينجز فيه تطوراته، يجعل الحياة تفقد متعتها وبالتالي تنشل قدرة الإنسان على الابتكار والإبداع، من هنا كان مشروعاً للإنسان ان يعبر عن موقفه من هذه التطورات ويشكل خلفيته الثقافية مستفيداً من إنتاج مشتركاته الاجتماعية والثقافية وإعادة تأسيسها في بنية الثقافة المحلية والعالمية، بحيث تجعل منه طرفا مشاركا ومنتجا لخطاب الثقافة وصانعا لبعض جوانب الحضارة المعاصرة بما يراه من نتائج ومعطيات أولية في تكوينه الثقافي وفي إطار حركة الثقافة الإنسانية ككل واحد يجسد الجانب المشترك التي أفضت إليه التطورات العالمية.
ولاشك أن الخطاب الثقافي الإسلامي هو معني كغيره من الخطابات بهذه التطورات وما أحدثته من تغييرات مهمة طالت حتى تلك الثوابت والأساسات الفكرية والحضارية اليوم للإنسان، بغض النظر عن توجهاته الإيديولوجية والثقافية وانتماءاته الاجتماعية والإنسانية، هذه حقيقة لا ينبغي التغاضي عنها بأي حال من الأحوال، فالمسألة أصبحت خارج الجدل التقليدي وما يحيله دائماً في تلك الثنائيات كالأصالة والحداثة وما شابه ذلك، التي أصبحت كالتقليد الفكري والثقافي الثابت عند إجراء الدراسات والبحوث الإيديولوجية والفلسفية.
من هنا لا تهدف الدعوة إلى قراءة الخطاب الإسلامي في ظل هذه المعطيات والمستجدات إلى فرض مرجعيات فكرية بديلة أو لإزاحة الحقيقة الدينية وإنما للتأكيد على دور الإسلام كحركة ثقافية واجتماعية قادرة على أخذ زمام المبادرة في إعادة تشكيل النسقيات الثقافية والمعرفية في بنية الثقافة الاجتماعية في ظل هذه الاستقطابات والتحديات التي تلقي بظلها اليوم على الثقافة كواقع إنساني متجاوز لتلك الاشتراطات والقيود الاجتماعية والثقافية التقليدية التي كانت شبه مسلمة في الفكر التقليدي في الثقافات الاجتماعية التي لا تعيش في موقع هذه المرحلة المتقدمة اليوم, فقراءة الخطاب الإسلامي من منطلق هذه الرؤية تجعل من مهمة القراءة مهمة تنصب على اكتشاف مجال دور الخطاب الإسلامي فيما لو اعيدت قراءته في إطار فضاء التحولات الاجتماعية والثقافية والانطلاق من ضرورة المواكبة للمستجدات التي تحتاج إلى إعادة تأسيس نسقي في بنية الثقافة الاجتماعية، إذاً الغرض من قراءة الخطاب الديني ليس لاستبعاد مفاهيم والعدول عنها إلى مفاهيم أخرى والتعامل مع الحقائق الكبرى على أنها باتت حقائق نسبية وينبغي تفتيتها كحقائق مطلقة أو التمرد على الكليات والثوابت الفكرية كما هو الحال في مسلك بعض التوجهات الفكرية التي تنطلق من منهج فكري ومعرفي وأيديولوجي مغاير، وإنما تفعيل هذا الخطاب وتأسيس قدرته على التطور الاجتماعي وذلك من خلال استحداث آليات قراءة فاعلة تساهم في خلق فهم مشترك يطال بنيته الثقافية وبنية الواقع الاجتماعي من خلال تبني موقف واضح ينعكس:
أولاً: في إجراء مراجعة نقدية جادة تخرج الثقافة والعقل الاجتماعي مع حالة الركود والجمود.
ثانياً: تبني منهج بحثي متطور لا يرتكز على مقررات درسية وكلامية وفلسفية لا تنسجم والعقلانية التي كان يدعو لها الإسلام ويتبناها في خطابه الذي شكل ركيزة لكل التطورات التاريخية والاجتماعية والعلمية التي عرفها على سبيل المثال العصر الوسيط, حيث ان خطاب الثقافة كواقع إنساني واجتماعي متحرك يحتاج إلى مراجعة أي بمعنى تجديد مبانيه وأساساته الفكرية التي تشكل قدرة العقل على الانتاج والإبداع والابتكار العلمي والثقافي والحضاري ومحاولة تأسيس استراتيجية فكرية تكسر المحرمات البحثية والاجتماعية التي تعيق تطور العقل والثقافة وتجعل من محاولة التجديد والمواكبة ماهي إلا وفق تقاليد وأنساق ثقافية محددة تجعل من سقف التطور محدود وغير ممكن تجاوزه، في الوقت الذي تعد تلك المحرمات البحثية هي نتائج وليست قواعد في أصل الخطاب الثقافي الإسلامي، وإنما تكونت كقراءة اجتهادية شكلت تراكما شديد التركيز في بنية ثقافية يغيب فيها الإمكان النسبي، بحيث تصبح في الأعم الأغلب مطلقات معرفية وفكرية يصعب على من يريد التجديد من منطلقها في حال التزم بمبادئها ومقرراتها المنهجية، ان يستطيع أو يدعي انه قادر على إفراز مجالات متطورة يستخلصها من ركيزة هذه الأساسات التي تفترض طرقا ومحرمات معينة لطريقة التجديد والتغيير وممارسة خطاب المعرفة والتقدم العلمي والاجتماعي وفق هذه التقاليد الموروثة حتى على مستوى البحث العلمي والثقافي والوجداني والاجتماعي.
وهنا يجب التفريق بين الخطاب الثقافي الإسلامي كمتن إلهي وبنية غنية بالرمز والدلالة العلمية والثقافية والإنسانية وكسياق عقلاني وما أحرزه من حركة اجتماعية أرست المعالم الأولى للتفكير وطرق الاستدلال العامة وبين مجمل التوجهات المتدينة التي تتخذ من أصل ذلك الخطاب منطلقاً لها ولفعلها الثقافي والاجتماعي، فلا ملازمة بينهما بحيث تصبح تلك التوجهات تساوي مطلقاً هذا الخطاب والعكس يكون، ان هذه الاشكالية هي أحد المعوقات الحقيقية والتي تتمثل في الربط الإيديولوجي الذي لا يجعل منطقة إمكانية لإنتاج أفضل لذلك الخطاب ورصد أروقة فكرية وثقافية جديدة تعزز قدرته على العطاء، والاستمرار في إطار إنجاز مرحلة تمثل إيبيستمولوجياً قطيعة تنتهي معها وتتقلص فيها تلك العلاقات الفكرية والثقافية والوجدانية والإنسانية التي جاءت نتيجة لدوافع إيديولوجية ورواسب النشأة والصراعات التاريخية والاجتماعية,
ثالثاً: تبني استراتيجية علمية لإعادة الاعتبار لبنية التفكير العقلانية التي كانت وراء التقدم العلمي والحضاري التي عرفها عصر النهضة والتنوير الإسلامي، والتي كان لها الأثر البارز في نهضة الغرب المعاصرة عندما استحضرها كبنية إنسانية في مشروعه النهضوي، حيث يشعر ان من يتتبع السياق التاريخي للخطاب الإسلامي في حركته العلمية والثقافية، يرى ان هناك انقطاعا وعدم اتصال بين تلك المراحل التي ازدهر فيها العقل الإسلامي في شتى مجالات المعرفة المختلفة وبين بقية المراحل التالية التي شكلت فترات جمود وانحطاط حضاري بالقياس مع ما كان عليه في تلك الفترات الحضارية، ولعل السبب في ذلك ان القيود والمحرمات الدينية والاجتماعية لم تكن لتشكل سياجاً على العقل وحركته الإبداعية، وان نسبية التفكير وحرية البحث العلمي والثقافي كانت من سمات ذلك العقل ولهذا ساعد كل ذلك على نضوج التجربة الحضارية واستطاعت الحركة العلمية والثقافية والاجتماعية من الاستفادة من كل المعطيات الحضارية والانسانية في ظل عقلية الانفتاح المدروس والمبني على روح الإبداع والتجديد والابتكار وخلق استقلالية علمية قوامها حرية البحث وتأسيس عقل اركلوجي يمارس مهمة خلخلة البنى النصية والنفوذ إلى أقصى إمكانات النص الأفهومية وإعادة استثمارها بما ينسجم والاساسات العقلية والحضارية في خطاب الثقافة العربي الإسلامي، وليس المقصود من خلخلة النص تدميره أو تجاوزه وإزاحته وبالتالي الانتقال إلى عملية تأسيس جديدة للنص تشكل حالة مغايرة ومفارقة تماماً لبنيته الأولى، بل تهدف هذه العملية إلى جعل النص في علاقة منتجة مستمرة بحيث لا تستنفذه تفسيرات جاهزة أو تختزله عند حدود وقدرات يجمد عليها، نتيجة لتطويعه لدوافع إيديولوجية بغرض الإبقاء على أوضاع فكرية واجتماعية معينة أو المحافظة على سلطة ثقافية همها الأول والأخير ان تبقى متربعة على الشأن الاجتماعي والثقافي دون ان تكترث بقضايا التجديد والوعي العلمي والمعرفي، من هنا يقتضي فهم النص أن يتحرر الفهم من رواسب المعرفة التقليدية، والمقصود بالتقليدية تلك الطرق العلمية والأساليب في فهم النص وتناوله، وما وضعته من أسيجة وموانع أمام العقل التي جعلته يجمد على تقاليدها, مع أن القرآن الكريم فيه وبه ومنه يمكننا أن نصوغ الخطاب الإسلامي المعاصر .

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved