أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 2nd February,2001 العدد:10354الطبعةالاولـي الجمعة 8 ,ذو القعدة 1421

الثقافية

شهادات
تقنيات الكتابة
سعد الله ونوس
أنا ككاتب لدي رؤيتي للحياة، وأنا طبعا أراقب ما يحصل يوميا وأحياناً لا أريد أن أبرهن عن شيء محدد عبر الكتابة وإنما أريد أن أعبر عن رؤيتي هذه, تكلمنا كثيرا عن اللعب واللعب بالمفهوم المسرحي هو وسيلة من وسائل تعرية الواقع, مثلا بالنسبة لفكرة مسرحية المقهى الزجاجي اتذكر اني كنت فترة انظر الى الناس في مقهى الهافانا في دمشق، وكانوا دوما هم ذاتهم، في الوضعية نفسها,, وقد عبرت عن هذا الاحساس بالتكرار في بناء المسرحية.
في عامي 1964 1965 عندما اقمت في دمشق لاول مرة، وبدأت اتعرف على الاوساط الثقافية فيها التقيت بشخص منفاخ بشكل غير معقول، لا نكاد نفتح موضوع نقاش الا ويتلقفه ويحوله الى أنا كان يكرر برأيي وأنا ,, عبر مراقبة هذا الشخص بدأت تتكون لدي صورة، وشعرت يومها ان شخصا مثل هذا لا يمكن ان يكشفه الا شخص آخر خبيث وسليط اللسان، فيه شيء من الاستخفاف من هنا ظهرت فكرة مسرحية لعبة الدبابيس نمت الفكرة قليلا وتطورت واصبحت مسرحية.
هذه النماذج الانسانية يمكن ان تكون وجوها اجتماعية او نماذج سياسية او صورة لنوع من القيادات, هناك نوع من الناس يعيش على حساب التصفيق لهؤلاء وهم يجبرون هذا البهلوان على تنفيس المنفاخ الآخر الذي سبقه وهكذا دواليك, وهم سعداء بهذا الوضع, وبهذا المعنى فان مسرحيتي لعبة الدبابيس تعود وتتكرر في الملك هو الملك .
وهناك نقطتان اود ان اطرحهما : اولا انا لا اتخيل ان هناك كاتبا يمكن ان يكتب دون فكرة مسبقة في ذهنه, ولكن شرط ان نعطي الفكرة المسبقة دلالات واسعة واكثر هذه الدلالات فقرا هي ان تكون هناك اطروحة يبني الكاتب عمله للبرهنة عليها, وفي هذه الحالة فاننا ازاء مسرح الاطروحة كما تجلت عند غابرييل مارسيل الوجودي المسيحي او الرواية الاخلاقية كما عرفت في القرن التاسع عشر, ان الفكرة المسبقة حين تتسع لتضم هواجس الكاتب ومخاوفه والافكار المتسلطة عليه ورؤيته للعالم والانسان، فاننا نعود في هذه الحالة الى الوضعية الخصبة والرحبة التي تجعل حياة الكاتب توقعا متواصلا لهذه اللحظة المذهلة، التي تتقاطع فيها شرارة خارجية مع بعض افكار الكاتب وهواجسه فتتشكل الخميرة الاولى للعمل القادم, والشرارة ليست مهمة بذاتها كما قلت سابقا وانما تضيئه من مشاغلي الداخلية.
اما النقطة الثانية فهي اني احاول عبر ما سميته الحدوتة ان احافظ على مرجعية تساعد المتلقي على قراءة العمل وتعميم ما ينطوي عليه من هواجس ومخاوف ذاتية, نعم اني اخلق عالما روائيا ومتخيلا في المقهى الزجاجي وسواها لكن هذا العمل الروائي والمتخيل يتكىء على عالم واقعي يجعل التواصل بين القارىء وهذا العمل ممكنا, ولعله يضاعف احساسه بالهواجس التي تشغل الكاتب وفي النهاية ما فائدة ان نقدم هواجسنا ووساوسنا اذا لم تكن هناك جسور فنية تساعد القارىء على التماهي والتعاطف والفهم.
عندما غمرتنا ترجمات النصوص الروائية لكتّاب امريكا اللاتينية وتحولت الفانتازيا الى شبه موضة حاول ان يتسربل بها عدد من الكتّاب العرب كان من السهل ان نكتشف عندها، عبر هذه الاعمال، ان هذا التخيل وهذه الغرائبية مصطنعان لا ينبعان من سياق الكاتب والموضوع والبيئة، كما هو الامر عند كتاب امريكا اللاتينية.
-بتصرف عن مجلة الكرمل -

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved