أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 3rd February,2001 العدد:10355الطبعةالاولـي السبت 9 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

آفاق وأنفاق
نوح الحمام (3)
د,محمد العيد الخطراوي
الحمام أجناس وأنواع كغيره من الحيوانات والطيور، فمنه الوحشي والأهلي، قال الجاحظ (الحيوان 3/144): وكل طائر يعرف بالنّواح، وبحسن الصوت، والهديل، والدعاء، والترجيع، فهو حمام، منها: القمري، والدُّبسي، والوَرَشان، والفواخت، وغيرها.
قال أبو الفتح كشاجم في القمري:


لهفي على القمريّ لهفاً دائماً
يكوي الحشا بجوىً كلذع النار
لون الغمامة لونُه، ومناسبُ
في خَلقه: الأقلام، بالمنقار

ومما جاء في الورشان قول أبي بكر الصنوبري:


أنا في نزهتين من بستاني
حين أخلو به، ومن وَرَشان
طائرُ قلب من يغنيه أولى
منه عند الغناء بالطيران
مُسمِعُ يودع المسامع ماشا
ءت، وما لم تشأ من الألحان
في رداء من سوسن وقميص
زَرّرته عليه تَشرِينان
قد تغشَّى لون السماء قَراهُ
وتراءى في جيده الفرقدان

(تشرينان: مثنى تشرين الشهر المعروف, قراه: ظهره).
وقال أبو هلال العسكري في الفاختة:


مررت بمطراب الغداة كأنها
تُعلّ من الإشراق راحاً مفلفلا
منمَّرةٍ، كدراءَ، تحسب أنها
تجلِّل من جلد السحاب مُفَصَّلا
بدت تجتلي للعين طوقاً مُمَسَّكا
وطرفا كما ترنو الغزالة اكحلا
لها ذَنَب وافي الجوانب مثلما
تُقَشِّر طلعاً أو تجرد منصلا
اذا حلّقت في الجو خلت جناحها
يرد صفيراً، أو يحرك جُلجُلا

(منمرة: من قولهم نمرت الشيء، أي لونته بلون النمر، المنصل: السيف الجُلجُل: الجرس الصغير).
ومما جاء في نوح الحمام قول بكر بن النطاح من شعراء الدولة العباسية، عاش في عهد هارون الرشيد:


إذا شئت غنّتني ببغداد قينة
وان شئت غنّاني الحمام المطوق
لباس الحسام أو ازار معصفر
ودرع حديد، أو قميص مُخلَّق

(المخلق: المطيب بالخلوق) وقال حميد بن ثور الهلالي:


رقود الضحى، لا تعرف الجيرة القصا
ولا الجيرة الادنين إلا تجشعا
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة
دعت ساق حر، ترحة وترنما
مطوقة، خطباء، تصدح كلما
دنا الصيف، وانجاب الربيع فأنجما

(الخطباء: هي التي فيها خطبة، اي سواد وبياض، انجم: (أقلع وتولى).


ثم قال بعد ذكر طوقها:
إذا شئت غنتني بأجزاع بيشة
أو القل من تثليث أو بيلملما
عجبت لها، أنى يكون غناؤها
فصيحاً، ولم تفغر بمنطقها فما
ولم أر محزوناً له مثل صوتها
ولا عربياً شاقه صوت أعجما

وقال عبدالله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، حين طلق زوجته عاتكة:


فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها
ولا مثلها في غير جرم تطلق
أعاتك لا أنساك ما هبت الصبا
وما ناح قمري الحمام المطوق

وقال أحد الشعراء (الحيوان 3/49):


لم أعطها بيدي، إذ بت ارشفها
إلا تطاول غصن الجيد للجيد
كما تطاعم في خضراء ناعمة
مطوقان أصاخاً بعد تغريد

(عطا الشيء يعطوه: أي أخذه وتناوله، خضراء: يقصد هنا الأيكة أو الشجرة، الناعمة: الخضراء النضرة، المطوقان: حمامتان مطوقتان).
وكما أعجب الشعراء بأصوات الحمام فوصفوه، واستثمروا ذلك الاعجاب فنياً، وناجوه وتغنوا به، فإنهم أعجبوا أيضاً بألوان الحمائم، وبسرعة حركاتها وجمال طيرانها في الجو، ومن ذلك قول الشاعر الأندلسي: عبدالواحد بن فتوح:


يجتاب أودية السحاب بخافق
كالبرق أومض في السحاب فأبرقا
لو سابق الريح الجنوب لغاية
يوماً لجاءك مثلها أو أسبقا
يستقرب الأرض البسيطة مذهبا
والأفق ذا السقف الرفيعة مرتقى
ويظل يسترق السماء بخافق
في الجو تحسبه الشهاب المخرقا
يبدو فيعجب من رآه لحسنه
وتكاد آية عنقه ان تنطقا
مترقرقاً من حيث درت كأنما
لبس الزجاجة، أو تجلبب زئبقا

وقد نجح هذا الشاعر في رصد الصورة الحركية، وعبر عن شدة صعود هذا الطائر في الجو، وضم إلى ذلك طلاوة اللون وترقرقه في عيون الناظرين، واختار له الزجاج والزئبق مثلاً.
ولابن المقفع في كتابه كليلة ودمنة قصة بعنوان: الحمامة المطوقة تحث على التعاون وتصور الوفاء، وتندد بالغدر والخيانة، وينطلق صوت الفنان الراحل طلال مداح، وعمر كدرس:


حمام جانا من الطايف
صنعاني وما لو ولايف

فتغني الجماهير معهما، وترقص على نغمات ذلك اللحن الشعبي، المتعمق في وجدان الجماهير.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved