أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 7th February,2001 العدد:10359الطبعةالاولـي الاربعاء 13 ,ذو القعدة 1421

الاخيــرة

فخ التنوير
درج طائفة من المثقفين العرب في خطابهم وكتابهم على ترديد كلمة (التنوير) للتعبير عن أفكارهم وآرائهم المخالفة للسائد، وهي كلمة اصطلح الغربيون عليها في وصف الحركة الفكرية التي ازدهرت في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي، رافعة لواء التسامح مع الآراء المخالفة للرأي السائد، وبخاصة ما يتعلق منها بالمعتقد الديني، داعية الى حرية التعبير عن الفكر والرأي.
وفي أعقاب الحملة الفرنسية على مصر، تأثر العرب بهجمة الاستعمار وصدمة الحضارة,, وفي مناهل الثقافة الأوروبية كانت بدايات التأثر، حيث اتصل اوائل المبتعثين العرب بالفكر الأوروبي وانصهروا في بوتقة الثقافة الغربية، وكوّنوا عقولهم على منطق الاعجاب، وأفئدتهم على هوى التبعية، وعادوا الى بلادهم ينادون بما كان ينادي به أنصار التنوير في أوروبا قبل قرن من الزمان، ابتداءً من طه حسين وأحمد لطفي السيد ولويس عوض وانطون سعادة وإسماعيل مظهر وسلامة موسى وزكي نجيب محمود، وصولا الى نصر حامد أبو زيد ومحمود أمين العالم وفؤاد زكريا.
فهؤلاء وأمثالهم يرون التمرد على القديم فيه مصلحة المجتمع ونهوضه، ويحتفون بكل من يتجرأ على التراث الديني والاجتماعي بالتهكم والنقد، وكانت النتيجة ان تأثر بهذا الفكر فئة من الشباب الغر في عدد من الأقطار العربية ممن يستهويهم الاختلاف والخروج على المألوف، فتتلمذوا على أفكارهم، وأخذوا عنهم.
فلما كانت الحصانة التأسيسية ضعيفة لدى هؤلاء الشباب حولتهم الى متلقين بدون وعي أو تمحيص لثقافة الآخر، وبالتالي تكونت لديهم حالة من ازدواج الشخصية الثقافية، فصارت تظهر عليهم في صور التمرد على الذات وعلى المجتمع وعلى القيم والثوابت، والتحول من المعروف والمألوف الى المنكر والمجهول، ومن القوي المتماسك الى الهزيل المتفكك ومن السنة والاتباع الى المخالفة والابتداع، تتلمس في ذلك طريقا للوصول الى حالة من الاستقرار، ولكن هيهات، لأنها ضلت الطريق السوي، وحاولت ان تبني من الضلال جسرا، لتصل الغرب بالشرق، بنظرة ضيقة، تحاول تحويل الاتجاه بإدراك أو بدون ادراك الى النموذج الغربي، نظرة ترى في الموروث الديني والعقدي عائقا دون الهرولة نحو الانفلات العصري، ومواكبة الصراعات الحداثية المنحلة في جاهلية العصر، نظرة تحاول عبثا زعزعة الثوابت والنيل من الرموز الشامخة للعلم الشرعي علّها تجد متنفسا تبث من خلاله سمومها لتلوث الصفاء الروحي بالتحريض على قلب المفاهيم والخروج عن المألوف ودفع المجتمع الى الانصهار بالقالب الغربي، واستخدام الاساليب المختلفة، ومنابر التأثير الاعلامية والثقافية المتنوعة، مع تأطير ذلك أحيانا بالشعارات الدينية، واظهار الغيرة الكاذبة للوصول الى الهدف المنشود بأسلوب (مكيافيللي) حتى دلالة المفردات لم تسلم من الانقلاب عليها، فالنور اصبح ظلاما، والدين تحول الى عادات وتقاليد، والدعوة الى الفضيلة والمحافظة عليها أمست رجعية.
وتناسوا ان الدين الاسلامي لم يقف ضد الحياة والعلم، بل كان سباقا في الدعوة الى العلم والفكر والتدبر، ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا ترزح في ظلمات الجهل والتخلف في عصورها الوسطى (العصور المظلمة) كانت الحضارة الاسلامية في الاندلس مركز اشعاع علمي في مختلف الميادين: في الفكر والطب والفلك والصيدلة والجراحة والكيمياء والأدب.
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .
د, فهد بن إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم
أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved