أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 9th February,2001 العدد:10361الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,ذو القعدة 1421

أفاق اسلامية

الطلاق قضية اجتماعية خطيرة ومشكلة أسرية كبيرة,,!!
* الجزيرة - خاص:
حذّر فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب الحرم المكي الشريف وعضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة من كثرة الطلاق في هذه الأزمنة وانتشاره انتشاراً رهيباً ينذر بأشد الخطر على البيوت وتساهل الناس بالتلفظ به حتى عند أتفه الأسباب، حتى ان الألسنة لاكته كثيراً بسبب وبلا سبب وإن تعجبوا فعجب صنيع أقوام بهذه القضية حتى حولوها إلى ممازحات وألاعيب وأعاجيب عم الخطب ودوت نداءات وصيحات الإنذار وارتفعت احصاءات الطلاق في المجتمع وعلت نسبه وأرقامه بشكل ينذر بعواقب وخيمة, مؤكداً فضيلته بأنه لم تزل هذه القضية مصدر قلق لكثير من الناس فإذا اكتوى أحدهم بنارها واصطلى بلظاها هرع إلى المفتين والقضاة يسألهم مخرجاً, إن بعضهم ليلجأ إلى حيل وأكاذيب في سبيل الوصول إلى بغيته حتى أشغل العلماء عن قضاياهم الأهم وقد اثقلت كواهل القضاة في المحاكم بجموع غفيرة ومعاملات كثيرة في هذه القضايا.
ووصف الشيخ عبدالرحمن السديس في حديثه لالجزيرة أن هذه المشكلة الاجتماعية وهي مشكلة الطلاق بأنها قضية اجتماعية خطيرة ومشكلة أسرية كبيرة تتجلى في ظواهر مريرة وتبرز في حالات كثيرة تسود أرجاء المجتمعات وتهدد كثيراً من الأسر والبيوتات، مشيراً إلى أنها فرقت جموعاً وأذرفت دموعاً وشتت أسراً وصدعت منازل وأطفأت شموعاً وقوضت بناء وأحدثت عناء وأورثت شقاء وأيمت نساء وضيعت أبناء، كما أن هذه الظاهرة كانت سبباً في إحداث فتن ومشكلات وإذكاء محن ومعضلات وكانت أيضاً سبباً وراء إحن وخصومات وسلماً لتفشي القطيعة والمنازعات وقد هددت حياة كثير من الأفراد والأسر وحولتها إلى جحيم لا يطاق.
وبين فضيلة إمام الحرم المكي الشريف أنه من نتائج تفشي هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة كثرة ما يرد إلى المعنيين بهذا الأمر من قضاة ومفتين من المكالمات الهاتفية واعداد المراجعين والمراجعات في هذه الأمور وسيول المعاملات وعقد الجلسات منبهاً إلى أن قضية الطلاق شريعة محكمة لا أهواء محكمة وأنها حد من حدود الله التي حدها ونهى عن تعديها مستشهداً بقوله تعالى (وتلك حدود الله ومن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً)، وقوله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدى حدود الله فأولئك هم الظالمون).
الزواج للبقاء لا للفناء!
وأكد الشيخ السديس أن الطلاق آية من آيات الله لابد من معرفتها والحذر من الاستهزاء بها (ولا تتخذوا آيات الله هزواً واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم)، موضحاً فضيلته أن الإسلام شرع علاقة الزواج لتبقى لا لتفنى، ولتدوم لا لتنقطع ولينشأ الوفاق ويزول الشقاق، كما أن الإسلام منح الأسرة من الضمانات وأرسى لها من الدعائم ما يكفل لها الاستقرار والثبات واحترم عقدة النكاح واطلق عليها لفظ الميثاق الغليظ، واعتبر رابطة الزواج من أقوى العقود وعهده من آكد العهود، مؤكداً فضيلته أن الشريعة الإسلامية لم تترك الأمر بين الزوجين سدى تتحكم فيهم الأهواء ويسيرون في حياتهم الزوجية على غير هدى، بل حدد الحقوق والواجبات ووزع الوظائف والمسؤوليات على حسب القدرات والإمكانات ومراعاة الطبائع والنفسيات، وكل ذلك بأسلوب عادل حكيم وبقسطاس مستقيم مستمد من قوله سبحانه (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم)، موضحاً أن الإسلام أوصى أن تسود بيت الزوجية علاقات المودة والرحمة وأن ترفرف عليه رايات الحنان والإشفاق وتلوح عليه أعلام الإحسان والوفاق وأمر بالمعاشرة بالمعروف والمعاملة بالحسنى (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)، وقال صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة - أي لا يبغض - إن كره منها خلقاً رضي منها آخر).
معرفة طبيعة النساء!
كما أكد إمام الحرم المكي الشريف على أنه لابد للرجال من معرفة طبيعة النساء، وما خلقن له وجبلن عليه، وأنه لما كان بعض الرجال قد يطلب المثالية في المرأة بعيداً عن الواقعية، أرشد الإسلام إلى مرعاة هذا الجانب، أخرج البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج ,î.
وشدد فضيلته على أن الإسلام حرص على حماية الإسرة أن يتسلل إليها أهل التخبيب ودعاة التأليب، وأرباب التخريب من كل بعيد أو قريب، وسد الباب دون التدخل في شؤون الزوجين إلا بنية الإصلاح، قال عليه الصلاة والسلام: لليس منا من خبب امرأة على زوجها أي أفسدها عليه مفيداً أنه على الرغم مما وضعه الإسلام من أسس لبناء الأسرة وحمايتها، فإن من شأن البشر الخطأ، ومن طبيعتهم التقصير، فقد تعصف بالأسرة عواصف الشقاق والخلاف، لأنه قلما يتفق الزوجان ويتطابقان من كل الوجوه، لكن التفاوت بين الزوجين لا يضرهما ما تعاشرا بالمعروف، وتعاملا بالحلم والصبر والتحمل، وأكرم كل صاحبه، واطرح الهوى ورغبات النفس جانباً, منبهاً إلى أن الذي يهدد كيان الأسرة تتبع الهفوات، وتقصي العثرات، وتلمس السقطات، وتضخيم المشكلات, وتساءل فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس: ما الذي يجب اتخاذه من قبل الزوجين عند حصول الشقاق والنزاع؟ هل الطلاق أول العلاج كما يعمد إليه بعض المتعجلين الذين لا ينظرون إلى العواقب؟ هل الطلاق من السهولة، بحيث يتخذه قليلو الصبر، ضعاف التحمل، وسيلة أولى لحسم الخلاف؟ وأجاب أن الإسلام أرشدنا إلى المنهج الحق عند حدوث النشوز بين الطرفين، ووضع لذلك وسائل علاجية لا تخفق أبداً، ومتى ما صفت السريرة وحسنت النية، يقول عز وجل: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) لالنساء/34 (وإن مرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير) لالنساء/128, وأردف فضيلته في هذا السياق إذا استحكم النزاع واستدام، فقد شرع الإسلام التدخل للإصلاح بتحكيم الحكمين، ويتأكد ذلك على أهل الزوجين قال سبحانه (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا اصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً).
تساؤلات مهمة,,!
وطرح فضيلته جملة من الأسئلة حيث تساءل: هل قام الزوجان بالحقوق والواجبات؟ وإذا حصل النزاع فهل عملا بمنهج الإسلام لعلاج ذلك؟ هل سعيا للإصلاح؟ أين أهل الصلح من الأهل والأقارب؟ أين تحكيم الحكمين؟ إن ذلك في عداد الأمور المهجورة, مبيناً أنه إذا أمكن الوفاق فلا يجوز للمرأة الإقدام على فصم عرى الزوجية بطلب الطلاق، يقول صلى الله عليه وسلم: لأيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة للكن إذا تعذر الوفاق، وتحولت الحياة إلى جحيم لا يطاق، ولم تعمل أسباب العلاج ووسائل الإصلاح عملها في القلوب فقد قال سبحانه: (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيما) لالنساء/130
وأكد الشيخ السديس أن الطلاق إذا لم يكن لأسباب شرعية فهو عبث لا يقره الدين، وتخريب لا تعمر به الحياة قائلاً: أين الذين يفكرون في العواقب، ما ذنب الأولاد والأطفال؟ وما جريرة الضعفاء والضعيفات، والأبرياء والبريئات؟ ولقد ورد لأن أبغض الحلال إلى الله الطلاق فليعلم كل من أقدم على الطلاق أو فكر فيه؛ أن الطلاق من الأمور العظيمة التي يفرح لها الشيطان، ويبعث من أجلها جنوده، وكفى بذلك تحذيراً منه وتنفيراً، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن إبليس يرسل سراياه لفتنة الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة، فيجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول له: ما صنعت شيئاً، ويجي الآخر فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول له: نعم أنت، نعم أنت .
وعن أهم أسباب الطلاق ذكر الشيخ السديس أن منها: عدم قيام كل من الزوجين بواجباته تجاه الآخر، والتقصير في المعاشرة بالحسنى، وسوء الخلق، وضعف الوازع، وقلة الصبر والتحمل، وطلب المثالية ووجود الفوارق بين الزوجين، والاستجابة لداعي الهوى والغضب، وعدم التحكم في النفس وضبط الأعصاب، والتدخل من بعض الأفراد خارج نطاق الأسرة ممن لا يهمهم الأمر للتحريش بين الزوجين، كما أن منها: عدم الالتزام بمنهج الإسلام عند حدوث أي خلاف، والتقصير في الإصلاح والتحكيم وغير ذلك.
نصائح للأزواج والزوجات
ووجه إمام الحرم المكي الشريف نصيحة إلى الزوجات بأن يتقين الله في أزواجهن، ولا تكن إحداهن سبباً في استفزاز زوجها، وإثارة أعصابه وأمرهن أن يقمن بحقوق الأزواج والبيوت والأولاد مبيناً أن المرأة الموفقة هي التي تكسب زوجها، وتمتص غضبه، تعرف حقوقه، لا من تشعل النار، وتزيد الطين بلة.
كما نصح الأزواج بأن يتقوا الله ويصونوا علاقاتهم عن الخلافات والمنازعات، إن كانوا يريدون سعادتهم في دنياهم وأخراهم, قائلاً يا من دب النزاع بينهما، احتكموا إلى دينكم وإسلامكم، ففيه القضاء على أسباب الخلاف وحسم النزاع من مبدئه، واقتلاع الشر من جذوره.
وحث فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس الجميع بالتفقه في الدين موضحاً أن للطلاق أحكاماً يجب معرفتها على كل مواقع له، فلا يجوز للمطلق أن يطلق كيفما شاء، بل لابد من منهج شرعي في ذلك ومن ملامحه: أن يطلق الرجل زوجته بإحسان قال تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) لالبقرة/ 229، والطلاق نوعان: طلاق سني وطلاق بدعي، فالطلاق السني هو الذي يجب التزامه عند إيقاع الطلاق، وذلك: بأن يطلق الرجل امرأته طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، وطلاق البدعة: أن يطلقها أكثر من طلقة دفعة واحدة، أو يقول: أنت طالق ثلاثاً، أو يطلقها وهي حائض، أو يطلقها في طهر قد جامعها فيه، موضحاً أن فاعل ذلك آثم مرتكب أمراً محرماً وتساءل فهل التزم المطلقون بهذه الأحكام؟ وهل فقهوا أحكام الطلاق؟!.
ونبه فضيلته على مسألة كثر الوقوع فيها، وهو طلاق الثلاث، أخرج النسائي عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام عليه الصلاة والسلام غضبان ثم قال: لأيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله؟.
كما استدل فضيلته برجل جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما قد طلق امرأته ثلاثاً فسأله فسكت مغضباً، ثم قال: (ينطلق أحدكم فيركب الحماقة ثم يقول: يا ابن عباس، والله يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) لالطلاق: 2, وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجاً عصيت ربك وبانت منك امرأتك)، وجاءه رجل قد طلق امرأته ألفاً، فقال: (أتتخذ آيات الله هزواً؟ يكفيك من ذلك ثلاث).
وشدد الشيخ السديس على عدم الاستعجال في أمور الطلاق فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً, مبيناً أن لهذه الظاهرة علاجاً فلابد أن يكون للعلماء والوجهاء في كل حي ومدينة، وأسرة وقبيلة، جهوداً في علاج المشكلات الزوجية، عن طريق لجان إصلاح موثوقة من أهل الخير والفضل في المجتمع يلجأ إليها كل من واجهته مشكلة كهذه، وبذلك تقل المشكلات بإذن الله, واختتم الشيخ عبدالرحمن السديس إمام الحرم المكي الشريف حديثه بنصيحة لعموم المسلمين قال فيها: إن من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله حاله، وأصلح زوجه، وأصلح أسرته وأولاده وقد قال سبحانه في سياق آيات الطلاق: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) لالطلاق : 2 (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً).

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved