أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 9th February,2001 العدد:10361الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,ذو القعدة 1421

الاخيــرة

دوافع النوازع
الناس والمال
أدلى الناس بدلائهم حول المال وما زالوا وسيظلون، واختلفوا حوله من حيث طرائق جمعه وأساليب انفاقه، كما تباينوا حول النظر إليه ومدى الاهتمام به، وأجهدوا قرائحهم في الذود عنه أو السخط عليه، وظل صامتا لا يعبأ بما يقال حوله، وكأنما هو جبل لا يحركه سوى ثوران بركان لا ينال سوى بصيص من قمته.
وجسد بعض الشعراء المال في شعرهم وكأنه السيد المطاع الذي يتبعه القوم أينما حل وسار، ورأوا فيه منارا تتكسر عليه الكرامات الانسانية والقيم والأخلاق، وأظهروا ذلك التوافق العجيب بين النساء وحب المال وربطوا حبهّن للرجال بمقدار ما يحصلن عليه من مال.
فها هو الشافعي يقول


وأنطقت الدراهم بعد صمت
أناساً طالما كانوا نكوسا
فما عطفوا على أحد بفضل
ولا عرفوا بمكرمة يبوسا

أو القصيدة المشهورة لأبي العيناء:


إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن اراد فصاحة
وهي السلاح لمن اراد قتالا

أو لقولهم


ولو لبس الحمار ثياب خز
لقال الناس يالك من حمار
أو لقول الشاعر في النساء:
فإن تسألوني عن النساء فإنني
خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله
فليس له في حبهن نصيب
يردن ثراء المال حيث وجدنه
وشرخ الشباب عندهن عجيب

هذا رأي من الآراء في المال، والبعض قد يرى غير ذلك فيرى أن المال مصدر شقاء، وموضع عتاب من صديق أراد مساعدة فلم ينلها، أو قريب أراد صلة فلم يجزها، كما رأوا أنه قد يصرف المرء عن الآخرة.
قال الشاعر:


يا نفس ما هي إلا صبر ايام
كأن مدتها أضغاث أحلام
يا نفس جوزي عن الدنيا مبادرة
وخلّ عنها فإن النفس قدامي

وقال الآخر:


ألا إنما التقوى هي العز والكرم
وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقي نقيصة
إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

وقال آخر:


زيادة المرء في دنياه نقصان
وربحه غير محض الخير خسران
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
أتطلب الربح فيما فيه خسران

وقال آخر:


هي الدنيا تساق إليك عفواً
أليس مصير ذاك إلى الزوال
وما دنياك إلا مثل ظل
أظلك ثم آذن بالزوال

ومن الناس من يرى أن جمع المال ليس سوى أداة لتأليف الناس وكسب ودهم ولذا فهو ينفقه في أوجه الخير والعمل الصالح، لا يرى فيه إلا سبيل رشاد، وما هو إلا عارية مستعارة تنتقل عبر الأجيال لينتفع بها بنو البشر، فترى صاحب هذا الرأي لا يقف عند حد، فيغيث الملهوف، ويصل الرحم، ويجبر كسر الكسير، ويجير من استجار به، ويتلمس حاجة الناس، وآمالهم، ويسد رمق المعوز، ويرفع شأن ذوي النهى, ينفق على العلم، انفاقه على زوجه وولده، فتراه محبوبا من الناس حابا لهم، يألفهم ويألفونه، ويودهم ويودونه، كل له محب، وكل به فخور، يأنس بالغادي والرائح، بابه مفتوح ومائدته لا يفارقها قريب أوصديق.
قال الشاعر:


من جاد بالمال مال الناس قاطبة
إليه والمال للإنسان فتان

وقال آخر:


رأيت الناس قد مالوا
إلى من عنده مال

مال الناس إليه وأعطاهم لأن لديه المال فأعطى، ولو أنه بخل واستغنى، لمال الناس عنه حتى وإن كثر معينه.


إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
من كان يألفهم في المنزل الخشن

قال بشار بن برد:


يسقط الطير حيث ينتثر الحب
وتغشى منازل الكهرباء

وقال آخر:


ذهاب المال في حمد وأجر
ذهاب لا يقال له ذهاب

وما أحسب المال إلا أداة فاعلة في هذه الدنيا الفانية، فمن رأى أنه غاية ومنتهى المنى، فقد طوق نفسه بنطاقه، وقيد نفسه بحباله، وسيعيش مطوقا مقيدا، لا يرى سوى ما تحت قدمه، حبيس ذاته بماله، ومن رأى أنه ليس سوى وسيلة لبلوغ مكارم الأخلاق، عاش عيشة كريمة وأفاد واستفاد ونال غايته من الحب والسعادة.
فاختر لنفسك ما ترى، وحسبك ميتاً وهم ميتون.
د, محمد بن عبدالرحمن البشر

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved