أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 9th February,2001 العدد:10361الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,ذو القعدة 1421

عزيزتـي الجزيرة

وغاب الطبيب
مضى غير مذموم، وأصبح ذكره حلي القوافي بين راث ومادح جُبلت النفوس على التأثر المؤلم حينما يغيب عنها غال، او علم من الاخيار غياب ابدي سواء رحيل العلماء وأفذاذ الرجال والكرماء، والاطباء البارزين او غيرهم من الاعضاء المخلصين العاملين في اوطانهم او الممثلين لبلادهم خارجها، وفي مجالات اصلاح ذات البين,, ففي عصر يوم الثلاثاء 12/11/1421ه ودعت محافظة حريملاء علما بارزاً من اعلام الطب الشعبي المشهور بالاخلاص والنجاح في هذا المجال انه الخال: الشيخ محمد بن ناصر العمراني الذي رحل عنا الى دار المقام بعد ان استوفى نصيبه من ايام الحياة المسطرة بجبينه قبل خروجه الى الدنيا، وكان هو واسرته منذ احقاب السنين مشهورين بكرم الضيافة، وكفالة الايتام، والإحسان الى المساكين، وقد ترعرع في احضان والده ناصر الذي تولى الإمارة في حريملاء آنذاك المشهور بالحنكة وقوة الشخصية، وفي آخر حياته استغل جل وقته في تلاوة القرآن الكريم، والنظر في الكتب المفيدة من كتب السنة المطهرة وكتب السير، وقد ساعد على ذلك ماوهبه الله من سلامة العيون وحدة البصر رغم تقادمه في العمر الذي تخطى الهنيدة ببضع سنوات، وقد اشتهر بالمهارة في الطب الشعبي، وقوة الفراسة والتبصر في تشخيص كثير من الامراض وخاصة امراض العيون، وعرق النسا، وبعض الامراض الباطنية التي تبدو باصفرار بياض العيون، وتلون البول باللون الاحمر كإنذار مبكر ، وكذلك مايسمى بالعنكبوت، ومايسمى ايضاً بالنفرة او الحبة فهو يبادر بالكي في بعض مواضع جسم الانسان حسب تشخيص ونوعية المرض مع وصفة وتأكيده بالحمية وتحديد وقت لها,,، لأن التراخي في مثل ماذكر قد يسبب الوفاة للشخص المصاب فوراً، وبالذات النفرة التي غالبا ماتكون في داخل الجيوب الانفية او في الحنجرة، ويستدل على كشف ذلك بإعطاء المريض قبل الكي كأساً من المر يشربه، فإن تورم وجهه وانتفخ في الحال بادر بتسخين الحديد المخصص حتى يحمر ويميل لونه الى البياض من شدة نضجه، ثم يقوم بالكي في مؤخرة الرأس مجموع عروق الرقبة والرأس، وبعد الكي تبدو آثار النجاح، وتقوى معنوية المريض وتطمئن نفسه مع الالتزام بضبط الحمية المذكورة، ومن الطريف في الامر انه قد استدعى بالذهاب الى الولايات المتحدة الامريكية منذ سنوات قليلة بعد ماحار بعض اطباء بوستون في تشخيص مرض شخص معروف، فكواه هناك فحسنت حاله حسبما سمعناه كذلك قال لي احد ابنائه ان والدي قد استدعي للنظر في حالة مريض داخل احد المستشفيات البارزة هنا,, قد استمر برفع صوته بشهيق بدون توقف فكواه حتى فصل التيار الكلامي المسبب لذلك فعاد لحالته الطبيعية بإذن الله، فهو مشهور بالطب الشعبي الناجح على مستوى المنطقة الوسطى وبعض المناطق الاخرى,, يأتون اليه من مدن وبلدان نائية على مختلف الطبقات,, لما يجدونه من علاج صائب، ومهارة وإرشاد، وكرم ضيافة، فالذي ينصت اليه حينما يتحدث عن بعض الامراض وعن اجزاء الاجسام يخيل اليه انه قد اشترك مع اطباء تشريح الجثث لبني الانسان، فقوة حدسه وطول تجاربه في هذا المجال أكسبه خبرة واسعة، فغياب مثله يحدث فجوة واسعة في عدم سرعة شفاء بعض الامراض التي ألمحنا اليها، والتي قد لا يعيرها اهتماماً ولايؤمن بها معظم الاطباء الحاليين فمثلاً العنكبوت التي غالباً ماتصيب اطراف اصابع اليد فالكي يعجل بشفائها بإذن الله على حين الطب الحديث يقوم بتغيير وتعقيم وتقشير مواضع الالم عدة مرات قد يصل الى العظم، ويطول امد الشفاء اياماً وليالي، فالكي يوقف الالم ويعجل بالشفاء بحول الله، وقد اصيب احدى اصابع يدي منذ سنوات مضت بما يسمى بالعنكبوت فحاول الاطباء معالجته فلم يفلحوا,,!! واضطررت كارهاً الذهاب اليه بصحبة شخصين للإمساك بي عندما يحين الكي في عضدي، وبعد ما رفع آلة الكي سكن الألم في الحال واستمررت محتمياً وقتاً وجيزا حسب توجيهه وارشاده وقد شفيت بحمد الله، وكذلك مرض العيون لها كي خاص في مواضع من الرأس والوجه احياناً,, وكي مرض عرق النسا غالباً ما يكون في الورك معمقاً,,! ونرجو ان يخلفه في هذا المضمار الطب احد ابنائه وبالذات ابنه عمران الذي لازمه في اخريات حياته، واستفاد من بعض توجيهاته، وكذلك بعض بناته اللاتي يقمن الآن بمعالجة بعض النساء, ولقد اجاد الشاعر امير الدين المحلي او الحلي حيث يقول:


عليك بأرباب الصدور فمن غدا
مضافاً لأرباب الصدور تصدرا

ومع ذلك محبا لطلاب العلم ومشجعا لهم يحثهم على التمسك بالأخلاق الفاضلة والنهل من موارد العلوم العذبة ومن افضاله عليّ التي لاتنسى حينما كنت طالباً ادرس بثانوية دار التوحيد بالطائف عامي 1371 و1372ه وذلك لقلة وجود مدارس بالرياض آنذاك، كان يتعاهدني بالنصح ويحثني على صيانة الغربة هناك والتحلي بالسمعة الحسنة المشرفة، واختيار الاقران الاخيار والحرص على الإنصات الى شرح اساتذتي واحترامهم، وحسن التعامل مع الزملاء والرفاق لتخفيف وحشة الغربة في تلك البلاد,,، وعند عودتي من الطائف يقوم بإكرامي ويدعوني لتناول طعام العشاء بعد صلاة العصر آنذاك مع والدي الذي هو بمثابة الوالد له رحمهما الله جميعاً فالصغير دائماً لا ينسى أفضال من احسن اليه، فأنا مدين له حتى بعد انتقالي الى المعهد العلمي بالرياض وتخرجي من كلية اللغة العربية عام 1378ه، كلما اعود الى مسقط الرأس بحريملاء يجدد الدعوة لي ويكرمني ومن كانت هذه صفته يظل ذكره طرياً على الألسن والأسماع معاً، ولقد أجاد الإمام الشافعي رحمه الله في الثناء على الأخيار أمثاله حيث يقول:


ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه
وصاحبه الأدنى على القرب والبعد
يعيش سيداً يستعذب الناس ذكره
وإن نابه حق أتوه على قصد

كما لايفوتني التنويه بمحاسن ابن اخيه ابن خالتي عبدالرحمن بن عبدالله العمراني الذي سبقه الى مراقد الراحلين منذ وقت مضى، البار بوالديه وبوالدتي والمشهور له بالكرم المتناهي والمتفاني في خدمة بلده ومطالبة المسؤولين في الدولة لتطوير حريملاء وملحقاتها ضمن اللجنة الأهلية بها غفر الله لهم جميعاً وأسعد الأحياء منهم.
حقاً إن فراق الأحبة والأقارب مؤلم جداً وكلما يمر ذكرهم تتجدد الأحزان على فراقهم وغيابهم عمن ألفهم، وعاش معهم ردحاً من الزمن، مرددين الدعاء لهم بالمغفرة وحسن المآب، والعزاء الملزم في ذلك أنها سنة الحياة في تنقل الأجيال والرحيل الى دار البقاء، واستقبال وفود جدد على ظهر هذه الأرض، وهكذا سنن الكون الى ان يرث الله الأرض ومن عليها، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام غفر الله له وأسكن فسيح جناته وألهم ذويه وجميع محبيه الصبر والسلوان إنا لله وإنا اليه راجعون وقبل ختام هذه العجالة يحسن بنا ذكر قول العلامة عبدالرحمن بن اسماعيل الخولاني في رثاء شيخه:


حُجبت عنا وما الدنيا بمظهرة
شخصا وان جل إلا عاد محجوبا
كذلك الموت لا يبقي على أحد
مدى الليالي من الأحباب محبوبا

عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف
مدير المتوسطة والثانوية بحريملاء سابقاً

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved