أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 9th February,2001 العدد:10361الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,ذو القعدة 1421

عزيزتـي الجزيرة

قبل أن تغرق السفينة
التربية - التربية
استدعى مرور الرياض الطلاب المتورطين في قضايا أمنية ومرورية لتطبيق العقوبات عليهم، حيث لم يتم ايقافهم واستكمال التحقيق معهم بسبب الاختبارات وتم الاكتفاء بأخذ التعهد على أولياء أمورهم باحضارهم بعد نهاية الاختبارات.
ان لي بعض التعليق على ذلك، ومناقشة الأبعاد والأسباب الجوهرية التي أفرزت هذه المخالفات التي لم تصل بعد الى ظاهرة، وكذا مناقشة النتائج السلبية التي تنعكس على الفرد والجماعة، مع ايضاح العلاجات التي تقضي أو تخفف من هذه الممارسات غير المسؤولة بإذن الله.
صحيح أن الجهات الأمنية بمرور الرياض أرادت بهذا الاجراء اتاحة الفرصة لهؤلاء المخالفين لحضور الاختبارات لأثر التحقيق والايقاف على نفسياتهم، وكتجربة مرورية تربوية أريد بها الاصلاح والحصول على بعض النتائج الايجابية.
وهذه الخطوة من وجهة نظري غير مجدية ولها انعكاسات على هؤلاء وعلى غيرهم, لأن في هذا الاجراء تأخيراً للبيان عن وقت الحاجة، وسينظر الجميع طلاباً وأولياء أمور على ان هذا الموقف هو تراخ وضعف في موقف الجهة الامنية في وقت وموقف يتلاءم معه أسلوب القوة وسرعة المتابعة والتنفيذ متى ما وصل الأمر الى الجهات الأمنية, لأن في التراخي دعوة صامتة غير مقصودة لهؤلاء لاقتراف المزيد من الأخطاء, وسنتطرق بايجاز الى دور المؤسسات ذات التأثير القوي على سلوكيات وأخلاق الشباب سلباً أو ايجاباً وهذه المؤسسات هي المدرسة والمنزل والمجتمع.
أولاً المدرسة:
لقد تغيرت المدرسة الحديثة كثيراً عن سابقتها, فلقد توفرت الامكانات المادية والبشرية والمعنوية, وسخرت الدولة كافة الوسائل لخدمة التعليم, وليس أدل على ذلك من أن نسبة 25% تقريباً من ميزانية الدولة قد خصصت للتعليم وبرامجه المختلفة بنين وبنات, وأنشئت المباني المدرسية الحديثة واستخدمت التقنيات المتطورة وطبعت الكتب ووزعت على الطلبة بالمجان, وتم تأهيل المعلمين وتدريبهم لأنهم أداة التنفيذ في الميدان, وحاولت الوزارة الاستفادة من المعطيات المتوفرة لدى من سبقونا في هذا المضمار بما يتلاءم مع عقيدتنا وآدابنا الاسلامية.
إلا أن الوزارة من وجهة نظري بالغت الى حد كبير في تطبيق صور من صور الدلال للطلاب ويتمثل ذلك في تعليماتها التربوية العديدة التي تطبق في الميدان مما ساهم بطريقة أو بأخرى بافراز شباب غير مبالين بالآخرين, نابذين للعادات والقيم والسلوكيات الحميدة ضاربين بها عرض الحائط, والسبب في ذلك الغاء العقاب تقريباً من قاموس المدرسة, فالطالب لا يخرج من الفصل ولا يوقف ولا يمنع من دخول المدرسة، ولا يخرج منها, ولا يعاتب عتاباً حاراً من المعلم وقد يقال في يوم ما ان لا يرسب, ولا يقال له أف فإذا لاقى الشباب تربية هشة انتجت لنا شباباً مدللاً, وقد جندت له الوزارة في المدرسة أمة من البشر في الادارة والتدريس والارشاد والاشراف والنشاط والجمعيات المختلفة، كلها لخدمته والعناية به، ولكنها جميعاً لن تؤدي دورها المنشود في ظل الظروف التي أشرنا اليها ولعدم وجود الطالب المهيأ الذي يستوعب ذلك ويستفيد منه, لماذا؟!.
لأن جميع التعليمات تحث على اللين في القول والمعاملة, وفي المنهاج والسلوكيات فلا يسأل عن غيابه, ولا ينقص من سلوكه, ولا يشدد عليه بأداء الواجبات وتركه حراً طليقاً يقول ولا يقال عليه, إننا في بيئة خاصة لم نصل بعد الى الوقت الذي نطبق فيه بعض الأساليب التربوية المقتبسة ممن سبقونا.
ومع اختلاف الأهداف والغايات بيننا وبينهم إلا أنهم سبقونا في هذا الميدان قروناً عديدة, ونضجت لديهم التجربة, فليس هناك لديهم مكان لمتهاون أو متقاعس, وعلينا الصعود في السلم زلفة زلفة وألا نقفز من أسفل السلم إلى اعلاه دفعة واحدة.
إننا بحاجة الى تربية منضبطة في مدارسنا، مزيج من اللين والحزم مع مراعاة الفوارق في التطبيق, فما يصلح للابتدائي قد لا يصلح للمتوسط والثانوي والعكس, وكذا ما يناسب طالب الجامعة قد لا يتوافق مع طالب التعليم العام.
إننا بحاجة الى أساليب تربوية مفيدة بعيدة كل البعد عن أسلوب التنظير الذي يبعدنا عن واقعنا ويصورنا بحالة لم نصل إليها.
إن لدينا منبعاً أصيلاً تتوفر فيه كل متطلبات العصر ماضيها وحاضرها ومستقبلها ذلك النبع الصافي المتمثل في ينبوع النبوة ومشكاتها, فيه من التوجيهات والأوامر والنواهي ما يصلح أحوال الشباب في المدرسة والبيت والمجتمع, فيه التدرج في المعاملة والتربية, فيه العقوبة الزاجرة لمن يستحقها والثواب العظيم كذلك إنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها .
وهذا في كل شيء من أمور الدنيا والدين, في العبادة والتربية وتلك والله أسس التربية الصادقة, ففي تربية القرآن والسنة يسير الوعد بجانب الوعيد ولكلٍّ ما يلائمه ويتمشى مع واقعه.
إن الشباب الآن يتلقون في المدارس تربية تخلو من العقاب البتة, وهيهات أن يصلح بعض الشباب دون عقاب مهما كان لون التربية التي يتلقاها، مع ترك الشاب دون ضوابط فلا ينهر، ولا يضرب، ولا يؤنب، ولا يوقف ولا يخرج من الفصل، متى شاء حضر، ومتى شاء خرج حسب ارادته والمعلم المسكين يتفرج ويموت كمداً, فالويل كل الويل لمعلم يشتط في المعاملة أو يغلظ في القول, وينطبق على ادارة المدرسة ما ينطبق على المعلم فهم في الهواء سواء كما يقال, لقد صورت كثرة التعليمات الطالب في المدرسة كمريض في مستشفى الصحة النفسية يعطى من الحبوب المهدئة والشراب المنوم جرعة لعله يستعيد شيئاً من ذاكرته.
إن شاباً يافعاً تحت سن العشرين هو في علوم النفس والاجتماع في عنف سني المراهقة، لم يصل بعد الى المرحلة العمرية والعقلية التي تجعلنا نعامله معاملة الرجل الكبير الذي لا يحتاج منا إلا الى الاحترام وايضاح الطرق والمسالك حسنها وسيئها مع ارشاده وتوجيهه.
إن المسافة قصيرة بين ماضي مجتمعنا وحاضره، وان قفزة في التعامل كهذه ستعرض أبناءنا الى كسور في السلوك مضاعفة لن نستطيع علاجها فيما بعد بكل سهولة.
لقد أفرزت لنا التربية المطبقة في التعامل شباباً مائعاً مدللاً هشاً في سلوكه، هشاً في تعامله، هشاً في كل أمور حياته، وهؤلاء سيكونون في يوم ما هم تركيبة المجتمع، وعليهم تقع مسؤولية بنائه، أو هدمه لا سمح الله وصياغة سلوكياته.
لقد قطعنا جزءاً من لسان المعلمين ومديري المدارس، وكبلنا أيديهم، وجعلناهم في موقف لا يحسدون عليه، تطالهم الألسنة من بعض الطلاب وأولياء أمورهم بالسباب والشتم ويمس ممتلكاتهم الأذى والتخريب عند كل اشكالية أو رسوب، وأحيانا يمس أجسامهم الضرب والتعذيب.
لماذا,,؟ وهل أخطأوا,,؟ كلا,, ولكن لديهم الحرص والغيرة على أبنائهم واخوانهم من الطلاب فلا يرضون لهم السلوك السيىء,, ولا المستوى التعليمي المتدني، ولا يرضون منهم التسيب والتطاول على الآخرين.
كما أن مرافق المدرسة أيضا هي الأخرى معرضة كمسؤوليها للأذى والانتقام، وافراغ شحنات الإساءة والبذاءة التي اكتسبوها من هنا وهناك.
إن سبب ذلك التربية الهشة، والدلال المفرط في البيت والمدرسة حيث جعلنا الشاب هو الآمر الناهي، وأعطيناه من الثقة والمسؤولية ما هو لغيره، وما لا يستطيع القيام به.
إن المعلمين ومديري المدارس بحاجة الى الدعم قبل أن نبحث عنهم فلا نجدهم في المقدمة, لقد هربوا من الأعمال القيادية، ومن مواقع المسؤولية وبحثوا عن الزوايا المظلمة يختفون فيها بحثاً عن الهدوء والطمأنينة والسلام,, ومن لم تسعه الزوايا يضمه السرداب والقبو، ويسير في مواكب المتساهلين، خوفاً أن يقال له في يوم ما إنك لا تصلح للتعليم,, وعليك البحث عن وظيفة ادارية كتابية لتعيش بصمت وهدوء مع الأوراق.
لقد أوشكنا أن نفقد السلوك الأخلاقي، وأن نفقد المستوى الدراسي نتيجة لذوبان الجليد في التربية وتسييحها بين الشباب,, والموضوع هام ويحتاج الى اسهاب ولكن المساحة المتاحة لا تسعفنا لبيان حالة بعض الشباب والطلاب ودور المدرسة في ذلك.
ثانيا: المنزل:
المنزل هو قاعدة التربية الأولى، ومنزل اليوم يختلف عن منزل الأمس فهو مهيأ لتأدية دوره المأمول، لأن غالبية من في المنزل متعلمون، فالأب والأم والإخوة والأخوات كلهم مؤهلون لتأدية رسالة المنزل في التربية مع تفاوتهم في ذلك, إلا أن الواقع المعاش خلاف ذلك، لا نقول من الأغلبية ولكن من فئة ليست قليلة، فالشاب يفتقد في منزله الى التوجيه السليم، والمعاتبة الرقيقة، والمحاسبة في بعض الأحيان مما حوّله الى شاب مدلل يدير نفسه بنفسه ولو لم تكن لديه القدرة والاستطاعة، ولو لم تتوفر لديه أسباب وعوامل القيادة ولو لنفسه فقط.
لقد اقتصر دور بعض المنازل في الغالب تجاه أبنائهم في: ماذا يأكلون؟ ماذا يشربون؟ ماذا يلبسون؟ وماذا يركبون؟.
إن نام لم يجد من يوقظه، وإن خرج وغاب طويلا في الليل أو النهار لم يجد من يسأله: أين كنت؟ ومع من كنت؟ وماذا فعلت؟ حتى الفرائض والواجبات قد لا يجد من يقول له: هل أديتها؟ تركت له الحرية في سماع وقراءة ومشاهدة ما يرغب حتى ولو كان ذلك على حساب خلقه وأدبه.
لقد قلبت المعادلة في المنزل فأصبح الكبار وأولو النهى والأحلام ومن ولاهم الله المسؤولية والأمانة يستقبلون التوجيهات والأوامر من أبنائهم الصغار فضاعت مسؤوليتهم وفرطوا في أمانتهم، وضاع أبناؤهم تبعاً لذلك.
إن غاب الشاب عن المدرسة أو نام ورغب عدم الذهاب لم يجد في المنزل من يتابعه ويؤنبه ويعاتبه.
وان تلفظ بألفاظ نابية تخالف الفطرة والذوق والخلق القويم لم يجد من يحاسبه.
وان تصرف في الشارع تصرفات غير لائقة لم يجد من أسرته من يقوّم ويعدّل اعوجاجه.
إن فحّط في الشارع، أو قطع الاشارة عمداً، أو مارس بواسطة سيارته أخطاء اجتماعية أو أمنية على الناس لم يجد من يحاسبه، إذ لا يجد بجواره إلا أمثاله من المراهقين الذين يباركون ويصفقون له, والطيور على أشباهها تقع .
إن اصطدم بسيارته بحائط أو بسيارة أخرى فالأمر سهل والخطر على السيارة, وإن دهس أو صدم مواطناً فالأمر أسهل فنحن في بلد العفو والكرم وسيعفو صاحب الشأن هذا إذا لم يسعفه الهروب.
وإن تلفت السيارة فالأمر ايسر بدلاً منها أخرى، وان مضى على موديل السيارة عام فتغييرها بجديدة أمر مفروغ منه.
يبحثون عن السيارات الصغيرة أو القوية التي تتسلق المرتفعات أو تهبط في الأودية والمنخفضات، أو تساعد على التطعيس والتفحيط.
إن فئة من الشباب قد انعكست لديهم المفاهيم، وفسدت التصورات وبلغ بهم الدلال الى درجة لا يقال له أف ولا ينهر, فبدلاً من النهي الإلهي للولد ألا يقول لوالديه أف ولا ينهرهما ويقول لهما قولاً كريماً، طبق هذا التوجيه على الابن وتنازل عنه الوالدان رضيا أم أبيا فواقع حالهم يحكي ذلك ويصوره, لقد تنازل الأب عن قوامته، وضيع مسؤوليته، وأهمل رعيته حينما غاب عن الوجود في وقت فيه الأبناء أشد ما يكونون حاجة إليه.
فأين هو عن قول المصطفى صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .
إن مسؤولية التربية الدينية والخلقية هي الأساس وهي مصدر كل تربية ومنبع كل خلق قويم وهي أولى مسؤوليات الأب تجاه أبنائه.
سيقف الشاب في موقف عظيم، وسيقول بملء فيه: أهملني أبي ,, ضيعني,, رآني أسير في الظلام فلم ينر لي الطريق، وفي مواقع الردى فلم ينقذني، لقد غرقت أو كدت أن أغرق في اليم فلم يقدم لي قارب النجاة حتى ابتلت ثيابي وغرقت بمركبي:


القاه في اليم مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء

ولقد ساعد على بعض سلوكيات الشباب ما يعانون من الفراغ والبطالة نتيجة لعدم مواصلة بعضهم لدراسته، أو عدم حصول البعض الآخر على وظيفة مناسبة.
إن الآباء مسؤولون عن تربية أبنائهم تربية اسلامية صالحة ومحاسبون على ذلك إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.


وينشأ ناشيء الفتيان منا
على ما كان عوّده أبوه

إنهم مسؤولون أن يقدموا للمجتمع شباباً صالحاً بإذن الله متسلحاً بالخلق القويم والتربية الحقة، لتقوم المدارس بإكمال المشوار بتعليمه وتربيته ليكون لبنة صالحة في مجتمعه، هذه لمحة عن بعض أحوال الشباب وتربيتهم في بيوتهم، وايضاح موجز للدور المتقاعس الذي يؤديه المنزل تجاه أبنائه، وكيف أوشكت المسؤولية على الضياع بين أب متهاون مشغول وبين أم قد لا تستطيع أكثر من إسداء النصيحة وبصوت خافت, هذا إن كانت حريصة، ومن أحرص من الوالدين على أبنائهما؟!
ثالثا المجتمع:
أشرنا فيما سبق إلى شيء من أنماط حياة بعض الشباب، وحال تربيتهم في البيت والمدرسة، فما دور الضلع الثالث في مثلث حياة الشباب وتربيته؟
إن المجتمع لن يكون أحسن حالاً من غيره، ولا يتوقع منه ذلك لعوامل عديدة، فقرناء السوء يقفون في كل زاوية من زوايا المجتمع، ومروّجو المخدرات والمحظورات الأخرى هم أيضا يقفون على مخارج الطرق، وبين أوساط الشباب يحملون معهم السم الزعاف، ووسائل الاعلام المختلفة تساهم هي أيضا في هذا الضياع الذي يعيشه بعض الشباب، وبنسب مختلفة بعد أن صارت القنوات الفضائية في متناول أيدي الشباب، وقد يقف بعضها موقف المتفرج، وتفوق وسائل الاتصالات الفضائية الحرة بقنواتها المختلفة كل وسيلة اعلامية بما تقدمه وتعرضه من مشاهد الضياع الخلقي والانحلال الذي لم يسبق له مثيل.
لقد خرقت وتعدت الفضائيات الحواجز لتصل الى الشباب تعرض فجورها ودعارتها ورذيلتها المنطلقة من مستنقعات الإباحية والرذيلة في الشرق أو الغرب، وتلك بلدان كافرة وليس بعد الكفر ذنب.
إن الشباب الاسلامي مستهدف من المنظمات والاعلام اليهودي لافساد أخلاقه، والبعد به عن المنهاج السليم لأنهم عماد المستقبل، وأمل الأمة لذا كثفوا عروضهم الفضائية عن المرأة ومجونها بعد أن عرفوا مكامن الضعف عند الشباب, وقد انعكس ذلك كنتيجة سلبية على أخلاق الشباب, فكثر الطلاق بين فئات الشباب المتزوجين, وعمد البعض الى السفر للخارج علاوة على ما يجري بثه لإفساد الدين والخلق.
وهناك فئة من الشباب تاهت وضاعت في النوم نهاراً والسهر ليلاً، والتنقل هنا وهناك، شعارها الضياع إذ لا تدري ماذا تفعل فهي كالغريق الذي يمد يده لمن حوله طلباً لانتشاله من الغرق! فأين المحتسبون، والمتبرعون للأخذ بيده قبل أن يكثر الفراغ والضياع بمختلف أشكاله، وقبل أن تغرق السفينة، ووقتها ستظهر الآثار السلبية على المجتمع، حيث إن الأمر في بدايته، وأعداد هؤلاء الشباب قلة ويمكن تدارك ذلك بتفعيل مصادر التربية ووضع الأسس والضوابط لها واستنهاض همم الآباء والمعلمين للقيام بدورهم المطلوب.
إن الذي حصل ويحصل من بعض الشباب في المناسبات والأعياد والأفراح، وفوز الفرق من تصرفات غير مسؤولة تطال الأسر والمارة والمجتمع ما هي إلا افرازات طبيعية لهذه التربية الهشة التي عاشها الشباب في البيوت وأهملتها المدارس في الرعاية والتهذيب وأعطتهم ليونة زائدة، ورفعت عنهم أساليب العتاب والعقاب ظناً منها أنهم على مستوى المسؤولية، وان هذا الأسلوب في التربية يتلاءم مع أبنائنا، وزاد المجتمع الطين بلة.
إنني أتعجب وأنا اسمع ان ادارة مرور الرياض تعلن عن استدعاء أصحاب المخالفات المرورية والأمنية الذين حدثت منهم قبل الاختبارات بعد أخذ التعهد على أوليائهم باحضارهم بعد الاختبارات لاستكمال التحقيق معهم والسبب في ذلك:
ان ادارات المرور أحد فروع الأمن في بلادنا، وما حصل من بعض الشباب يستوجب الايقاف والتحقيق العاجل والسجن إن تطلب الأمر ذلك لا أن تترك المخالف وكأنها تقول له بلسان الحال: لسنا جادين في محاسبتك وحماية المواطن من عبثك, إن المرور يمثل الأمن العام في مثل هذه الظاهرة، ويجب أن يكون خط الدفاع الأخير، والاشارة الحمراء التي يجب عدم تجاوزها بأي حال من الأحوال.
إن استدعاء هؤلاء الشباب بعد نهاية الاختبارات لن يزيدهم من وجهة نظري إلا تجبراً وعناداً واستمراءً لما اقترفوه، وقد أثبتت التجارب أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، لما في ذلك من انعكاسات سلبية على موضوع القرار, أي أن الأمر من وجهة نظر شخصية كان يتطلب ايقاف المذنبين ومحاسبتهم في حينه حتى ولو أدى ذلك الى عدم تمكنهم من أداء الاختبارات، مع أن أداء الاختبار متاح للجميع حتى للموقوفين بواسطة اللجان، أو بواسطة دور الملاحظة.
إن بعض ما يرتكبه الشباب من أخطاء لا يمس ادارة المرور بمفردها ولكنه يمس المجتمع بأسره والتقصير فيه تقصير بحق المجتمع.
إن التربية مقدمة على التعليم,, فماذا نستفيد من شاب متعلم ولكنه متهور مفلس من أقل درجات التربية؟!
إننا بحاجة ماسة إلى شباب تربى على الأخلاق الفاضلة والسلوكيات الحميدة, ونور على نور إذا كان متعلماً، إن ما بين الاثنين من فوارق في مجتمعهما كما بين حامل المسك ونافخ الكير من فوارق.
إننا بحاجة ماسة الى تنشئة الشباب على الأخلاق الفاضلة والسلوك القويم والابتعاد عن مهاوي الردى والضياع، تنشئة منزلية صالحة يؤدي فيها البيت دوره المأمول في اخراج جيل مؤمن بربه، مطيع لوالديه، محترم لوطنه، يحافظ على مقومات الحياة فيه، بعيد كل البعد عن قرناء السوء، ومستنقعات الضلال، كما أننا بحاجة الى تربية مدرسية منضبطة تجمع بين اللين والحزم، تمسك بشعرة معاوية فلا ترخيها ولا تجذبها بشكل مخل، إننا بحاجة الى قيام المدرسة بدورها المأمول تربوياً وتعليمياً، عملياً ونظرياً، بحاجة الى اعطاء المعلم ومدير المدرسة كامل الثقة والدعم المعنوي الذي يسهل عليهما تأدية رسالتهما على خير وجه وأكمله لأنهما بأمس الحاجة الى بناء الثقة ولأنهما يمثلان العمود الفقري للعملية التعليمية في الميدان كما أن على المجتمع دوراً كبيراً في ايجاد الجو الملائم والبيئة الصالحة للشباب والقضاء على المظاهر والظواهر السلبية في المجتمع، والحد ما أمكن من الانعكاسات السلبية لوسائل الاعلام والقنوات الفضائية الضارة، ومحاربتها اجتماعياً واعلامياً وتكثيف وسائل الدعاية والاعلان عن أضرارها على الدين والخلق.
وبذا تتضافر الجهود وتتوحد للعمل لما فيه صالح أبنائنا حاضراً ومستقبلاً.
دعوة صادقة موجهة الى أركان التربية في بلادنا في المنزل والمدرسة والمجتمع للقيام بواجبهم تجاه تربية الشباب كلٍّ فيما يخصه قبل أن تغرق السفينة ويحملهم طوفان الضياع في لجج سحيقة، وبيان أوجه النقص ومعالجتها، لأنك لن تجني من الشوك العنب، ونحن متأكدون أن الجميع ينشد الحق ويسعى لتحقيقه والحق ضالة المؤمن متى وجده أخذ به.
وعلى الجميع استثمار الجهود التي تبذلها حكومتنا الرشيدة للارتقاء بهذا الوطن وأبنائه الى ما فيه العزة والسعادة والعيش الرغيد في مختلف جوانب الحياة, حفظ الله لهذه البلاد المباركة أمنها وأمانها وحفظ لها قيادتها, والله من وراء القصد, وهو حسبنا ونعم الوكيل.
سليمان بن فهد الفايزي
أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved