أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 10th February,2001 العدد:10362الطبعةالاولـي السبت 16 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

رعاية اليتيم من منظور الأمن الاجتماعي
د, يوسف بن أحمد العثيمين
أحسنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية صنعا عندما تبنت فكرة اقامة مهرجان خيري لرعاية الأيتام، هو الأول من نوعه، ولعله من الفأل الحسن أن يقوم برعايته رائد من رواد النشاط الخيري، وفارس من فرسان البر والاحسان في هذه المنطقة، وفي المملكة، وفي العالم الاسلامي، ولم يبخل بالجهد والجاه والمال والوقت لدعم مسيرته، واشتداد عوده، ونقله من المبادرات الفردية الشخصية الى العمل الخيري المؤسسي تعميما للنفع والفائدة، وشمولية للفئات المحتاجة من المجتمع بأسلوب منظم، متحسسا الحاجة الحقيقية، عاملا على تسديدها بما يحفظ كرامة المحتاج، ويصون انسانيته، ويضمن استمرارية الرعاية طالما ظلت الحاجة قائمة, ولا يكاد يعلن عن مشروع خيري، أو جمعية خيرية، أو مؤسسة رعائية أو إنمائية إلا ويكون هو السباق بذلا ودعما ومؤازرة وحضورا,, إنه سلمان بن عبدالعزيز وكفى.
الحديث عن رعاية الأيتام ذو جوانب متعددة: شرعية واجتماعية ونفسية وصحية وتربوية واصلاحية وإيوائية ورعاية سابقة ورعاية لاحقة, كما ان قضاياهم لا تقل تعددا باختلاف مراحلهم العمرية، وتنوع احتياجاتهم، والفروقات الفردية بينهم، واختلاف الزمان والمكان والظروف الاجتماعية والبيئية المحيطة بكل واحد منهم, هذا فضلا عن الاختلاف النوعي في كل ما تقدم بين ذكورهم وإناثهم, ويزيد الأمر تشعبا كون أن تعريف اليتم واليتيم قد زاد اتساعا عن المفهوم الشرعي الواضح في فقه السلف الصالح حيث اجتهد الفقهاء المحدثون منهم جزاهم الله خيرا ، وكذلك المختصون في العلوم الاجتماعية بالافساح لفئات تدخل تحت مظلة رعاية اليتيم وتعريفاته، سميت الأيتام ومن في حكمهم ، وسماهم آخرون الأيتام من ذوي الظروف الخاصة ، وآخرون سموهم مجهولي الأبوين ، ثم ازدادت البوابة اتساعا ليعبر من خلالها فئات مثل:أطفال الاهمال ، الأطفال المُتخلّى عنهم ، الأطفال المحتاجون للرعاية بسبب سجن الوالدين أو أحدهما، أم مرضهما أو أحدهما، ومن هنا تحول الأيتام من شريحة صغيرة في المجتمع يسهل رعايتها والمحافظة عليها والقيام بشؤونها بين عم أو خال أو جدّ الى شريحة سكانية كبيرة عددا، وتمثل نسبة ملحوظة في تعداد السكان، وذات احتياجات لا يستهان بها، وآثار ايجابية أو سلبية لا يمكن التغاضي عنها أو التقليل من شأنها على المجتمع والأسرة والوطن, وإذا أضفنا لما تقدم خصوصية المجتمع السعودي من النواحي الشرعية والاجتماعية والاقتصادية، والعادات والقيم السائدة في التعامل مع الأيتام ومن في حكمهم ذكورا وإناثا، ثم مزجنا كل ذلك مع ما يموج به العصر الحديث من متطلبات واحتياجات ومشاكل الشباب في هذا الوقت، والأيتام بالضرورة من هذه الفئة تحديدا، أدركنا أن رعاية الأيتام ليس موضوعا يستوعبه لقاء أو محاضرة أو ندوة، أو مهرجان أو حملة أو ورشة عمل,, بل هو مشروع شرعي وإنساني وتربوي واجتماعي ونفسي، يجب أن يكون له طابع الاستمرارية، ويحتاج الى تعهدنا له بالمتابعة واليقظة، والى ضبط مساره وفق معايير واضحة ومستقرة ومدروسة ومتوازنة,, تتسم بالعقلانية، ومراعاة مقتضيات الزمان والمكان، واختلافات العمر والجنس، والفروق الفردية التي استودعها المولى في جينات البشر.
كان لابد من هذه التوطئة لتهيئة القارىء الكريم لاستشعار أهمية عنوان المقال فأما لماذا نرعى اليتيم؟ فإن الاجابة تقفز مباشرة بأن ذلك ما تمليه علينا دواعي الانسانية، والفطرة السليمة، والنشأة العربية، والتقاليد الأصيلة المبنية على التراحم والتكافل والتواد في المجتمع, والأهم من ذلك، وقبل ذلك وبعده، ما يحض عليه ديننا الاسلامي الحنيف قرآناً وسنة، لما في ذلك من فضل عميم وأجر عظيم، ووعد لكافل اليتيم بالجنة، فالبيت الذي يُرعى فيه يتيم، ويحسن إليه فيه، هو بيت خير وبركة، ومدعاة لسعة الرزق، وقد ذكر اليتيم وفضل الاحسان اليه في مواضع عديدة في كتاب الله فضلا عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن هذا الجانب من التأكيد على خيرية رعاية اليتيم، واظهار الأجر المصاحب للاحسان إليه، وفضل حسن تربيته، أمر متفق عليه، وليس هذا مجال نقاش ابتداء وانتهاء، وهو مدخل للبر والاحسان مطروق ومعروف، لا نحتاج الى الكثير من الحث عليه، أو البحث فيه.
ولكن رعاية اليتيم، في الوقت الحاضر وفي ظل اتساع مفهوم اليتيم ليشمل فئات وشرائح من المجتمع لم تكن تحمل هذا الاسم مما زادهم عددا في المجتمع يقدّر مع التحفظ بالآلاف، ويزداد الأمر أهمية وحساسية ازدياد هذه الأعداد في مختلف مدن ومناطق المملكة، وكون هذه الفئة مهيئة، بحكم السن والظروف المحيطة بها، والتي لا تخفى على المتخصصين في المجال، أو المتعاملين معهم مؤسسياً، أو من خلال الأسر البديلة، لأن تكون هذه الشرائح من البشر بؤر فساد أو مصادر اشعاع وخير لاسيما في عصر بدأت للأسف بوادر الضعف في التماسك الأسري، وكذلك السيل الجارف من الأفكار والقيم الدخيلة، والعادات الضارة المستوردة,, وكون هذه الفئة من أكثر الفئات استهدافا من قبل المتربصين بأمن بلادنا واستقرارها الاجتماعي، لسهولة استمالتها والتأثير عليها، واستغلال ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية في اشاعة الفتن والمشاكل الاجتماعية، وإضرارها بنفسها، وبمن حولها، ثم المجتمع والوطن.
ومن هنا تظهر أهمية وضرورة، بل وجوب العناية بالأيتام ورعايتهم، والتعامل معهم، ومع قضاياهم وشؤونهم، واحتياجاتهم ومشاكلهم، وخصوصية وضعهم من منظور وبعد أمني اجتماعي شمولي, فهذا البعد بالرغم من أهميته لم ينل نصيبه المستحق من البحث والدراسة والتأمل والاهتمام سواء من جانب المنظّرين والأكاديميين المتخصصين، أو من جانب الممارسين للعمل الاجتماعي مع الأيتام مباشرة، وبقي أمر رعاية اليتيم وكفالته ينظر إليه، ويعالج أمره، من باب دواعي الاحسان والشفقة وكسب الأجر ليس إلا, وهذا خلل أعلق أنا وغيري من الغيورين على هذه الشريحة على هذا المهرجان الخيّر أن يفتح الباب للحوار المفتوح، والنقاش الحر، والتناول الصريح لهذه الأبعاد، ولتلك الجوانب من حياة الأيتام، والتعامل معهم من هذه المنطلقات.
إن الأيتام، كشريحة محتاجة للرعاية الاجتماعية، تختلف كثيرا في خصائصها، بل وتنفرد بها، عن بقية الشرائح الأخرى ممن تقوم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية برعايتهم, فالوزارة على سبيل المثال لها نصيب وافر من رعاية المعوقين والمسنين، ولكن مثل هذه الفئات، بالرغم من أهمية العمل على تقديم أفضل ما يمكن تقديمه لها من خدمات متاحة، إلا أن النجاح أو القصور يظل أثره محدود في المعوق أو المسن نفسه؛ فسقف النجاح لهؤلاء في خطة العلاج والتاهيل محدود بحكم الاعاقة والسن، وربما يكون غاية طموح العاملين والعاملات مع المعوقين والمسنين ومن في حكمهم وهنا أخص الفئات التي ترعاهم هذه الوزارة هو في المحافظة على عدم تدهور الحالات واستقرارها، أو التحسن المحدود على الأقل فيما يتعلق بالوظائف المفيدة، وهو ما يطلق اصطلاحا على أمور المأكل والمشرب وقضاء الحاجة وتجنب المخاطر.
وعليه فإن نجاح البرامج والخدمات وفاعليتها وخطة العلاج المقدمة لمثل هذه الفئات مهما بذل معها من جهود سيظل أسير حجم وشدة ونوع الاعاقة السمعية أو الحسية أو البصرية أو العقلية للمعوق أو المسن, كما ان انعكاس الخطة العلاجية أو التأهيلية للمعوق والمسن ومن في حكمهم سلبا وايجابا محدودة الأثر والتأثير، وتنحصر في المعوق والمسن نفسيهما الى حد كبير.
أما الأيتام ومن في حكمهم فالأمر جدّ مختلف, فضرر اهمالهم، وعدم العناية بهم، وقصور الجهود الحكومية، أو الأهلية، أو التطوعية تجاههم تنشئة واصلاحا، والتعهد المستمر لهم طيلة الفترات الحرجة من حياتهم رعاية وتوجيها,, هذا الضرر دائرته أوسع، ويطال شره الفرد والأسرة والمجتمع والوطن,, فالانحراف والجريمة والأوبئة الاجتماعية بشتى أنواعها وأشكالها ستجد أرضا خصبة في أوساط هذه الشريحة من المجتمع.
أما نفعهم فلا يقل عن ضررهم أثراً على المجتمع والوطن, فلو تولتهم أيد أمينة تخاف الله فيهم، وتحسن إليهم، وتقدم لهم الرعاية الشرعية والاجتماعية والتربوية المتوازنة، ومن قبل أشخاص مشهود لهم بالخير والصلاح والاستقامة، سواء من خلال المؤسسات الإيوائية أو الأسر البديلة، فليس بمستغرب أن يتأصل فيهم الولاء للوطن، ويخرج من بينهم العالم والداعية، والمعلم والمهندس، والطبيب والحرفي المتخصص، وسيكونون قادرين بإذن الله على بناء أسرة صالحة نافعة لنفسها ومجتمعها ووطنها.
إنني أعلّق آمالاً كبارا على هذه الفعالية في التعرض للقضايا الشائكة في موضوع رعاية الأيتام ومن في حكمهم، وعدم الاقتصار على موضوع التشجيع على الكفالة والاستضافة دون توعية بتبعاتها، أو الحث على التبرعات المادية والعينية لمؤسسات رعاية الأيتام كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات، كما أرجو أن تكون الشفافية أساسا للمداولات والمناقشات والندوات والمحاضرات والمداخلات المتعلقة بالمشاكل والقضاياالمصاحبة لليتم والأيتام، والأسلوب الأمثل للتعامل معها، ليكون الأيتام عنصر اضافة وبناء في المجتمع السعودي, ولا إخال أخواني وأخواتي زملاء المهنة، وشركاء الهمّ والاهتمام إلا فاعلين, وإذا كان الفضل يعود لأهله فأخص معالي الأخ الأستاذ الدكتور علي بن ابراهيم النملة لتبنيه هذه الفعالية، واستشعاره لأهميتها خاصة ما يخصّ هذه الفئة الغالية من المجتمع، ولإخواني وأخواتي في الشؤون الاجتماعية التقدير والاعتزاز فيما يبذلونه من جهد على خير ما يستطيعون.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved