أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 10th February,2001 العدد:10362الطبعةالاولـي السبت 16 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

آفاق وأنفاق
نوح الحمام 4
د, محمد العيد الخطراوي
قال الوزير الاديب أبوبكر بن اللبَّانة الأندلسي أحد شعراء دولة المعتمد بن عباد في الأندلس:


وعلى فروع الأيك شادٍ يحتوي
طرفي لآخر تحتويه الأضلع
تبدي له رطب الهواء فيغتدي
ويُظلُّه ورَق الغصون فيهجع
تخذ الأراك أريكة لمنامه
فله الى الأسحار فيها موضع
حتى اذا ما هزه نفَس الصَّبا
والصبح، هزّك منه شدوٌ مبدع
فكأنما تلك الأراكة منبرٌ
وكأنه فيها خطيب مِصقَع

في هذه الأبيات نحس ان الشاعر يعمد الى رسم مشهد للطبيعة الرائعة في الأندلس، ويجعل غناء الحمام عنصرا من العناصر الجمالية الماثلة في الطبيعة، وهذا يعني ان الحمام ليس هو الموضوع الأساسي للنص، وانما هو من مكملاته ومجمِّلاته ويقول شاعر آخر يصف حمامة مطوقة:


دعت فوق ساقٍ دعوةً لو تناولت
بها الصخر من أعلى أبانَ تحدّرا
تُبكّي بعين ليس تذري دموعها
ولكنها تُذري الدموع تذكُّرا
محلاّةُ طوق ليس تخشى انفصامه
اذا همَّ أن يبلى تُجُدِّد آخرَا
لها وُشُحٌ دون التراقي وفوقها
وصدرٌ كمقطوف البنفسج أخضرا
تنازعُها الألوانُ شتى صقالُها
بدا لتلالي الشمس فيه تحيُّرا

أبان: اسم جبل في الجزيرة العربية الوُشُح: جمع وشاح, الصقال: هو الصقل .
ويقول شاعر آخر مناجيا بعض السيالات جمع سيالة، كسحابة، وهو نبات ذو شوك أبيض، اذا نزع خرج منه شبه اللبن :


ألا يا سيالاتِ الدحائل باللوى
عليكن من بين السَّيال سلام
أرى الوحش آجالا اليكن بالضحى
لهن الى أفيائكن بُغام
واني لمجلوب ليَ الشوق كلما
ترنم في أفنانكن حمام

(الدحَل بالفتح نقب في الأرض ضيق فمه، ثم يتسع أسفله حتى يُمشي فيه، وهو أشبه ما يكون بالمخابىء الحربية الصناعية، جمعه: أدحُل وأدحال، ودحال، ودحلان، وجمع الجمع دحائل، ولعلها هنا اسم موضع, البغام: التصويت الآجال: جمع إجل، وهو القطيع من الظباء أو بقر الوحش).
ان الذي دعانا الى الاكثار من ايراد هذه النماذج الشعرية إنما هو الاستمتاع بمعايشتها، واتاحة الفرصة للموازنة بينها، ولنعلم كيف كان الشعراء يتواردون على المعنى الواحد والموضوع الواحد حتى يبلى في أيديهم، وتموت فيه عناصر التأثير، بحيث لا نجد أمامنا غير ضرب من التقليد بما يمكن أن نسميه استراحات الابداع، فلنواصل معكم استعراض بعض النماذج الأخرى, يقول جران العَود:


واستقبلوا وادياً نَوحُ الحمام به
كأنه صوت أنياط مثاكيل

وقال جهم بن خلف المازني هو كما في الفهرست ص 47,, راوية، عالم بالغريب والشعر، من المجا لين للأصمعي، وله شعر في الحشرات والجوارح من الطير ,, يقول:


وقد هاج شوقي ان تغنّت حمامة
مطوّقةٌ ورقاء، تصدح في الفجر
هتوفٌ تبكِّي ساق حُرٍّ ولن ترى
لها دمعةً يوماً على خدها تجري
تغنت بلحن، فاستجابت لصوتها
نوائح بالأصياف في فنن السِّدر
اذا فترت كرّت بلحنٍ شجٍ لها
يهيِّج للصبِّ الحزين جوى الصدر
فلم أرَ ذا وجدٍ يزيد صبابة
عليها، ولا ثكلى تبكِّي على بِكر
فأسعدنها بالنوح حتى كأنما
شربن سُلافاً من معتقة الخمر
تجاوبن لحناً في الغصون كأنها
نوائح مَيتٍ يلتدمن لدى قبر
بسنرّة وادث من تبالة مونقٍ
كسا جانبيه الطلح واعتمَّ بالزهر

ساق حر: ذكر الحمام، الأصياف: جمع صيف, يلتدمن: من الالتدام، وهو ضرب المرأة صدرها في النياحة، تبالة: بلدة في تهامة لا تبعد كثيرا عن بيشة، الطلح: نوع من الشجر العظام .
وأكثر ما يكون الحديث عن الحمام كما رأينا، في الفقد والأمور الحازبة التي قد يصطلي الشاعر بنارها من أسر أو سجن أو بُعدٍ عن الأوطان والأحباب، كما نجد ذلك أيضا في باب الغزل والنسيب، ومن ذلك أيضا قول شاعر أندلسي:


وما شاقني الا ابن ورقاء هاتفٌ
على فننٍ بين الجزيرة والجسر
مفتق طوق لازورديّ كلكلٍ
موشى الطُّلى، أحوى القوادم والظهر
أدار على الياقوت أجفان لؤلؤٍ
وصاغ على الأجفان طوقاً من التبر
حديدُ شبا المنقار، داجٍ كأنه
شبا قلم من فضة قُدَّ من حبر
توسد من فرع الأراك أريكةً
ومال على طيِّ الجناح مع النحر
ولما رأى دمعي مرَاقاً أرابه
بكائي، فاستولى على الغُصُن النضر
وحثَّ جناحيه، وصفّق طائرا
فطار بقلبي حيث طار، ولا يدري

وقال آخر:


كأن بنحرها والجيد منها
اذا ما أمكنت للناظرينا
مَخَطّاً كان من قلمٍ لطيفٍ
فخطّ بجيدها والنحر: نونا

وفي آخر حديثنا عن نوح الحمام أسرُّ لكم انه خطر ببالي الآن نجيب الريحاني في دور الأستاذ حمام كما مرَّ بذهني أيضا الشاعر المصري الفكه مصطفى حمام رحمه الله، والمثل الحجازي: الحمام يلقط الحب.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved