أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 11th February,2001 العدد:10363الطبعةالاولـي الأحد 17 ,ذو القعدة 1421

الثقافية

من رائدات الصحافة
2 - آيدا, م, تاربيل 1857 - 1944
*إعداد: حنان بنت عبدالعزيز بن عثمان بن سيف
آيدا, م, تاربيل، امرأة من رواد الصحافة، كان احترامها للحقيقة دافعا لتكوين الصفات الأدبية التي أضفت على عملها أهمية اجتماعية وتاريخية دائمة، فقد كانت الصحافة منذ امد بعيد، ميداناً غير صالح للنساء، اما كتابة القصص القصيرة والروايات، ونظم الشعر فيمكن ان تقوم بها المرأة دون ان تتخطى عتبة بيتها، أما التحرير في الصحف والمجلات الدورية، فليست من المهن التي يمكن ممارستها داخل البيوت، اذ على العاملين بها ارتياد مختلف الأماكن، والاختلاط بمختلف فئات المجتمع، ويتطلب جمع مواد الصحف مقدرة فائقة وعملا مستمرا وسهراً طويلا، ولكن هذه المرأة آيدا تاربيل قد شغفت بما يتطلبه هذا العمل من البحث والتنقيب في مكتبات المدن الكبرى سواء في الوطن او الخارج.
ان الموهبة الكامنة التي حولت هذه المرأة الدافئة البالغة ستة اقدام طولا الى الكتابة أثناء التسعينات هو ان هذا العمل ظل ميدانا رائدا بالنسبة للمرأة، وخلال الستة والثمانين عاما التي عاشتها آيدا تاربيل لم تهمل الصفات التي تتمتع بها، لأنها حرصت ان تتعلم طيلة حياتها، وقد اخبرت احد أصدقائها حين زارها في المستشفى حيث قضت أيام مرضها الأخير، بأنها أدركت قبل زمن قصير، ان جسمها لم يعد قادرا على استعادة نشاطه، وان عقلها استكان سريعا لفكرة الموت، فهي لن تناضل لتدرأ عن نفسها هذا المصير.
وكانت آيدا تاربيل تفتش طيلة أيام طفولتها التي قضتها في حقول الزيت في تيتو سفيل في بنسلفانيا عن أجوبة لأسئلة تدور في خلدها، فقد راقبت المياه المتدفقة في النهر الذي يجري قريبا من بيتها، فلاحظت ان بعض الأشياء التي سقطت فيه طفت على وجه المياه، بينما غاص بعضها الآخر في اعماقه، فتمنت ان تعرف الأسباب التي تؤدي الى هذه الظاهرة، ولتصل الى جواب على تساؤلها، أجرت تجارب على أشياء مختلفة، حتى على شقيقها الصغير الذي دفعته الى النهر، فحدث ان ثيابه طفت على سطح الماء، وغاص هو في النهر، فأسرع احد العمال فأنقذه من الغرق بعد ان سمع صراخه، وثمة مثل آخر على فضولها الذهني في سن المراهقة، التي لازمها وظل تأثيره يسيطر على تصرفاتها طوال حياتها، انها قرأت مرة كتابا جديدا لأبيها في علم الجيولوجيا، فادركت ان قصة خلق العالم في ستة أيام، ينقصها علم تكوين الصخور، لذلك ابتدأت تفكر في الأمر، إذاً كيف خلق الله العالم؟ وكيف ابتدأت الحياة ، وأخذت تفتش عن جواب مقنع، ولكنها لم تصل الى جواب حاسم، وحين التحقت بكلية الليغيني، أدركت انها الفتاة الوحيدة في صف مشترك يصل عدده الى أربعين طالبا من الذكور، وأدركت أثناء دراستها انها وجدت الطريق الذي سيقودها الى جواب تساؤلها، وكان احد أساتذتها قد قام بتحريات للكشف عن الحقيقة في مملكة الأحياء بطريقة اخاذة ايجابية جعلت تلميذته الجديدة تدرك انها تفتقر الى تعلم الكثير عن هذا العلم لهذا قررت ان تقوم باستقصاء للأشياء الحية، علها تجد جوابا عن كيفية بدء الحياة، وصممت ان تسافر الى الخارج لتكملة دراستها العالية.
وفي حين عملها المستمر لتوفير المال اللازم لدراستها في الخارج أدركت انها تهتم بالانسان أكثر من اهتمامها بحياة ما دون الانسان، ولم تدرك ذلك أثناء وجودها في المدرسة، وعندما تحققت من مشاعرها تخلت نهائياً عن دراسة علم الأحياء، وكان هذا القرار وهي في الرابعة والثلاثين من عمرها، وبدأت بدراسة الحياة البشرية لتطلع على ما يمكن ان توضحه عن قوة الحياة في البشر، وقالت تصف نفسها في ذلك الحين: لم أكن كاتبة، ولكن لي بعض الصفات التي تؤهلني للعمل في الصحافة، وكنت أدرك أسباب الموضوع، وأعمل بثبات وجد، عسى ان أتعلم الكتابة .
وبهذه الروح أبحرت آيدا تاربيل قاصدة باريس لا تعرف من اللغة الفرنسية إلا القليل، وفي محفظتها بطاقة سفر ثمنها 150 دولارا، ولتكتب حياة مدام رولان، وتعمل في نفس الوقت في كتابة قصص قصيرة، وتأمل ان تبيعها للمجلات والصحف بعد عودتها الى الوطن، وعادت بعد ثلاثة أعوام، بعد ان حققت ما كانت تصبو اليه، وهذه صفة مميزة لآل تاربيل.
وقد حدث لها في باريس شيء اكثر أهمية، وأكثر قيمة بالنسبة لعملها في المستقبل، وهذا ايضا يفوق دراستها في السوربون، وقبولها لدى جماعة من ذوي العقول الراجحة في فرنسا الذين تحققوا من ذكائها الخارق، فرحبوا بها في مجتمعهم، ذلك هو لقاؤها بالسيد ماك كلور، رئيس نقابة الصحافة، الذي باعته أول قصة صغيرة لها بعد عودتها الى الوطن، ولم يمض عشر دقائق على ذلك حتى كان يصعد راكضا سلم الطابق الرابع حيث تقيم، وهو في طريقه الى البنك ومنه الى محطة السكة الحديدية ليلحق بالقطار الذي استقلته في طريقها الى سويسرا، ليطلب منها ان تقوم بمقابلة صحفية مع مشاهير العلماء الفرنسيين، وان تكتب عنهم مقالات لمجلة شهرية ينوي اصدارها، وبدأ مستر ماك كلور، وهو من اكثر رجال عصره فعالية ونشاطاً يتكلم وتصغي بافتتان الى الطريقة التي استطاع بها ان ينقل اليها خياله وحماسته عن المجلة التي لم تولد بعد، ولما ظهرت مجلة ماك كلور في أواخر صيف عام 1893م احتوى عددها الثاني قصة لها عن معهد باستور، ذكرت فيها مقابلتها مع لويس باستور الذي يبلغ السبعين من العمر، وأقعده الفالج منذ خمسة وعشرين عاما، وكتب لها في مقابلته الأخيرة يعرب لها عن ألمه على قطعة صغيرة من الورق، ويوضح هذا التعبير فلسفته الخاصة: فحين تعجز القوة عن العمل، يتوقف التزام الانسان عن عمل الخير .
ثم أخذت مخطوطها الذي كتبته عن مدام رولان الى أمريكا عام 1894م، وحين قابلت مستر ماك كلور، طلب منها ان تقبل عملا لديه، وان تقوم بكتابة مقالات قصيرة عن حياة نابليون لتنشر مع مجموعة من الصور التي حصل عليها لمجلته، وسرعان ما ظهر نجاح هذه المقالات الطريفة.
وشرعت بعدها مس تاربيل، تحت الحاح مسترماك كلور في كتابة سلسلة أبحاث ومقالات عن الرجل الذي قال عنه: انه يعني الكثير بالنسبة لي، فقد قمت بدراسة عنه، أكثر مما فعلت عن أي انسان آخر .
وكان هذا الشخص هو ابراهام لينكولن، الرجل الذي تبارى الكتاب في سرد تاريخ حياته خلال ثلاثين عاما، بكل عناية، وبكل اهمال، بحب وبحقد، ولا يزال يستفز المؤلفين للدراسة والتقدير منذ أكثر من نصف قرن، بعد ان نشرت ايدا تاربيل مجلدين عن تاريخ حياته، وقد قالت بعد بلوغها الثمانين ان أعظم حسرة تشعر بها في حياتها الأدبية، انها لن تعيش لتضع كتابا عن حياة هذا الأمريكي العظيم.
وقد زارت مع عدسة التصوير كل شبر من الأرض التي مر بها لينكولن وهو فتى، ثم وهو محام في دائرته، والتقطت كثيرا من الصور، ونقبت في اعداد كبيرة من الصحف والملفات القديمة، وتحدثت الى الذين عرفوه أو رأوه أو سمعوه.
وحين أرادت كتابة المزيد عن لينكولن في الأعوام التالية، انطلقت تتقصى الوقائع التي جعلتها من أبرز كتاب عصرها وأرسخهم قدماً، وفي خريف عام 1900 اقترحت على مستر ماك كلور، ان تكتب تاريخ شركة ستندار داويل كومباني، التي انغمست ادارتها في احتكارات كبيرة، وأصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكما بحل الشركة عام 1892م، وعلى الرغم من ذلك الحل الصوري اتسعت احتكاراتها عام 1900 حتى أصبحت أكبر مما كانت عليه في السابق، وكان الشيء الذي تصبو اليه هو دراسة التاريخ الوافي لشركة استندار داويل دراسة وافية وكتابة حقيقة عملها بصدق وأمانة.
وشرعت في جمع الوثائق وفحصها طيلة عام كامل قبل ان يعلن مستر ماك كلور عن نشر سلسلة مقالات عن الموضوع، وبعد صدور الاعلان بأيام قليلة، دخل ماك كلور مكتبها واخبرها ان مارك توين اعلمه ان أحد كبار رجال شركة ستندار أويل يرغب في التعرف بها، وكان ذلك الرجل هنري روجرز، المساعد الأيمن لجون, د, الذي اكد لها عند المقابلة، رغبته في التعاون معها في البحث عن الحقائق في أي مكان وفي أي قضية قانونية للشركة ضلع بها، وبالمقابل أكدت له انها ترحب بمساعدته في تصفية موقف شركته في هذه القضايا، مشترطة أن يكون الحكم على الواقع وتفسيره من حقها وحدها، واتفقا على شروطهما المتبادلة، وكان موقف مستر روجرز مفيدا جدا خلال العامين التاليين، وقد ظنت انه قد يغير موقفه بعد ظهور سلسلة مقالاتها في مجلة ماك كلور، ولكنه بدلا من ذلك، بدا حادا في الاستمرار في عمله، واخيرا اتضح لها انهما وصلا الى قضية خاصة، أراد مستر روجرز ان يقنعها بعدالة مطالب شركته فأصغت اليه حتى أنهى كلامه، ثم باشرت مع محام اختارته بنفسها، دراسة الوثائق التي أعطاها اياها مستر روجرز، وتأهبت للمقابلة الثانية التي حدد موعدها بعد ظهور عدد مجلة ماك كلور، وفيه بعض الوقائع غير السارة عن تصرفات شركة ستندارد أويل، وهي من النوع الذي أكد لها مستر روجرز سابقا ان الشركة لم تقم بها أصلا.
ان قصة هذه الشركة نشرت في كتاب عام 1904م، واعتمدتها السلطات، كما ساعدت كثيرا المحكمة العليا عام 1911م وبشكل فعلي على حل شركة ستندارد أويل.
وقد بلغت مس تاربيل السابعة والثمانين، دون ان تتوقف عن العمل، وبقيت كذلك حتى وفاتها، وتركت العمل في مجلة ماك كلور عام 1906م لتعمل في المجلة الأمريكية، شريكة ومحررة، وبقيت كذلك حتى عام 1915م، ثم كرست جميع أوقاتها لكتابة والقاء المحاضرات، وفي أواخر حياتها تعرضت للنقد من جهات عديدة بسبب كتابتها تاريخ حياة البرت, ش, غاري، وأوين, د, يونغ، وتحدثت برضا عن المساعدات التي تقدمها الشركات الكبرى وبعض زعمائها، وكانت تعلم العلم الأكيد انها ستلاقي نقدا عنيفا عن كتابتها تاريخ حياة هذين الرجلين، وسوف يقولون انها تأثرت بالرجال الذين كتبت عنهم.
والحقيقة ان آيدا تاربيل امرأة ذات ثقافة متينة، فهي تعلم ان للمصالح الكبرى فوائد كثيرة في تحسين ونمو وطن ناشىء، ولم تفكر بغير ذلك، فكتابها عن احتكار الزيت أدان الأعمال السيئة التي ترتكبها المصالح الكبرى، وليست الأعمال نفسها، لقد كانت انسانة بكل ما تعنيه كلمة انسانية من معان سامية، وانتقدت كل من لا يضع في حسابه ان العنصر الانساني يفوق أهمية كل عنصر آخر في التجارة والصناعة، ولكنها اعترفت أيضا ان نمو الصناعة السريع خلق مشاكل كبيرة انسانية وفنية يحتاج حلها الى زمن طويل.
ولم تكن آيدا تاربيل في يوم من الأيام من الأشخاص الذين ينظرون الى البشر نظرة عاطفية، سواء كانوا بيضا أم زنوجا، كما لم تعرض مقاييس أعمالها للشبهات، وهي امرأة ذات عاطفة دافئة، ظلت خادمة مجدة للحقيقة طيلة حياتها، ذات فكر صائب، وشخصية متزنة، تركت طابعها البناء على الحياة في عصرها، وهي من النساء الرائدات في ميدان عملها.
أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved