أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 11th February,2001 العدد:10363الطبعةالاولـي الأحد 17 ,ذو القعدة 1421

محليــات

لما هو آتٍ
هوية الإنسان
د. خيرية ابراهيم السقاف
كحبات المطر,, في لحظات عطش تستدر الرُّواء,.
وأبخرة الشاي، والقهوة في لحظات شفائية تستدرّ لمسات الدفء,.
وومضات الضوء، في لحظات ظلمة تستلهم النور,.
وقطرات الدمع، في لحظات شجن تستحلب الدموع,.
ومقاطع كلمات تتلعثم فوق الشفاه، في لحظات مفاجآت سارة أو مفرحة، تستلهم البوح,.
وجدتها,.
في أماسي الشعر، وجلسات الفكر، بين ردهات معارض الكتاب، هنا في الرياض، وهناك في الإمارات، وهناك هناك في مصر,.
في حلقات النقاش حول المسرح، والفنون الراقية الخالدة، ومشكلات ذوي الصعوبات الخاصة وقضايا الفكر التربوي في مواجهة نظم القيم، ومتغيرات التحديث، وطوارىء التطوير، والبحث عن الهوية الإنسانية كان غرضي,.
البحث عن الإنسان بين كل هذه المتراكمات من الزَّخ الفكري المكتوب، والمنطوق، والمسموع، والمُشاهد،,,.
كنتُ هنا، وكنتُ هناك,.
حرصت أن أتحرك كي ألتقط لهذه القضية، رواءً من حبات المطر، ودفئاً من أبخرة الشاي والقهوة، ووميضاً من حزم الضوء، وقطرة من حبات الدموع، ومقاطع كلام من شلالات بوح,.
هوية الإنسان بين كلِّ هذا صارخة في وجودها، حادّة في ظهورها,.
لكنها قطعة الفلّين التي يمررها الإنسان ذاته في كل مواقف الإنسان، وما يلبث أن يجعلها تستشف، فيعاود تغليفها ومن ثمَّ حجرها في صناديق مغلقة ليعلن سخطه على الإنسان!!
الإنسان يحارب الإنسان,.
والإنسان لا يلتقط هويته عند ظهورها ولا عند خروجها من قوقعها الذي زجَّها فيه ثم غادر,.
في المواسم المزدحمة يتلاحم الإنسان بالآخر,.
في هذه المواسم: ترتفع عبارات الثناء، ويعبر المديح، ويعرف كلٌّ صاحبه، ويقرب البعيد من الآخر، ويحرص كلٌّ على تقديم ما في جوفه من عبارات للآخر، وتتلاقى الأفكار، ويعطي كلٌّ حقَّ الآخر له، ويشعر كلُّ واحد أنه إلى الآخر,.
فهناك من يكتشف أن فكره في متناول الجميع، وهناك من يجد منهجه قد أدركه من الناس شرائح لا تحصى، وهناك من يكتشف معرفة الآخر له وهو في منأى عن إدراك ذلك، هناك من يجد نفسه في عقول الآخرين، وهناك من يلتقط اسمه من بين شفاه الأكثر، و,, تطمئن الجوانح، وتلتئم الجروح، وتُردم الفجوات,.
ويجد كلٌّ ضالّته، وتزدحم الحقائب والمخابىء والجيوب، وداخل أوراق الكتب والدفاتر بل حتى جوازات السفر بأوراق وبطاقات تحمل عناوين مجموعة، وأسماء أخرى، وهواتف أغلبية,, في منظومة جميلة من المشاعر والعلائق,,.
حتى إذا حملت الطائرات، أو العربات، أو سواها كلاًّ إلى مكانه,.
وفُضَّ الجمع,.
وأغلقت الردهات الواسعة التي جمعتهم,.
وخلت المواقع منهم,,.
وأضرفت حقائبهم,.
تشتت مع أوراق العناوين والهواتف والأسماء كلُّ ما تكوّن في الداخل من مشاعر التلاحم في لحظات التزاحم,,.
وعاد الإنسان إلى توحده بذاته,, نسي الاسم مع غياب الوجه.
وضاعت قضايا التلاحم، والتفاعل,,.
وطويت الهوية الإنسانية وعادت إلى صناديقها في انزواء,.
وحلَّ مكان الفرح في الصدر شيءٌ من دبيب الجفاء!!
وهكذا,,, يعود الإنسان إلى حاجته,.
لأن يستدرّ الرواء، ولمسات الدفء، وومضات النور، وقطرات الدموع، ومقاطع البوح,.
لأن الجفاف يعمُّ، والظلمة تشمل، والشَّجن يتعالى، والمفاجآت تتقاطر,,,!!
وتظل قضية هوية الإنسان للإنسان,,.
تتصارع أمامي,,ولا أزال أقف حيرى خلف أبواب أقفاصها,, أحاول أن أفكَّ عنها قيودها,,.
لكن ليس لها مفتاح واحد كي أفعل,,.
إن المفاتيح في أيدي كلّ الذين تجمّعوا فأطلقوها، ثم تفرقوا فسجنوها.

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved