أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 17th February,2001 العدد:10369الطبعةالاولـي السبت 23 ,ذو القعدة 1421

الثقافية

البليهي ...وأد مقومات الإبداع
عبود سليمان عبيد
*قراءة في كتاب
*الكتاب: وأد مقومات الإبداع
*المؤلف: إبراهيم بن عبد الرحمن البليهي
*صادر عن سلسلة كتاب المعرفة التي تصدر عن مجلة المعرفة السعودية «الكتاب 9»
تؤكد الرياض على أهمية الانشطة الثقافية لعام 2000م لتكون عاصمة للثقافة العربية بينما يزمع أهمية الوعي الكامل بالتحديات الثقافية المحدقة بالأمة العربية واستنباط الوسائل المختلفة لتأهيل انفسنا والحفاظ على هويتنا الثقافية ولغتنا وسمتنا الحضارية في التعبير والتفكير في قيمنا الروحية الأصيلة.
وقد صدر مؤخرا كتاب جديد عن مجلة المعرفة لنحتفل مع هذا الكتاب «وأد مقومات الابداع بابداع مؤلفه ابراهيم البليهي» بترسيخ الشعور لدى الناشئة والأجيال الجديدة بالاعتزاز بالهوية الثقافية والابداعية وتنمية تفكيرهم العلمي وتشجيعهم على الابداع والحوار والتحليل واحترام الرأي الآخر والتحلي بالتسامح والقيم التي يزخر بها تراثنا وثقافتنا ونبذ كل اشكال التعصب والانطواء والانعزال عن مجريات العصر.. مع التأكيد على لغة الحوار ما بين الثقافات والحضارات على قاعدة الندية والاحترام كوسيلة من أهم الوسائل لاقامة علاقات وطيدة وتحقيق تفاهم اوسع ورسم مستقبل إنساني مشترك بين الأمم والشعوب مع ادراك الاتجاهات الجديدة منها العولمة التي من شأنها ان تؤدي الى اقامة روابط متينة بين الأمم اكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى غير انها قد تؤثر سلبا على الهويات الثقافية للشعوب وبذلك تصبح الحاجة ملحة الى الاحترام المتبادل بين الثقافات والى التمسك بكل ما يبرز خصوصيات هذه الثقافة ومنها ثقافتنا العربية مع التأكيد على ان ثقافة هذا القرن الجديد يجب ان تكون ذات ثقافة مغايرة للثقافة الحالية من حيث الوسائل والأدوات والامكانيات الأمر الذي سيفرض تقنيات حديثة قد لا تتوفر لكل الفئات مما يفاقم التفاوت الثقافي بين الدول وبين الشعوب والأفراد وقد يحتم في ذلك حشد من الطاقات مع قيام تنسيق كل ما هو ضروري بين الثقافة العربية لمواجهة هذه المشكلة مع الاهتمام بالصناعات الثقافية المحلية وتطويرها وتأهيل العاملين فيها تحقيقا للاكتفاء الذاتي بما في ذلك في المجابهة والمنافسة مع توفير الاعتبار للانسان كهدف اساسي في التنمية الشاملة وتمكينه في الحقوق الثقافية التي يحتاجها وتوفير المناخ المناسب مع حوافزه المادية والمعنوية للمبدعين وإيجاد الفضاءات العلمية للمتفوقين والموهوبين والاستفادة من مواهبهم والعمل على استعادة جميع الخبرات المهاجرة الى الخارج للاسهام في تطوير القدرات العلمية والتكنولوجية للوطن العربي مع اهمية مشروع العقد العربي للتنمية الثقافية ومشروع مستقبل الثقافة العربية والاهتمام بثقافة الطفل العربي من توثيق للفلكلور العربي ونشرها باللغات الأخرى لتأكيد أهمية التنمية الثقافية عبر ملامح ومميزات المبعدين فيها وعبقرية الاهتمام وغنى الأمة العربية في المبدعين وهدم خرافة الوهم بأن الشهادات والمؤهلات كبوابة للابداع وخاصة باتجاه من يسعون الى هدم خرافة العقل السليم في الجسم السليم حيث يلح الكاتب على أهمية حب الابداع والمبعدين وعدم وأد مقومات الابداع بأورام الرموز وانتفاخ الشخصيات ببعض الألقاب والفقاعات التي تشعر المرء بالاحباط واليأس وبمرضها وآلامها من دون تزييف.
أما عن الابداع فهو غاية كل حي والحي هنا ليس الذي ينبض قلبه فحسب بل الذي ينبض عقله ايضا.
«ولكم حيت أمة بسبب من مبدعيها.. ولكم مات مبدع بسبب من أمته».
لتبقى قضية حماية المبدعين في كل الحدائق والصحارى بحاجة الى حرية ومساواة وشفافية ص 14 ما لم تتوفر هذه الطقوس والمناخات فسيصبح من اليسير على كل انسان «أجوف» ان يدعي الابداع.. او يشتريه او يستعيره كما سيصبح من اليسير على كل انسان ان يقتل مبدعا بزعم انه نشاز في مسيرة القطيع او دسيسة في لحمة المألوف او معتوه في ركب العقل الساكن.
مع هذا الكتاب نتنزه في كتاب معرفة ما زالت نتوخى بها الجودة في الطرح كأسلوب ومضمون وما زلنا متماسكين بمحتوياته الثمينة حيث يتواصل هذا الكتاب مع سفوح الابداع ومن يقرأ تاريخ الامم والشعوب ويتأمل اوضاع المجتمعات سوف يجد بأن الحياة البشرية قائمة على القيادة والانقياد وبأن قلة تقود وكثرة تنقاد حيث مع ان الناس في الثقافة العربية قد اعتادوا ان تنصرف أذهانهم حينما تذكر مسألة القيادة والانقياد في مجال الحروب او في مجالات السياسة لكن الواقع ان في كل جانب من جوانب الحياة البشرية قائم على قطبي القيادة والانقياد وامتلاك السلطة مع القدرة على الريادة في قدرة التأثير وبذلك تأتي القيادة كوصف قيمي ينطوي على المدح او القدح مع هذا الوصف الحيادي للدلالة على امتلاك قدرة الاحتراق وتجاوز المألوف والتأثير على الآخرين سواء بقيادتهم الى الخير او الى الشر مع ان أي مجتمع يتكون من قلة من الموهوبين المبادرين المبتكرين ومن كثرة المقلدين المنقادين فالموهوبون النادرون يتقدمون الجميع او يتقدم كل واحد منهم في قطاع من قطاعات النشاط الانساني 18/ فديكارت غرفة التاريخ قائدا في مجال الفكر ورائدا في كيفية استخدام العقل. والاسكندر المقدوني عرفه التاريخ فاتحا ومدهشا كاد أن يتمكن من اخضاع اهل الأرض وهو لم يبلغ الثلاثين من العمر في عصر لم تتوافر فيه امكانات التحرك السريع.
ونيوتن عرفه التاريخ كقائد في مجال فهم الكون وتأسيس علم الطبيعة. وشكسبير عرفه التاريخ قائدا في مجال فني التمثيل والمسرح. وامرؤ القيس عرفه التاريخ قائدا ورائدا في مجال الشعر وعنترة بن شداد عرفه التاريخ قائدا في مجال الشجاعة القتالية. وحاتم الطائي عرفه التاريخ قائدا في مجال السخاء واكرام الضيف حيث الريادة في اي مجال لا تعني الاكتمال وانما تعني بداية التأسيس وفتح الافاق للمبدعين للأجيال اللاحقة لمواصلة الابداع. فامرؤ القيس اسس فن الشعر باللغة العربية ومن ثم ظهر بعده شعراء عظام يفوقونه في الابداع والموهبة لكن تبقى الريادة لامرئ القيس في العصر الحديث والحاضر يقوم عدد من الباحثين بتقديم بحوث واطروحات للدكتوراه في جوانب مختلفة في ابداع شاعر واحد ولكن جميع هذه البحوث والطروحات لم تعن بأن هؤلاء الذين كتبوا عنهم قد اصبحوا شعراء وانما أقصى ما تعنيه هذه الدراسات هم من درسوا الابداع واستجلوا بعض آفاقه الواسعة مع تمييز من هو مبدع او مقلد كذلك الحال ينسحب على نيوتن وانشتاين في عالم الطبيعة وغيرها حيث ان العلوم والفنون وكل الانجازات الحضارية قد تأسست بفعل الريادة القيادية وبواسطة القلة التي تمتلك قدرة على الابتكار والمبادرة ومن ثم انتشار بالمحاكاة والتقليد والالتزام وفي تحقيق التكامل والتناغم بين الرواد المبتكرين والمبادرين والكثرة المقلدين المنفذين ص19/ كانت معضلتنا نحن العرب بأننا توهمنا تعميم التعليم وهذا الأمر ألغى ايضا الحقيقة البشرية المحورية فأصبحنا نعطي الشهادات الدراسية أهمية مطلقة في تحديد دور الانسان وترتيب مكانته وتوهمنا ايضا بأن المتماثلين في الشهادات لا بد ان يكونوا متماثلين في القدرات وهذه ايضا من الأوهام الساذجة والقاتلة لأن التعليم قد يعطي المعلومات وهي سهلة التحصيل ولكن ذلك لا يدلل على وجود الموهبة الخاصة وانما يدل على ان الانسان واصل مسيرة التلقي التي قد تطول او تقصر ولكنها لا تحمل في طياتها اي دلالة على الموهبة كذلك هو الابداع خارج مهام التعليم وكذلك المدارس او الجامعات لم تخرّج مبدعين ولكنها تقدم الدارسين للمعارف الجاهزة فبرناردشو لا يحمل صفة الدكتوراه في الابداع المسرحي وهو ذاته لم يتجاوز الدراسة الابتدائية ولكن هو وحده الابداع الذي اعطاه هذا الصليل في الألقاب في الابداع المسرحي. الأمر كذلك ينسحب على شارلي شابلن ممثل الكوميديا المبدع وساعي البريد المبدع «أموس توتولا» وفي الكمبيوتر «بل جيتس» وعالم الاناسة «لويس مورجان» و«كولن ولسون» في اللامنتمي و«دوستويفسكي» الروائي الفيلسوف وهو المهندس الفاشل ونصير الفقراء وهذا الأمر ينطبق اصلا على «همنجواي» مضطرم العبقرية ومبدع الكهرباء «فراداي» والمبصر بعمى الألوان« دالتون» وسقراط مؤسس علم الجهل وبزاز الذي ايقظ اوروبا «ليفنهوك» وآخرون كان لهم الدور الأساسي في بناء الحضارة وكانوا مبدعين وكانوا قادة ويقودون عبقرية الاهتمام كشواهد حية على استقراء التاريخ في كافة مجالاته ليؤكدوا للحضارة الانسانية تطورها في اجابات مغايرة واصيلة مع هذا المجموع البشري بأكمله تقريبا في المدن والقرى والمصانع ومواقع العمل ليزدهر المجتمع بعدما تتكامل جهود الفئات التي قسمها «الاستاذ ابراهيم البليهي الى فئة المفكرين الباحثين عن الحقيقة المجردة وهم لا يطمعون في كسب عاجل او مغنم مادي وانما هم عشاق لمعرفة الحقيقة في هذا البيد الكوني والانساني وفئة المتميزين وهم ايضا افراد يعشقون الحقيقة عشقا عظيما ولكن عشقهم للحقيقة لا يشغلهم عن الانغماس في الحياة العامة فيحاولون ان يوظفوا معرفتهم خدمة للمجتمع والعلمية والارتقاء بذلك بمستوى الحياة والعيش وهو الأكثر نفعا للمجتمع والأشد تأثيرا على مسيرة الحضارة الانسانية اما عن الفئة الثالثة فهي فئة القياديين الذين لا يهتمون بالحقيقة ولا يسعون للمعرفة ولا تشغل بالهم مصلحة المجتمع ولا خير للبشرية ولا مستقبل معهم فهم لا يؤثرون ايضا على الناس وانما يملكون صفات قيادية قوية مؤثرة قد تتيح لهم التأثير الشديد على الآخرين فينقادون لهم وهم فئة قد تؤثر وقد تقود المجتمع باتجاه الاختلاف والتمزق والتدهور والانحطاط وفي ذلك كارثة وخيمة في التاريخ القديم والحديث والمعاصر عند كل الأمم وهم من يؤدون الابداع والحياة اما عن اسباب ندرة الابداع كما عللها الاستاذ ابراهيم البليهي في المجتمعات العربية فيرجعها الى ان الناس يعتبرون مصير الانسان يتحدد بولادته وبما يرثه من ابويه من صفات.. فالفرد في العرف العربي يولد ناجزا وحظه في التفوق والابداع ليس مرتبطا بجهده وكسبه او بما يحيط به من مؤثرات وهو مرتهن بتكوينه الجنيني السابق لوعيه وهو اما ان يولد بموهبة تفيض تلقائيا دون ان يكدح او ان يبقى لا امل له في انجاز اي ابداع وقد يواجه ايضا موهبته المستكنة ويستثير الابداع عنده بعد ان يتقدم به العمر ويعتبروه نابغا وامعانا في اغفال العوامل الخارجية واهمال دور العقل المكتسب مع انه هو العقل الأهم الذي بتفاوته يتفاوت الافراد وتتفارق الامم فالذي لا يبدع ولا يتفوق في المهارات التي يحددها النشاط الذهني والبدني في المراعي الجيدة لفيافي التعامل مع الأشياء يكون الدور الأبرز والأثر الحاسم للاهتمام والجد والرغبة مع مجالات الفن والفكر والعلم والتقنية والادارة والعمل فالمتفوق او المبدع او الماهر في المجتمعات المتقدمة هو الذي يحيل تفوقه او ابداعه الى جهد ومباشرة وعزيمة كذلك المهارة هي التي تتطلب الجهد ويستلذ بالتعب ويذهب معه الوقت دون الشعور به كذلك هي حياة مبدعين مثل دوستويفسكي كمثال حي على انه ذو فيض تلقائي قد ينساب مترعا بالموهبة والابداع والتفوق والانجاز الحقيقي وهو ايضا ومعه مجموع القابليات الانسانية نظام معرفي قد تتحدد به معطيات الواقع وقد تتشكل فيه قابليات الأفراد في المجتمع الى الأفضل دائما.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved