أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 22nd February,2001 العدد:10374الطبعةالاولـي الخميس 28 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

الإعلام الأمني فتح جديد
يدور في بعض الاوساط الاكاديمية والثقافية والإعلامية والأمنية والشعبية همس وجدل، خفي وظاهر، حول الانفتاح الاعلامي على القضايا الامنية في البلاد، ومدى اقتراب عدسة المصور، وقلم الكاتب، وتعليق الصحفي من الحدث الامني، وعن هامش الحرية في تناوله، والسرعة في تناقل الخبر عبر الوسائط الاعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية.. حتى صور الامر في هذه الاحاديث وكأن الاعلام والامن ثنائية متناقضة لا يمكن الجمع بينهما..
وقد تكون هذه الصورة النمطية عن العلاقة التنافرية بين الامن والاعلام في المملكة صائبة في ظروف اجتماعية وسياسية وثقافية وتقنية لاتحتمل ابتلاع الجرعتين معا، برر احد اسبابها احد المخضرمين في تاريخ الاعلام السعودي، بأن مايعد خبرا في بلاد ومجتمعات اخرى، ويتصدر نشرات الاخبار المذاعة والمتلفزة، وافتتاحيات الصحف في تلك الدول ناهيك عن المعلقين والمحللين وكتّاب الاعمدة لايعد كذلك في مجتمعنا، حتى لو «تشوَّق» الجمهور، او بعض شرائحه، لمعرفته لكان في إفشائه بعض الضرر للمصلحة العامة للوطن والمواطن، خاصة في مجتمع يتصف الرأي العام فيه بالانفعالية والعاطفية والمبالغة في تأثير الحدث او الخبر على حياة الناس الشخصية، وعلى وتيرة حياتهم اليومية، وقد يبلغ الخيال بالمتلقي مبلغا يتجاوز حتى مالا يحتمل الحدث نفسه. فالرأي العام كما تذهب تلك المدرسة من التفكير يتطلب قدرا معينا من الثقافة العامة، ونصيبا وافرا من الاجماع على بعض الاساسيات المتعلقة بالثوابت المستقرة في وجدان المواطن وتنشئته تجاه الوطن والهوية والسلطة. وكلما تصاعدت مؤشرات الثقافة العامة، ومستويات التعليم، والعقلانية في وزن الامور ووضعها في نصابها الصحيح أصبحت نظرة الافراد والمجتمع للحدث والخبر وكأنهما جزء طبيعي من «دينامكية» الحياة العامة في المجتمع. فأي تجمع بشري مستقر في حدود دولة وسلطة وارض لابد من ان ينال نصيبه من السراء والضراء، ويبتلى الفرد والجماعة فيه بنزغة من نزغات الشيطان، وألوان من نزعات الشر والجرائم، والانحرافات الانسانية، والكوارث الطبيعية التي تحدث في اي مجتمع.
لقد تكون لدى الرجل الذي بيده «ملف الاعلام» وهو رجل أمن في ذات الوقت، قناعة بأن الوقت والظرف قد اصبحا ملائمين لمحاولة المواءمة والتوفيق الايجابي بين ضرورات الامن ومقتضياته ومتطلبات الاعلام وطموحه. وجاءت النتيجة ايجابية ومشجعة وينبئ استشرافه لذلك عن نضج امني وحس اعلامي متقدم، والشواهد لاتحتاج الى شاهد.. فالجميع لمس كيف تم مزج الذي كان يعتقد انه ليس قابلا للمزج:
الاعلام والامن حينما تعاملا مع قضايا خطيرة جدا مثل حادثة اختطاف الطائرة السعودية الى بغداد، وقضايا السرقات الكبرى، وتهريب المخدرات، والحرائق، وحوادث التفجيرات والتخريب، وحوادث السيارات وماحصدت من الارواح، وحوادث الانتحار، وغيرها من مختلف انواع الجريمة والانحرافات والجنح، ولايغيب عن البال كارثة «حمى الوادي المتصدع»، في جازان، اذ كانت فتحا اعلاميا امنيا غير مسبوق في تاريخ الاعلام السعودي الحديث في التعامل مع الحدث، بتلك الشفافية والدقة والسرعة في نقل الخبر والحدث والحقائق بشكل يومي.
فلو تعاملت اجهزة الامن مع وباء «حمى الوادي المتصدع» بالتكتم الاعلامي انطلاقا من دواعي الامن لكان وقع الامر في نفوس المواطنين بحجم اسم الوباء: بلبلة ومبالغة واشاعة وسخطا، واستغلالا للحدث من جهات حاقدة وحاسدة، وغير محبة لهذه البلاد واهلها ولقد شاهد من شاهد في بعض وسائط الاعلام الخارجي دون تسمية في تصوير أحداث اجرامية وكأنه عرس أو مهرجان أو كارنافال، وليس مأساة انسانية، او تصرفا ارعن وغير مسؤول من اشخاص خانوا الامانة، وعبثوا بالامن، وروعوا الآمنين.
لقد تعامل وتعاون الاعلام والجهات الامنية مع هذه الاحداث بمنتهى المهنية، وكانت تجربة ناجحة بأي مقياس: سرعة في نشر الخبر، ومتابعة مستمرة، وشفافية واضحة لأبعاد القضية من مختلف جوانبها، واصبح المواطن لايحتاج كما تعود سابقا الى اللجوء الى محطات اذاعية او تلفزيونية اجنبية للبحث عن المعلومة، او لتقصي الحقيقة، او تتبع مجريات ذلك الحدث الامني في البلاد.
إن هذا النهج الاعلامي الامني يعد منعطفا جديدا وانفتاحا غير مسبوق في مسيرة الاعلام السعودي، حيث اصبحت المعلومة الامنية يسمعها المواطن، ويتابع مجرياتها ممن لديهم المعلومة الاكيدة، ومن مصادرها الاولية. يكفي ان كارثة انسانية وصحية ووبائية بحجم «حمى الوادي المتصدع» حصدت ماحصدت من الانعام والبشر وماتزال ومع ذلك كانت ردود فعل المواطن والرأي العام متوازنة وهادئة بسبب نضج وواقعية التعامل الاعلامي الامني معها، وبالقدر المتناسب للحدث دون تهوين او تهويل، والفضل يعود في ذلك لمنهج ونهج اعلامي امني متطور في التعامل مع الحدث الامني بكل تداعياته وتفاصيله، وبالسرعة التي يتطلبها عصر سرعة نقل المعلومة من مصادرها الاصلية، حيث الثواني والدقائق وليس الساعات تعني المصداقية، او تعني انعدامها.
إن هذه النقلة النوعية في الاعلام الامني السعودي لم يلمسها، ويحس بأثرها، المتخصصون في الاعلام والمتعاملون مع ادواته فحسب، بل لمس اثرها الايجابي المواطن، وهذا هو المهم وزاد رصيد مصداقيته بالاعلام السعودي خاصة في جانب الخبر الأمني منه ولا أخال فطنة القارئ الكريم تعجزه عن معرفة الشخصية التي تقف وراء هذا التحول.. فهو فارس في المجالين معاً.
د.يوسف بن أحمد العثيمين

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved