أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 24th February,2001 العدد:10376الطبعةالاولـي السبت 1 ,ذو الحجة 1421

الاقتصادية

وصفة عولمية
ساندويتش همبرجر وعالم ديزني!!!
د، زيد محمد الرماني *
إنه لأمر مؤثر عن حق ما يقوله توماس فريدمان إن بؤساء الأرض يرغبون في الذهاب الى عالم ديزني وليس الى المتاريس، تستحق هذه العبارة مكانا لها، لدى الأجيال القادمة، بجوار إعلان الملكة ماري انطوانيت عام 1789م الذي صرحت به عندما علمت ان الناس تثور في باريس مطالبة بالخبز، قالت: فليأكلوا الكعك!!
إن قراءة فاحصة لتقرير التنمية البشرية للأعوام 1999م و 2000م الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية تؤكد ان 5، 1 بليون نسمة أو ربع البشرية يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم،
وربما لن يزعجهم الذهاب الى والت ديزني، ولكنهم سيفضلون أولا وقبل كل شيء الحصول على طعام جيد ومسكن لائق وملابس مناسبة وتعليم أفضل، فضلا عن الحصول على و ظيفة،
إن ملايين الناس في جميع أنحاء العالم مستعدون من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسية ان يشيّدوا المتاريس ويلجأوا للعنف دون أدنى شك،
إذن، لماذا لا يجري تخصيص جزء ضئيل جدا من ثروة العالم من أجل تعساء الأرض؟!
إذ لو خصصنا 1% فقط من هذه الثروة لمدة عشرين سنة لتنمية البشر التعساء فمن الممكن ان يختفي البؤس الشديد وتختفي معه مخاطر العنف المستوطن،
بَيْدَ ان العولمة صماء وعمياء إزاء تلك الاعتبارات، وبالعكس، فهي تزيد من سوء الاختلافات والانقسامات وتعمل على استقطاب المجتمعات،
في عام 1960م قبل العولمة المعاصرة، كان أكثر من 20% من سكان الكوكب ثراء أغنى ثلاثين مرة من أفقر من 20%، وفي عام 1997م وفي ظل قمة العولمة كان الأكثر ثراء أغنى 74 مرة من أفقر الفقراء في العالم!! وتتنامى هذه الفجوة كل يوم،
واليوم، إذا جمعنا الناتج الوطني الاجمالي لجميع البلدان المتخلفة في العالم، بسكانها البالغ عددهم أكثر من 600 مليون نسمة، لن يعادل ناتج الجمع مجموع ثروة أغنى ثلاثة أفراد في العالم،
صحيح، ان للعولمة جوانب ايجابية الى جانب آثارها السلبية، ولكن كيف يمكننا التغاضي عن حقيقة انخفاض دخل الفرد في أكثر من 80 بلدا أو في نصف دول العالم تقريبا خلال أعوام العولمة الخمسة عشر؟! أم أنه منذ سقوط الشيوعية، عندما رتب الغرب افتراضيا علاجا اقتصاديا عبقريا للاتحاد السوفيتي السابق، مطاعم ماكدونالدز جيدة،، وقع أكثر من 150 مليون نسمة من سكان الاتحاد السوفيتي السابق من مجموع السكان الذي يصل الى 290 مليون نسمة تقريبا، في شباك الفقر؟!!
للحقيقة، فإن العولمة تمثل عرضا من أعراض نهاية الدورة ليس نهاية العصر الصناعي فحسب، مع وجود التقنية ا لجديدة اليوم، وليس نهاية الثورة الرأسمالية الأولى فحسب مع الثورة المالية، ولكنها أيضا نهاية الدورة الفكرية الدورة التي كان العقل يقودها، كما عرفها فلاسفة القرن 18م،
لقد ولّد العقل السياسة الحديثة، كما زعموا، وأشعل شرارةالثورتين الامريكية والفرنسية، ولكن هذا العقل المشيّد: الدولة، المجتمع، الصناعة، القومية، الاشتراكية، قد تغير تغيراً عميقا، ويمكن القول، من زاوية الفلسفة، ان هذا التحول يمسك بناصية الدلالة الضخمة للعولمة،
يقول ايجالنسيو رامونيه: لقد عرفت البشرية منذ العصور القديمة، مبدأين تنظيميين عظيمين: الآلهة ثم العقل، وقد أصبح السوق يخلفهما،
إن انتصار السوق وتوسع العولمة قد يؤدي الى حدوث مكاشفة حتمية بين الرأسمالية والديمقراطية، بحيث تقود الرأسمالية بلا هوادة الى تركز الثورة والقوة الاقتصادية في أيدي مجموعة صغيرة، وهو ما يقود بدوره الى التساؤل الأساسي التالي:
كم تستغرق عملية إعادة التوزيع من وقت كي تجعل هيمنة الأقلية الغنية مقبولة لدى غالبية سكان العالم؟
وتكمن المشكلة في أن السوق يعجز عن الاستجابة والعولمة تدمر دولة الرفاه في جميع أنحاء العالم،
إذن: ما الذي يمكننا القيام به؟! أظن ان الاجابة النموذجية عند دعاة العولمة: أعطوا الناس ساندويتشات الهمبرجر وأرسلوهم الى عالم ديزني!!!، حتى نمنع نصف البشرية من التمرد واختيار العنف؟!!!
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved