أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 25th February,2001 العدد:10377الطبعةالاولـي الأحد 2 ,ذو الحجة 1421

وَرّاق الجزيرة

مجموع العلامة إبراهيم ابن عيسى بخطه
عبدالله بن عبد العزيز الهدلق
مع مطلع كل يوم يضيء لنا نور يبدد شيئاً من الظلمة التي لفت تاريخنا المحلي هذا القريب ..فهذه وثيقة نادرة أو قصيدة مجهولة تكشف معلومة ترد فيها عرضاً عن معضل أتعب أهل الاختصاص، وهذا خبر في حاشية كتاب مهمل ربما غير حقيقة من حقائق التاريخ تلقفها الخالف عن السالف فأصبحت من المسلمات في حياة الناس لا يرتابون في أمرها .
ماأشد حاجة تاريخنا المعاصر القريب ولا أقول حاجة تاريخ المنطقة في تلك العصور الضاربة في القدم فهو أولى إلى كل ما من شأنه أن يضيف لبنة جديدة في بناء تاريخنا، أو معلومة طريفة تزيد من رباط ما بيننا وبين هويتنا .
لقد يظن أننا حين نقف على سفر من أسفار التاريخ مثلاً نكون قد أثرينا جانب المعرفة التاريخية فقط، ولكن أدنى نظر محقق يفند هذا، لأن المعارف يأخذ بعضها بأهداب بعض، ولأن من أعظم مزايا المكتبة الشاملة كسر الحواجز الوهمية بين العلوم، تلك الحواجز التي أقامتها نظم الدرس المعاصر.
ونحن حين نطلع على سفر من أسفار التاريخ ما اطلعنا عليه من قبل نكون قد أثرينا التاريخ والتراجم واللغة والأدب وعلم الاجتماع، ولا أبعد النجعة إذا قلت والعلوم الشرعية أيضاً، بل جملة الفنون التي يغذوها ويرفدها هذا الأثر.
ومن هذا المعنى الذي ذكرت الأثر الذي اطلعت على مصوّرته، وهو مجموع )أو كُنّاش( العلامة الشيخ إبراهيم بن صالح ابن عيسى رحمه الله، ولهذا المخطوط الفريد أهمية كبيرة منها :
1 أنه للشيخ ابن عيسى وقدره بين علماء نجد قدره.
2 أنه بخط الشيخ نفسه .
3 أنه مجموع )كناش( وهذا الضرب من التأليف ليس مما ألفه أهل نجد، مع ما قد علمت من الطرافة والتوسع تكون في المجموع دون غيره مما أُلِّف قصداً .
4 أنه يكشف عن شخصية الشيخ ابن عيسى الفذة، ويبين عن اهتمامات معرفية ما كان يعنى بها أهل زمنه، مع شمول وتنوع غريبين ..فمن شرع إلى تاريخ إلى أنساب إلى لغة إلى عروض إلى جغرافيا .
6 أنه لم يستفد من هذا المجموع إلاقلة قليلة ممن كتب في شأن التاريخ النجدي، فهو غير موجود بين أيدي كثير من الباحثين فلا يعرفه منهم إلا القليل، ومن هذا القليل من نقل عنه ولم يشر إليه فصدق عليه قول شيخنا العلامة أبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري:«والقارئ السعودي يعانى أمرّ الشكوى من جهود تاريخية لابأس بها إلا أنها أهملت التوثيق في الحواشي وذكر المصادر آخر الكتاب، كأن حقائق التاريخ توحى إليهم، وكأنهم أكبر من مصادر يرجعون إليها ؟!»)1(
وأنا بعد سأترجم ترجمة موجزة للشيخ رحمه الله، ثم أختم بوصف هذا المجموع وأسوق نماذج من غرره وفوائده.
الشيخ إبراهيم ابن عيسى
هو العلامة المؤرخ الجغرافي النسابة اللغوي إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن عبدالرحمن بن حمد بن عبدالله بن عيسى بن عطية بن زيد القحطاني . ولد في أشيقر بلد العلماء في التاسع عشر من شعبان عام سبعين ومئتين وألف للهجرة، ونشأ نشأة علمية صالحة فتعلم أول ما تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم حفظ القرآن الكريم، وبعد أن شدا طرفاً من العلم رحل إلى شقراء ثم المجمعة ثم عنيزة ثم الزبيرالذي كان يعج بعلماء الحنابلة، كما زار الهند.
تلمذ على كبارمشايخ عصره كالعلامة، أحمد بن إبراهيم ابن عيسى )ت 1329(، والشيخ صالح بن حمد المبيض قاضي الزبير )ت 1315(.
وتلمذ له كثيرون أبرزهم الشيخ إبرهيم بن محمد ابن ضويان )ت 1353ه( وعلامة القصيم الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي )ت 1376(.. وفي آخرين .
وعرف عنه رحمه الله تعدد المواهب وتنوع الاهتمامات المعرفية ولاسيما في التاريخ والأنساب، وكان يملك مكتبة كبيرة تحوي ذخائر نادرة من المخطوطات والوثائق، وقد أثمرت هذه المكتبة مع تحصيل الشيخ العلمي عن مؤلفات اجياد ألفها الشيخ فأصبحت مراجع لكل باحث في التاريخ والأنساب كعقد الدرر وتاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، وقد أقام رحمه الله آخر حياته في عنيزة وتوفي بها ضحى يوم السبت الثامن من شهر شوال سنة 1343ه وصلي عليه بعد صلاة العصر في جامع عنيزة فرحمه الله رحمة واسعة .
قلت:هذه الترجمة التي سقتها منقولة برمتها ومستفادة بتمامها من مؤلف حافل ماتع للباحث الأستاذ عبدالله بن بسام البسيمي بعنوان «العلماء والكتاب في أشيقر خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين»)2( وإنما سقت هذه الترجمة منه وما سقته )بعد تصرف( يسير جداً إذ هي في الكتاب أتم مما هنا، لأنها أوفى ترجمة كتبت عن الشيخ رحمه الله، ولأن هذا الكتاب قد أوفى على الغاية، حُسنَ إخراج، وجودة عرض، وأمانة نقل وتوثيق، وطرافة معلومات، ولأنه من الكتب التي أفادت فائدة كبيرة من مجموع ابن عيسى هذا الذي أنا بسبيل الحديث عنه، ومن غيره من الوثائق والكتب مع الإشارةفي كل شاذة وفاذة إلى المصدر وأعتقد جازماً أن سيكون لهذا الكتاب أثر كبير فيمن سيتصدى لتأريخ الحالة العلمية والاجتماعية في نجد في الحقبة التي يشملها الكتاب .
وصف المجموع
يقع المجموع في خمس وتسعين صفحة في كل صفحة صورة لصفحتين من المخطوط ما خلا صفحات قليلة لا يوجد فيها سوى صورة واحدة. وقد كتب المجموع بخط الشيخ ابن عيسى نفسه مسطرتها خمسة عشر سطراً في صفحة تقريبا وربما زادت أو نقصت من صفحة لأخرى وخطها مقروء إلا في مواضع لكثرة الكشط والألحاق أو لسوء التصوير.
نماذج من المجموع
1 يبدأ المجموع بوثيقة فيها خصومة على وقف حكم السحيمي نقلها الشيخ حرفاً بحرف كما في آخرها.
2 ص13: «رأيت شرح التوحيد لعثمان بن منصور في المجمعة عند عثمان بن أحمد في مجلد كبير سماه فتح المجيد في شرح التوحيد وتحت عنوانه بخط الشيخ عبدالرحمن بن حسن ما صورته نظرت في هذا الشرح فرأيته شرحاً حسناً قد أجاد فيه مؤلفه وأفاد كان الله في عونه. ولكنه ذكر فيه شيخه محمد بن سلوم وحاله في الاعتقاد معلوم فلو أعراض عن ذكره رأساً لحسن هذا الشرح عندنا وفاق عند أمثالنا قاله كاتبه عبدالرحمن بن حسن عفا الله عنه». ومرافق مع المقال صورة منه.
3 ص41: «جميع خلفاءبني أمية من معاوية أربعة عشر ومدة خلافتهم منذ خلص الأمر لمعاوية إلى أن قتل مروان ابن محمد الحمار إحدى وتسعين سنة 91 وسبعة أشهر وخمسة أيام وابتداء دولة بني العباس في ربيع الأول...
4 ص48: «قوله لله درك عالماً، الدر بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدردر اللبن يدر بكسر الدال وضمها.. ويسمى اللبن نفسه دراً وهو كناية عن صفة الممدوح وأنها أضيفت إلى الله قصداً لإظهار التعجب».
5 ص 52: «المجتث أجزاؤه مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن ومثلها ومستفع لن فيه مفروق الوتر ولا يستعمل إلا مجزوءاً وجوباً وشذ..»
6ص 56: «وفيها أي في سنة تسع وتسعين ألف توفي الشيخان العالمان عبدالله وعبد الرحمن ابناءمحمد بن ذهلان في العارض رحمهما الله.
وجدت في آخر منسك الشيخ أبو نمي بن عبدالله بن راجح التميمي النجدي ..قلت هو من تلامذة الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي وإجازته له عندي موجودة ».
7 ص60: « في سنة سبع وأربعين ومائتين وألف وقع الطاعون العظيم الذي عم العراق ثم مشى على السواد.. والكويت الذي انقطع منه قبائل وحماثل وخلت من أهلها منازل بقي الناس في بيوتهم صرعى لم يدفنوا وأموالهم عندهم ليس لها والي وأنتنت البلدان من جيف الموتى وبقيت الدواب والأغنام سائبة ليس عندها من يعلفها ويسقيها .. ومات في هذا الطاعون محمد بن حمد بن محمد بن لعبون المدلجي الوائلي الشاعر المشهور)3(... وولد محمد بن حمد الشاعر المذكور في ثادق سنة خمس ومائتين وألف وتكلم بالشعر في صغره..»
8 ص 291: «تمير عدد رجاله ثلاثمائة رجل وبعده عن عشيرة أربعة وعشرون ميلاً ..شقرا عدد رجالها ألف رجل وبعدها عن عنيزة مائة وستون ميلاً. أشيقر عن شقرا شمال عدد رجالها أربعمائة رجل وبعده عن شقرا ثمانية أميال» . وبعده ص 295: «العارض قاعدة بلاده الرياض عدد رجاله ثلاثة آلاف رجل وبعده عن عنيزة جنوباً مائتين ميل ... منفوحة جنوب الرياض عدد رجالها مائتي وخمسين رجلاً وبعدها عن الرياض أربعة أميال..»
وبعد، فها إن القارئ الكريم ليرى أني تعمدت أن أسوق نماذج متنوعة مما في هذا المجموع النفيس، من تاريخ إلى لغة إلى أنساب إلى جغرافيا، وفيه من علوم الشرع والفتوى الكثير الكثير .. ولست أجد في ختام هذه المقالة إلا أن أرد مع الأستاذ البسيمي قوله في خاتمة ترجمة الشيخ ابن عيسى رحمه الله 2/328: «حبذا لو كلفت إحدى الجامعات في بلادنا أحد طلبتها بتدوين سيرة حياة المترجم وتقصي آثاره.. فإنه أهل لذلك وأكثر».
الهوامش
1 مقدمة «مسائل من تاريخ الجزيرة »الطبعة الأولى 1413ه
2 2/309 وقد صدر الكتاب عن جمعية أشيقر الخيرية الطبعة الأولى 1421ه
3 قارن «بعنوان المجد » 2/55.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved