أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 28th February,2001 العدد:10380الطبعةالاولـي الاربعاء 5 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

رؤى وآفاق
مع الصالحين
د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل
سير الصالحين طرق توصل إلى النجاة، وسبل تفضي إلى الخير والسلامة، فالقدوة الصالحة تبعد الإنسان عن المزالق، وترشده إلى ما ينفعه في دنياه وآخرته، فالتعرف على أنماط حياة الصالحين وعيشهم يولد القناعة، والرضا، والاعتدال في السير في الدنيا، فلا افراط ولا تفريط. إن في تاريخنا رجالا تركوا تراثا للبشرية عامة، فلماذا لا نستفيد نحن من هذا التراث، ونحن أقرب إليهم. لقد زحفت العولمة على الكبير والصغير، وسخرت وسائل الإعلام للتغلغل في قلوب النشء والشباب، فانصرفوا عن القراءة، واتجهوا إلى مشاهدة الفضائيات، وما توصي به وكالات الأنباء العالمية، فالناشىء اليوم لا يشاهد إلا ما تصنعه وسائل الإعلام الغربية، فالحاسب والتلفاز والفيديو، سيطرت على ما يرى أو يسمع، ولم يبق عنده وقت لشيء آخر من قراءة كتب عن رجالنا الصالحين، فوقته يفرغه بكامله في مشاهدة وسماع ما تبثه تلك الآلات. وقدرة المسلمين قاصرة عن مجاراة الغرب في صناعة الإعلام، ثم إن صناعة الإعلام خاضعة للمنافسة التجارية، فلا يستطيع التاجر إهدار ماله في صناعة اعلامية خاسرة، ومن هنا فإن من دخلوا في صناعة الإعلام من المسلمين ساروا في طريق غيرهم، من فتح المجال لما هو مرغوب، لأن المنافسة تجبرهم على ذلك، فالمال لا يسخر في طريق الخسارة، وإنما يسعى صاحبه إلى تنميته، وزيادته لا إنقاصه وإهداره، ومن هنا تعظم المشكلة، ويستفحل الأمر.
لقد ترك لنا أولئك الصالحون من الزاد ما يبلغنا طرق النجاة؛ من أمثال أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي ذر الغفاري، والحسن بن علي، وغيرهم، فلقد تركوا أثاراً تتمثل في حياتهم، وما أثر عنهم من الأقوال، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلبس قميصاً قيمته أربعة دراهم، فيقول: إني أخشى أن أسأل من لينه يوم القيامة، فيبكي مولاه سالم ويقول له: رأيتك قبل الخلافة لبست ثوباً بأربعين ديناراً فاستحسنته، فيقول عمر رضي الله عنه: يا سالم إني كنت لم أنل شيئاًَ إلا طلبت ما فوقه، فلما نلت الخلافة علمت أن ليس فوقها إلا الجنة، فدعني أطلبها. وقال رجاء بن حيوة وهو يتحدث عن عمر بن عبدالعزيز: قومت ثياب عمر بن عبدالعزيز وهو خليفة باثني عشر درهماً؛ قميصه، وخفه، وعمامته، وسروايله، وقلنسوته.
وقد عرف عن عمرو بن العاص القصد في الملبس مع ما تحت يده من إمارة مصر، فكان يقول: لا أملُّ ثوبي ما ستر عورتي، ولا دابتي ما حملت رجلي. وممن عرف بالزهد في الملبس النجار العذري، فقد دخل على معاوية في عباءة قديمة، فأخذ معاوية ينظر في عباءته وانشغل عنه، فقال العذري: إن العباءة لا تكلمك، إنما يكلمك من فيها، ثم ينهض ولم يسأل شيئاً، فقال معاوية ما رأيت أحقر أولا، ولا أكبر آخراً من العذري.
ونظرة الأنبياء والصالحين إلى الدنيا على أنها معبر للوصول إلى الآخرة، فقد قال نوح عليه السلام: الدنيا كدارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما، وخرجت من الآخر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: فيم أنا من الدنيا وما لي ولها، وإنما مثلي ومثلها كراكب سار في يوم صائف، فرفعت له شجرة، فقال تحتها ساعة من نهار ثم راح وتركها، وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: الدنيا دار ممر لا دار مقر، وقال أبو العتاهية في الدنيا:


أرى الأمس قد فاتني رده
ولست على ثقة من غد

وقال شاعر آخر:


أراها وإن كانت تُحبُّ فإنها
سحابة صيف عن قليل تَقَشَّعُ

ومن الصالحين الفضيل بن عياض بن مسعود شيخ الحرم المكي في النصف الثاني من القرن الثاني، فقد زاره الرشيد عندما حج في داره في مكة، فوعظ الفضيل الخليفة الرشيد، ولما أراد الرشيد الخروج قال يا فضيل هل عليك دين؟ فقال نعم دين ربي لو يحاسبني عليه، فالويل لي إن حاسبني عليه، والويل لي إن ناقشني، فقال الرشيد: إني أسألك عن دين العباد، فقال عندنا بحمد الله خير كثير لا نحتاج معه إلى ما في أيدي الناس. قال: هذه ألف دينار فاستعن بها. فقال: يا حسن الوجه أدلك على النجاة وتكافئني بالهلاك، أسأل الله التوفيق، فلما خرج الرشيد عاتب الفضيلَ أهلُ بيته، فقالوا لو أخذتها فاستعنا بها، فقال: إن مثلي ومثلكم مثل قوم كان لهم بعير يكدونه، ويأكلون من كسبه، فلما كبر وضعف عن العمل نحروه فأكلوه.
ومن الزهاد رجل قد لازم المقابر ليتعظ فعرف عنه ذلك، وعندما زار الملك المقبرة قال له اتبعني إن كنت صاحب همة، فقال الزاهد: إن همتي عظيمة، ولكنها ليست عندك، فقال الملك وما هي؟ فقال: حياة لا موت فيها، وشباب لا هرم معه، وغنى لا فقر بعده، وسرور لا يغيره مكروه.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved