أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 28th February,2001 العدد:10380الطبعةالاولـي الاربعاء 5 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

خواطر
اليوم مع زينة
د. عبدالمحسن محمد الرشود
سوف أترككم اليوم مع مشاعر شقيقتي غيوم التي فاضت، وتمخضت عن كلام أضعه بين أيديكم ومشاعر يملؤها الحزن تجاه إنسان ما ..المرأة تمتلك أحاسيس مرهفة..بل ربما تتفوق على الرجل فيها متى ما كانت نابعة من الداخل..شقيقتي تمتلك من مقومات الأدب، والعطاء ما يخولني أن أقول بأنها «زينة »الطبائع فلننظر اليوم ما تقول الغيوم رغم تسميتي لها زينة :


لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد
ولايدوم على حال لها شان

لقد تمخضت شاعرية أبو البقاء الرندي عن نظريته الأدبية الحكيمة في أبياته السالفة عن تلك الحقيقة الأزلية مصوراً بنظرته الثاقبة وعمق إحساسه الممتد من جذور شاعريته المرهفة الراصدة لتغييرات الأيام وتحولاتها من حال إلى حال. وكيف أن أثر ذلك لايكون فقط في حياة الناس بل يمتد إلى حياة الشعوب والأمم وإنى لا أجد في هذه الأبيات تباينا بين الإنسان والدولة فكليهما تاريخ وكليهما بناء وكليهما أخذ وعطاء. وما ينتاب الناس ينتاب الدول وأن من صفا له زمانه حاضراً قد يعكر أمر ما صفوه أزمان وأزمان. وما أود أن أتحدث عنه هنا هو الإنسان ذاته. كيف يكون تاريخاً؟ ومتى يكون بمستوى هذه الكلمة الثقيلة؟ ومَنْ هو الإنسان الذي يكون تاريخه مشرقاً مشرفا تشع صفحاته نوراً وضياءً؟ولأنه لابد لهذه الصيغ الاستفهامية من إجابة فإني أرى مما لاشك فيه أن ذلك الإنسان هو من يترك أثراً وتأثيراً كما أرى أن هذا الإنسان هو من يشهد له العيان بطيب فعله وجميل قوله وكريم خصاله ولا يعيش في نطاقه في حدود الأنا ويحوط على نفسه أسواراً يتعذر معها الوصول إليه.
والنقصان الذي تحدث عنه أبو البقاء الرندي هي تلك الثغرة المنغصة في حياة أي فرد ما وإن كنت أرى أن لهذا النقص جانبا إيجابيا إلى جانب كونه منغصاً لأنه قد يكون مصدراً للإيحاء وسبباً في تهذيب الإحساس والشعور، فالمعاناة سبب أولي وجوهري في إفراز شخصيات متميزة وإبرازها كما أن للمعاناة دوراً كبيراً في إلهام الشاعر وإبداع الفنان. وإن لنظرية أبو البقاء الرندي برهانين عظيمين لا يحتاجان لمعطيات هما الأيام والتجارب ومن عاش وقدر له أن يقرأ هذه الأبيات سيحترم شاعرية وعبقرية هذا الشاعر الأندلسي المرهف وإن كان في مثواه على مدى قرون بعيدة. ولعلي أجد من هذه البداية والتي قد أكون أجزلت فيها مدخلاً إلى ما أردت الوصول إليه . وهو أنه لم يعد بالشيء الغريب في أيامنا هذه أن تستقبل مسامعنا مالا تسربه ولا أن يتسلل إلى أفئدتنا مالا تسعد به ويتأكد ذلك عند إصابة من نحبهم بسوء أو مكروه أو فراق لا قدر الله وإن قدر الله فإنها سنة الحياة. عندها لا نملك إلا أن نعود إلى تاريخ أولئك الأحبة نقلب صفحاتهم المشرقة ومواقفهم النبيلة فنهفو فيها إلى تلك اللحظات القابعة في ذاكرة تاريخهم الشخصي وأطوار حياتهم وشمائلهم وما قدموه لمن هم حولهم من العطاء والحب وإحساسهم الحي بمسؤولياتهم نحو وطنهم ومجتمعهم وأهليهم. وعلى ذلك فإن لكل إنسان في هذه الحياة دوراً يؤديه ولكن يا ترى ما حجم هذا الدور وما مساحته حتى استحق أن يصبح أهلاً لأن يكون حامل لواء. لواء الخير والعطاء والتحدي لظروف الحياة بإمكانياته المتاحة وفي حدود ما شرع الله، ولقد كان لك يا إبراهيم ياوالدي العزيز سهم كبير في هذا وذلك وإن قلمي يا والدي ليقف احتراماً وإعزازاً لك ولا أخفيك قولاً أنه يقف حزيناً متبعثراً يستصغر حروف اللغة ويجتاز معانيها وهو في يدي قبل أن يسطر لك ما يمليه عليه ثمرتا الحس بنبضه وفكره ليهديك أجمل الكلمات وأروع الذكريات وأزكى العبارات يحييها الحنين ويلفها الوفاء لأيامك الجميلة وماضيك الحافل. وما حياتنا ياأخي الأكبر إلا صفحات تنطوي بكل يوم فيه صفحة من أعمارنا. صفحة دوِّن بها حلو الأيام ومرها ولأحبتنا الأعزاء حيز كبير من صفحات حياتنا بأزمانها المتباينة وإن لك الحيز الأمثل منها يا إبراهيم لأن سطورك فيها واضحة وقوية ولأنك نموذج مثالي للأخوة الحقة. فلك منا تحية عطرة وكلمة صدق خالدة إليها أيها العلم والمعرف بأل في آن. أنت العلم في تواضعك وإنسانيتك ونبيل خلقك وأنت المعرف بأل في إخلاصك لرسالتك وأدائك لعملك وحبك لارضك ووطنك ومجتمعك البسيط حينذاك، ما أروعك يا والدي وأنت تختصر المسافات بخطواتك الواثقة في شوارع رياضنا وأحيائه العريقة بمشلحك الزاخر بمعاني الرجولة والسماحة وبمحياك الباسم الحازم وأنت تعلن دخول وقت الصلاة آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر. وما أروعك يا إبراهيم وأنت تفشي السلام وتحيي السنة بين ذا وذاك في سويقات عاصمتنا الحبيبة رياض الخير والرخاء بين من تعرف وما لا تعرف تسطر سطوراً لدنياك وتبذربذورا لأخراك في جومفعم بالمعاني الجميلة بين أصدقائك والأحبة. ما أروعك وأنت تخلد للراحة لثوان من الزمن العابر مع تجار القهوة والعود والزعفران مع تلك الروائح القيمة العطرةالتي تجاري قيمتك وبهوك، إليك يا والدي وأنت على فراش المرض وقد أخذت منك السنون والأيام ما أخذت كل معاني الوفاء والعرفان بعد أن أثبت يا أبراهيم أنه ليس بالشهادات فقط تسمو النفوس وتعلو الهمم وترقى القمم لقد قدمت بتعليمك المتواضع لسائر أبناء جنسك ما لم يقدمه أصحاب الشهادات والرموز فأنت بحق النموذج الحقيقي لابن البلد البار والنموذج الحقيقي الصادق لشخصية الأخ المثالي الذي يلف أخوته بلطفه ويحيطهم برعايته ويعيرهم اهتمامه. لا تشغله مشاغله الكثيرة عن مسائلهم الدقيقة ويجزل لهم دعواته الحارة إلى الله بالتوفيق والخير من عند الله. لقد أعطيت يا إبراهيم درساً قوياً ومثالاً رائعاً لمعنى الأخوة وترجمته أفضل ترجمة عكست فيه كل مميزات الأخ النموذج وكيف يكون الأخ أباً لأخوته يمنحهم حبه ويهبهم عطفه واهتمامه ناصحاً ومربياً ومرشداً وإني لا أراك يا إبراهيم إلا فارساً امتطى جواده وحمل لواءه وسل سيفه لمعترك الحياة وانتصر لنفسه.
لقد انتصرت لنفسك وأنت تلبي نداءات وطنك وأهلك وأسرتك وتأخذ من الأيام قبل أن تأخذ منك، فما أبرّك وما أرحمك فلك ولنا الله يا إبراهيم وإنا لقضاء الله لمسلمين ومستسلمين ونحن له مسلمون.


يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره لكل مغيب شمس

ALRESHOUD@HOTMAIL.COM.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved