أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 1st March,2001 العدد:10381الطبعةالاولـي الخميس 6 ,ذو الحجة 1421

الثقافية

في رواية «خطوات على جبال اليمن»
بطل يفقد الذاكرة في ظروف سردية واضحة
قراءة :عبد الحفيظ الشمري
مدخل : «خطوات على جبال اليمن» سيرة روائية يعبّر فيها مؤلفها الدكتور سلطان القحطاني بوعي ونضج ، وإصرار واضح عن عزمه اقتفاء تفاصيل هم يؤرقه ويملأ عليه عالمه منذ ان استعاد «الراوي البطل» ذاكرته المفقودة.
الرواية.. أو سرد السيرة لدى الروائي القحطاني تأخذ شكل الومضات التي تترجم مسافات طويلة من سيرة هذا الركض الى مجرد خطوات قد نستطيع معه الامساك بتلابيب هذه الحكاية والسير معها الى عوالم الفائدة والمتعة المرجوة من هذا العمل الذي وضعه بين أيدينا.
في تأملنا للمشهد الخارجي للرواية نقف على رغبة الراوي في تأكيد خطابه الانساني الذي يتمثل في المداخلة الحياتية التي تمت بين البطل وشخوص الحكاية الآخرين.. هؤلاء الذي يتكررون في كل مشهد، ويوجدون في كل مناسبة.
سنحاول في هذا السياق الحديث عن ظواهر عامة ألفنا التعامل معها، وهي عوامل أساسية لابد لأي قارئ منا الأخذ بها لحظة القراءة لأي عمل سردي فيما أعتقد روائياً كان أم قصصياً.
** وسنتناول من هذه الظواهر العديده أربعاً هي:
* ظاهرة الخطاب الانساني في رسالة الراوي..
* ظاهرة السرد التلقيني المباشر.. شكلانية الحدث المألوف..
فضاء المكان المنبئ عن زمن أعم..
* ظاهرةالبطل المثقل بالوعي واللواعج..
فمن هذه النقاط الآنفة الذكر يمكننا التداخل مع عالم الدكتور سلطان القحطاني الروائي في أضمومة «خطوات على جدار اليمن» والتي تعد سيرة روائية لمغترب عربي يعي الأحداث ويذكر الشخوص ويهجس في سرد الواقع من خلال ذاكرة جديدة بدأ بها استيعاب الحياة من حوله .. تلك الحياة التي تتصف بالغرابة، وخروجها عن مألوف الوعي الذي يتمتع به بطل الرواية «محمد شرف الدين» بعد ان حل بالمشفى لمدة ثلاثة اشهر خرج بعدها الى الحياة بوعي قديم، وذاكرة تبحث عن ذاتها الجديدة بيقظة اللحظة الآنية أمام الاشياء.
رسالة الراوي:
يُعِدُّ الدكتور سلطان القحطاني قارئه ليتقبل الرأي الوحيد في المشهد السردي للرواية .. فالقارئ هنا يجب ان يكون على وعي تام بما يجري في المكان الذي دارت به الأحداث.. ولك ان تتصور حالة الجبل في مطلع الرواية وموقع الحادث الذي فقد فيه «البطل» ذاكرته واثنين من مرافقيه في تلك الرحلة المشؤومة.
«الراوي» الملم بكل الأمور ، والخفايا والتفاصيل الدقيقة يدرك ان القارئ الذي يتتبع خيط رحلته الشاقة بحاجة الى ايجاز يجمع شتات المشاهد التي كان يمر بها لحظة ان كان فاقداً للوعي وحتى اكتمال وعيه.
«مسبر الروادي والسياكل» «الرواية ص24» هي المفتاح الوحيد الذي يدخل القارئ به الى عوالم «محمد شرف الدين» الذي فقد العديد من مقومات حياته كمهنته التي يضطلع بها في اصلاح «البراديوهات والدراجات».. فالراوي هنا محمل بالهموم والأحداث مما يجعله قلقاً في أي امر يبدأ وبأي حكاية يجاذب بها القارئ أطراف الحديث.. فلم يجد غير تلك المهنة التي كان يضطلع بها «شرف الدين» لتكون هي فاتحة العلاقة.
وتسير ظاهرة الخطاب الانساني لدى الراوي في خط متوازن واضح الأهداف والدلالات .. فالانسان هو المحرك الاساسي لجملة هذه المشاهد التي يصورها في تنقلاته كبطل للرواية اذ يصف فيها عناء الشخوص من امثال «مصلح صاحب المقهى علي محمد، عبدالرب ، سعيد «الكافر» ، الحاج علي، عمر باوزير وآخرين يقدم كل واحد منهم دوره بالحياة ورأيه فيما حوله.. ليكون الراوي أشد أمانة في نقل هذه التفاصيل الدقيقة.
الحدث المألوف:
أحدث رواية «خطوات على جبال اليمن» للدكتور القحطاني تأخذ شكل التلقين المباشر بمعنى ان الراوي يصوغ المواقف والأحداث على أسس قولية منطقية لا مجال الى الاسترشاد بلغة الاشارة، أو الحدس، والتخمين او التصور أو التخيل انما يظل السرد تلقينيا يعيد وصف الأحداث باستهلال «قال، وقلت» تلك التي تجسد الحدث الحواري المفتوح كما في الموقف بين الشيخ علي، والعزِّي المعروف بمحمد شرف الدين «بطل الحكاية» والذي يجسد نمطية السرد تماما «الرواية ص 808182» وهو موقف تلقائي عفوي يتجسد بهيئة شهادة يدلي بها «الشيخ علي» حول العالم من حوله لتأخذ الرواية هذا البعد الشكلاني في صياغة الأحداث والمواقف..
فالمألوف في هذه الرواية انها أخذت الطابع التنويري الذي يلقن به «الشيخ» المستفهم الغريب والذي لا يميز حتى بين اسم «شوعي» الانسان وبين «شيوعي» وهو المعتقد الايدلوجي الذي يعتنقه «سعيد» وآخرون يرى انهم مضللون فالشيخ هنا عالم ببواطن الأمور يلقن الشاب شرف الدين شيئا من تلك الحكايا التي أثرت في المجتمع وزادت من تعقيدات حياته ، ومعاشه.
ويسرد الروائي القحطاني بعض مكابدات هؤلاء الشخوص في رغبة منه لانه تتحد صورتا حلم اليقظة وحلم المنام فلم يعد يميز «البطل» بينهما في التأثير سواء حدثت هذه الأحلام في الصحو أو المنام «الرواية ص 89».
وتتواصل الأحداث في تدافعها على القارئ إلا أنها أحداث بسيطة وعادية يحاول الراوي ان يبين فيها نوعيات عديدة من المشتغلين بالتجارة التي فتن بها. ليأخذه الهاجس الفطرى نحو عوالم حب المعرفة والشغف بما يساعد على تعلمه واتقانه لحرفته التي يشعر انه يتعامل معها اول مرة في حياته.
يذهب الدكتور سلطان القحطاني في سبراغوار هذه العادات التي تختلف بين مدينة وأخرى في وطن هذه الرواية التي تدور تفاصيل أحداثها بين «صنعاء وعدن»..
الراوي يدقق في تلك التفاصيل اليومية ليولد مشهد الغداء «الرواية ص96» في ذات القارئ معرفة دقيقة بطعام البؤساء والكادحين الذين يكابدون عناء يومهم في البحث عن لقمة، إلا أن التفاصيل الدقيقة لم ترد فلا نعرف ما هو الشيء الذي أكله «شرف الدين».
الظاهرة السردية هنا صورة واضحة لنمطية معينة ترسم شكلانية الحدث المألوف الذي يحدث في أي مكان انما يمكن لنا ان نميزه فقط في محاولاتنا قراءة ما بين السطور والتقاط هذه التفاصيل الدقيقة التي يوردها الروائي في تضاعيف روايته التي تبحث لها عن تميز يخرجها عن نمطية السرد والمألوف لحكايتنا العربية المعتادة.
فضاء المكان . المنبىء عن زمن أعم:
يولد فضاء الرواية لدى القارئ شعوراً باتساع الأفق.. مما يجعله امام مقاربة حقيقية يتأمل بها البطل ذلك الماضي وتساوره المخاوف من هذا الحاضر، ويتشاءم من المستقبل.. وجميع هذه الفضاءات الزمانية تأتي في طريق واحد.. هو ذلك الواصل بين الانسان وحلمه.. وبين محمد شرف الدين ومهنته «مسبر الروادي».. أو عمر باوزير .. وتجارة المواشي.
هذه المداخلات الزمانية والحديثة تتحد فيما يبدو في إطار مكاني واحد في ذاكرة الانسان «اليمني».. ذلك المزيج بين التخيلات الحالمة ، والواقع المر.. إلا أن الشخوص في هذا العمل السردي اتقنوا أدوارهم ، وفسروا الأشياء من منطلقاتها المباشرة.. فلا يمكن للجنوب أن يأخذ مكان الشمال ولا للشمال ان يتجاوز حدود عالمه المكاني.. لينصرف كل واحد منهم الى اداء رسالته الواضحة.. تلك التي تتمثَّلُ بطلب الرزق.
فضاء المكان في رواية «خطوات على جبال اليمن» هو ذلك الأفق الذي يُوحِّد الرؤية المكانية التي تجسد حب الأرض «المكان» الملموس، وكذلك حب الأرض البعيدة النائية.. المتجسد بحلم الغربة .
. والمنافي البعيدة.. وهو ذلك الهاجس المفجع الذي يتلبس «الحاج علي» «الرواية ص111».
ونخلص في القول إلى ان «فضاء المكان» في الرواية هو الماح الى الحالة الواقعية للمكان دون ان يكون هناك افصاح حميمي عن كنه هذا المكان الذي يجسد من خلاله العلاقة الضرورية بين الانسان .. «بطل الرواية وشخوصها» وبين عالم المكان وهو ما يكون عادة قاعدة صلبة للأحداث والمقولات فضلاً عن انه أساس مهم من أسس العمل السردي ولا سيما ما يتكئ منه على الحكاية بوجه خاص والذي تجسده هذه الرواية بين أيدينا بشكل واضح.
* البطل المثقل بالوعي، واللواعج:
يحشد الدكتور القحطاني في ثنايا الرواية عشرات القصص والمقولات والأحداث.. بل انه يجعل من احد الشخصيات مصلحا احيانا يجتهد في الابانة ويتداخل في وعظ مباشر للشخوص الآخرين ويمثل هذا التوجه «الحاج مصلح» والذي لا يكف عن تقديم المشورة.. والنصيحة، والتأثير على الاحداث من منطلق الوصاية المطلقة على البطل «محمد شرف الدين».
كما نجد في هذا السياق تنامي حالة الوعي لدى البطل كلما ابتعد عن حالة البداية التي عاشها فقيراً معدماً لتأخذ شكل التنامي المنطقي الذي يعمد الى الشكلية المفرطة فها هو ذا في تفاصيل المشهد «16» من الرواية «ص125» يبحث عن زوجة بعد ان استعاد وعيه كاملاً واتقن اللعبة.
ويمكن للرواية ان تقف على هذا الحد من الذروة التي وصلنا اليها مع الشخصيات في ا لرواية إلا ان«الراوي» نراه هنا مدفوعاً بلواعج وعيه وتفانيه المطلقة في سبيل الحياة قد جسد الرغبة المفرطة في سرد مزيد من الايضاحات والتعليقات والحواشي، والتأملات وطرق الصور المكررة كالتي اتم بها بحثه عن زوجة مناسبة .. وما تخللها من أحداث جرت على هامش تلك المعاناة التي تعرض لها «شرف الدين» ليورد الراوي جملة المشاهد التي تجسد وجود «العم مصلح، الاستاذ علي، يحيى مطهر.. وآخرين» في الرواية ليكونوا اكثر قرباً من القارئ الذي استرخى تماماً ليترك لهم حرية ما يقولون بوعي تام لا يقبل الزلل والنقص والعيوب التي هي سمات متأصلة في الانسان منذ خلق.
الوعي الكامل، والتجلي الفكري، والاقوال الفصيحية والمدعمة بالآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة جعلت من «الحكاية الطويلة» لشرف الدين امثولة جادة لا تحتمل الجدل الفني الطويل حولها ..
اذ هي سرد متقن لا يمكن لنا ان نخرجها الى فضاءات الحدس او التخمين والخيال الفني الذي يشد القارئ الى هذه الرحلة الانسانية المثقلة بلواعجها، وشقائها.. وبحث صاحبها عن الذات اولا، وعن عالمه ومحيطه ثانيا.
وتبرز للقارئ الفاحص صورتا «مسبر الروادي وبلقيس» وهي الاسقاط الضمني المحتمل لحياة الرجل الذي لم يحسن فيما يبدو سبر أغوارهما.. اذ ان هاتين الشخصيتين هما الاهم في فضاء سرد الرواية.. ف
لم يكن لهما عوالم خفية يمكن للقارئ ان يتداخل مع الراوي بهما اذ أضحت المهنة المتميزة في الوعي السياسي لهذا اللصيق بالراديو «اذاعة لندن» والتي تنقل الخبر تلو الآخر..
وتصف الهزيمة تلو الأخرى في حروبنا الخاسرة في العصر الحديث فلم يكن بذلك الشخص الذي يكترث او تؤثر فيه الاحداث في المحيط العام حوله.. كما ان اقترانه بالمرأة «بلقيس» اسقاط تاريخي لم يكن بذلك الايحاء المؤثر والفاعل فنياً.. اذ جعلها تحبل وتلد وتنتظر الزوج في المطبخ .. فلم يحاول المؤلف ان يجعل لهذه العوالم بعدا تصويريا مشرقا يشترك فيه القارئ مع الكاتب لتجسيد لغة حقيقية للعلاقة التي تتم عادة بين القارئ وهذا الانجاز الابداعي.
ويختم الدكتور سلطان القحطاني روايته في شرح ابعاد هذه الحالة النفسية للشخصية الرئيسية والتي انبنت عليها تفاصيل الرواية كاملة حتى لحظات التنوير الأخيرة لتبين التفاصيل الدقيقة للرواية هوية «محمد شرف الدين» الذي يتحول الى الشخصية الاصلية «محمد سعد الحمد» ويعود الى اهله وموطنه محملا بتلك الصور والمواقف التي شحن ذاته بها وافرزت هذه الرؤى العديد من التجارب التي كونت هذا الوعي وجسدت توقه كإنسان الى حياة الاسوياء.
نؤكد في هذا السياق ان الرواية اخذت في مجملها واقع التقرير المباشر الذي التقط جل التفاصيل ليسجلها وبأمانة في هذه المشاهد ليصبح المظهر العام للعمل هو مجرد شرح حالة عربي تعرض لفقد ذاكرته واستطاع بعد عناء ومكابدة ان يستعيد صوته الحقيقي وهويته المألوفة ليبحث عن ذاته وسط هذه الوجوه التي تحترق في خواء الحياة.
كنت أتمنى في هذا السياق التأملي للرواية ان يكون الدكتور سلطان القحطاني قد وظّف فكرة «اليمن» بشكل أدق ولاسيما انه عاش بها لاعوام ليأخذ هذا التناول طابعا فريداً يغاير ما سرده من احداث..
كلنا نعرف الراديو، ولدينا شوارع عامة ونملك ابقارا وتسيطر علينا رغبات بسيطة..
لماذا لم يذهب الراوي الى نقطة ابعد ليجسد لنا الحياة الخلفية لتلك البلاد ربما لو فعل ذلك لأصبحنا امام أعمال روائية عديدة بدلاً من هذه الرواية الوحيدة..
«خطوات على جبال اليمن» عمل فني ..
سيجد فيه الناقد ضالته.. وستكون هذه الرواية وثيقة تاريخية للفن الروائى..
تلك اعتمد فيها على سرد تلك السيرة الذاتية لأبطال هذه الأعمال.. ليجعل «الراوي» من هذه الحكاية سندا عقليا صارما لا يترك صغيرة او كبيرة إلا ويدونها.. إلا أن هذا المشروع يرفض دائما فكرة دمج العقل بالمخيلة والذي اميل اليه من وجهة نظر شخصية.
** إحالة:
*خطوات على جبال اليمن.
«رواية»
* د. سلطان بن سعد القحطاني.
* الأوراق الذهبية الرياض 1421ه 2000م
* قدمت هذه الورقة في ملتقى القصة والسرد بجمعية الثقافة والفنون بالرياض.


أعلـىالصفحةرجوع






















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved