أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 3rd March,2001 العدد:10383الطبعةالاولـي السبت 8 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

عقوبة السجن
ليس من أهدافها إهانة المسجون ولا الانتقام منه نفسياً أو بدنياً )5/7(
مضواح بن محمد آل مضواح
لذلك عمدت إلى ابتكار شكل آخر يكون أكثر تعبيراً عن عوامل الضغط على السلوك، ويعطي صورة واضحة عن القيم الفردية والقيم الاجتماعية ومنطقة التوازن في حالتي الاستجابة السليمة وغير السليمة أو غير المتوازنة لتلك الضغوط، ومما يزيد في الثقة بهذا الشك أن ابتكاره وتصميمه تم تحت إشراف الدكتور صالح بن عبدالله المالك، وثبت بعد مضاهاته بالصفحة النفسية والاجتماعية التي رسمتها نتائج اختبارات الشخصية المجراة على عدد كبير من السجناء أنه يتمتع بدرجة عالية من صدق التمثيل للمكونات التي يحتويها، بالإضافة إلى أنه حاز على تحكيم مجموعة من المتخصصين، ويظهر هذا الشكل في اسفل المقالة :
وبالإضافة إلى أن هذا الشكل يعطي صورة صادقة لاتجاه منحنى التفضيل القيمي في حالة عدم التوازن، فإنه أثبت مجموعة من الحقائق من أهمها:
1 أن القيم الفردية والقيم الاجتماعية متداخلة في معظم الجوانب.
2 أن الاستجابة المتوازنة السليمة لعوامل الضغط على السلوك تتطلب من الفرد الاحتفاظ أو الأخذ ببعض القيم الاجتماعية وبعض القيم الفردية، فالمتوازن يأخذ من هذين النوعين للقيم ما يكفي لبقائه متوافقاً مع نفسه ومع مجموعته.
3 أنه مهما كان الجاني مفرطاً في تفضيل القيم الفردية فليس فاقداً أو معادياً للقيم الاجتماعية بشكل تام، وأنه مهما كان مفرطا في تفضيل القيم الاجتماعية فليس فاقداً أو معادياً للقيم الفردية بشكل مطلق.
4 أن الجاني أوالمفرط في تفضيل أحد أنواع القيم ليس خلواً من التوازن بدليل احتواء منحنى التفضيل على قدر معقول من منطقة التوازن يمكن تنميته، وهو ما ثبت وجوده بالضبط لدى الجناة.
وكل ما احتواه هذا الشكل من معان أثبتتها التجربة لها دلالات وفوائد عظيمة في عملية إعادة تشكيل سلوك الجناة المسجونين بالطرق الإنمائية والعلاجية، فمن خلال نوع الاستجابة أو السلوك الذي أقدم عليه الجاني يمكن تحديد نوع القيم التي ينتمي إليها ذلك السلوك، وبالتالي معرفة المكون الذي انحازت إليه الأنا، ومن ثم العمل على إعادة التوازن بين مكونات الشخصية، والعمل كذلك على رفع مستوى القيم الأخرى، فالعلاقة بين القيم الفردية والقيم الاجتماعية لدى المفرطين في التفضيل علاقة عكسية، كما يتم إنماء ما بقي لديه من منطقة التوازن.. ويتحقق كل ذلك من خلال )برنامج الإصلاح وإعادة التأهيل( داخل السجون وخارجها، والذي نرى أنه لا بد أن ينقسم إلى قسمين هما: )المحاكمة والنطق بالحكم( و)الرعاية اللاحقة للحكم بالسجن( ويأتي هذاالتقسيم انطلاقاً من معطيات الخبرة العملية والتجربة الميدانية في مجال إصلاح وتأهيل السجناء، وانطلاقاً من كونه ليس بالضرورة أن نتشبث بالنظريات الغربية في مجالات العلوم الإنسانية ولا أن نطبقها في أحوال وظروف أفرزتها مشاكل تختلف عن مشاكلهم، وميادين وثقافات تختلف عن الثقافات التي أفرزت تلك النظريات، وإذا بدا لنا ما يدل على أن لدينا البديل الأفضل، وقد رأينا كيف أن النظريات الغربية في مجالات العلوم الإنسانية ليست منزهة عن الخطأ، بل ورأينا كيف أنه يمكن اسقاط بعضها وبناء نظريات جديدة على أنقاضها.
ولكي ينجح برنامج الإصلاح وإعادة التأهيل لابد أن يتخلص كل نظام ومجتمع من النظرة إلى السجون على أنها أماكن للتنفيذ العقابي فقط، وليس أدل على التخلص من هذه النظرة في أي مجتمع من أن تكون السجون على الصفة المناسبة لتنفيذ هذا البرنامج من النواحي التخطيطية والإمكانات البشرية والمادية، وبخاصة بعد أن أصبحت السجون مؤشراً على مدى الأخذ بالاتجاهات الإنسانية في التعامل مع المسجونين، إذ تجمع مختلف الآراء العلمية في العصر الحديث على أنه عندما تبنى السجون فإنما تبنى معها المعاني والرموز الثقافية الدالة على الفلسفة العقابية السائدة في المجتمع. فكيف ينبغي أن يكون مضمون هذين القسمين لبرنامج الإصلاح وإعادة التأهيل؟ والإجابة على ذلك تتضح من خلال العرض الآتي:
أولاً المحاكمة والنطق بالحكم: من المؤكد أن هذا الجزء من البرنامج الإصلاحي سوف يكون ناجحاً أو فاشلاً بقدر قربه من العقوبة والبدائل الصحيحة أو بعده عنها، لذلك فمن المهم أن يكون تأهيل القضاة في أي مجتمع تتطلع نظمه إلى مسايرة ركب البشرية في التقدم عبر التنمية الشاملة مشتملاً على العلوم والمعارف الصحيحة المتعلقة بعلم الجريمة والعقاب، سواء تلك المستخلصة من الدين السائد في المجتمع نفسه، أو من معطيات العلوم الوضعية في أي مكان من العالم.
ويأتي على الدرجة نفسها من الأهمية اختيار من سيتم تأهيلهم للعمل في مجال القضاء، إذ لابد من اختيارهم وفق معايير مقننة تعطي صورة واضحة عن الصفة النفسية والعقلية لديهم، وتعطي كذلك مؤشراً صادقاً عن توجهاتهم الثقافية ومعرفتهم بالمتغيرات وقدرتهم على استيعابها والتعامل مع المستجدات الطارئة في حياتهم المستقبلية، وذلك من خلال المقاييس النفسية والاجتماعية والثقافية قبل التأهيل وأثناءه وبعده.. يأتي ذلك تمشياً مع اهتمام الأسرة الدولية بالقضاء، فقد أكدت مؤتمرات الأمم المتحدة على الحاجة إلى تطوير الكفاءات القضائية علميا وعمليا ليكونوا قادرين على مواجهة التغيرات في مجال الظاهرة الإجرامية والتحولات في المجتمع الإنساني بشكل عام.
كل ذلك يهدف إلى أن يكون القاضي ملما بالأسباب الدافعة إلى السلوك الإجرامي، والعوامل التي تسهم في رفع حدة تلك الأسباب، ويكون قادراً كذلك على التعامل مع المتخصصين في تلك الأسباب والعوامل، وفهم التقارير التي يعدونها للاستعانة بها في وصف العلاج المناسب للحالة المرضية التي بين يديه، لأن عدم الاستعانة بالعلوم الطبية والنفسية والاجتماعية لتقييم حالة المتهم، ومعرفة الظروف المحيطة به، قبل المحاكمة وأثناءها قد يحجب عن الحكم بعض الزوايا المهمة وبالتالي إعاقة برنامج الإصلاح وإعادة التأهيل، فالقاضي )ناظر القضية( الذي تلقى تأهيلاً أكاديمياً وعملياً يتماشى مع روح العصر ومع توصيات المنظمات والهيئات الدولية ومؤتمراتها،. في هذا الخصوص، يستطيع أن يجمع المعلومات الواردة في تقارير المتخصصين مع المعلومات التي استقاها من تأهيليه الأكاديمي والعملي، ومتابعته لكل جديد في مجال علم الجريمة والعقاب، ثم يوظفها جميعاً للحصول على تقدير واقعي لدى توافر أركان الجريمة، ومدى مسؤولية الجاني، ومدى تقصير مجتمعه في توفير الظروف الملائمة للحياة السوية، ومدى الضرر الذي لحق بالمصلحة المعتدى عليها، ومن ثم ينتقي العقوبة أو البديل المناسب في حالة الإدانة، وكذلك الأسلوب الأمثل للتنفيذ حتى يكون للعقوبة أثرها العلاجي والوقائي، وليس مجرد الانتقام.
ثانياً الرعاية اللاحقة للسجن: والحديث عن مضمون هذا القسم يحتاج إلى شيء من التمهيد: فهذا القسم من برنامج الإصلاح وإعادة التأهيل يشبه الرعاية الاجتماعية العامة التي تقدمها المؤسسات الحكومية والأهلية للفرد والجماعة خارج السجن، وهو يحتاج إلى الخدمة الاجتماعية كفن مهني يمكّن الفرد والجماعة من الاستفادة من تلك الرعاية عن طريق تذليل ما يعترضهم من مشكلات قد تحول بينهم وبين الاستفادة المنشودة.
والباحثون العرب يقسمون الرعاية المقدمة للسجناء إلى قسمين: الرعاية داخل السجن، والرعاية اللاحقة للسجن، ويعرفون الرعاية اللاحقة للسجن بأنها: )تلك الجهود المبذولة لمتابعة المفرج عنهم بهدف مساعدتهم( وممن ينحو هذاالمنحى الدكتور مصطفى التير، والدكتور مصطفى العوجي، والدكتورة سامية الساعاتي، والدكتور شتا، والدكتور سعدالقعيب، والدكتور عبدالله غانم، والدكتور عبدالمنعم بدر، والدكتور محمد الوهيد، والأستاذ مندل القباع وغيرهم.
وعلى الرغم من أنني درست الرعايةاللاحقة للسجن وفق هذا المفهوم إلا أنني في واقع الأمر غير مقتنع بهذه النظرة أو هذا المفهوم..لست مقتنعاً لسببين أحدهما تطبيقي والآخر لغوي، فأما السبب التطبيقي فهو أن الرعاية المقدمة للمفرج عنه ليست عملية منفصلة عن الرعاية التي كانت تقدم له أثناء سجنه، بل هي امتداد لجهود بدأت منذ أول يوم له في السجن ويجب أن تستمر إلى ما بعد الإفراج عنه حتى يستغني عنها.
وأما السبب اللغوي فلو أن المقصود بالرعاية اللاحقة للسجن ما يقدم للسجين من رعاية بعد الإفراج عنه لكان الأصوب أن يقال: )الرعاية اللاحقة للإفراج( ومن هذا المنطلق ولهذين السببين فإن صفة )اللاحقة( عندما يقال: )الرعاية اللاحقة للسجن( تعني أنها لاحقة للإيداع في السجن وليست لاحقة للإفراج فقط، لذلك ينبغي أن نعدل مفهومنا للرعاية اللاحقة للسجن ليصبح تعريفها كالآتي: )الرعاية اللاحقة للسجن هي تلك الجهود الهادفة إلى رعاية السجين من النواحي البدنية والنفسية والثقافية والمهنية والاجتماعية والأسرية والمعيشية وما يرتبط بها من جوانب من شأنها المساهمة في إصلاحه وإعادة تأهيله، وتستمر هذه الرعاية بعد الإفراج وفق حاجة المفرج عنه حتى يستغني عنها بقصد مساعدته على الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنه ليحيا حياة منتجة ويعيش في توافق مع نفسه ومع مجتمعه ويتغلب على المشاكل التي سوف تعترض طريقه في الحياة المستقبيلة(.
وينبغي كذلك تعديل جميع الإجراءات التي اتخذت بناء على المفهوم الخاطىء للرعاية اللاحقة للسجن،فلقد أفضى هذا المفهوم الخاطىء إلى تنظيمات وإجراءات ما كانت لتكون على الوضع الذي هي عليه الآن لو أن الرعاية اللاحقة للسجن قد فهمت على حقيقتها، ومن تلك الإجراءات والتنظيمات التي يجب تعديلها التنظيم الذي أناط مهمة تنفيذ الرعاية اللاحقة للإفراج أو ما يسمى حاليا )الرعاية اللاحقة للسجن( بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فحين نعود إلى المفهوم الصحيح للرعاية اللاحقة للسجن سيتبين لنا جلياً أن وزارة الداخلية هي محل الاختصاص بتنفيذ هذه الرعاية وليس سواها، ومن السلبيات التي ترتبت على إناطة هذه المهمة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ما يأتي:
1 إحداث هزة عنيفة للمفرج عنه بسبب قطع العلاقة بينه وبين المنفذين للرعاية داخل السجن بمجرد الإفراج عنه، وهذه الهزة تمثل أكبر جانب مما يسمى بصدمة الإفراج.
2 تأخر هذه الرعاية عن المفرج عنه لكون المختصين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية يبدؤون في إجراءات جديدة تستغرق وقتاً طويلاً قبل تكييف الحالة، ويمضي وقت أطول قبل وصول أي مساعدة إلى المفرج عنه فيعود إلى الإجرام تحت وطأة الظروف القاهرة.
3 تحتفظ السجون أو الجهات الأمنية ذات العلاقة بملف السجين )ملف القضية( بعد الإفراج عنه وهذا الملف يحتوي على المعلومات ما لا يمكن أن تتم بدونها رعاية داخل السجن أو خارجه، ويستحيل السماح للباحثين التابعين لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالاطلاع على هذا الملف لأسباب أمنية وأسباب أخرى أدبية وأخلاقية تعود إلى رغبة السجناء أنفسهم، الأمر الذي يحجب عن باحثي وزارة العمل تلك المعلومات المهمة التي يجب استمرار التعامل مع المفرج عنه على أساسها، ولا أرى أي فائدة من رعاية تقدمها أي جهة بدون أن تكون على علم بهذه المعلومات، ولا أرى أيضاً أن أي جهة يمكن أن تكون على هذه الدرجة من الدراية والعلم بهذه المعلومات وكيفية معالجتها وتوظيفها لمصلحة المفرج عنه سوى وزارة الداخلية.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved